تستعبدنا المعاصي حتى لكأنها أغلال إلى الأذقان لا نجد عنها محيصا، وما منا إلا من يستغيث فلا يجد مغيثا ويستنجد فلا يجد منجدا، وفي داخل كل واحد منا ذلك الصوت الذي يتعالى كل ما خلونا بمعصية يتساءل في إصرار : إلى متى؟ في هذه الدوامة الشديدة يبرز شهر المغفرة والتوبة، وكأنه ذلك الملجأ الذي كنت تبحث عنه في ظل عاصفة هوجاء، ثم فجأة تأوي إلى ركن شديد، وتصفد عنك الشياطين ، وتخف نزواتك الداخلية، ويؤثر الجوع في شهواتك، ويضعف مجرى الدم في أوردتك، فتكون التوبة أمامك مُهَيَّأةً أسبابُها، وأبوابُ السَّماءِ مُفتحة أقفالها، وقوافل العابدين تمر من أمام داركُم فجرا وعشاء، يحملون سجاداتهم الطاهرة، ويتوجهون في سكينة إلى بيوت الله، وكأنهم ملائكة تطوف حول سدرة المنتهى، وأنوار وجوههم المشرقة تلمع في عينيك، وكأنها تقول لك: تعال معنا، ما الذي يمنعك؟ لماذا أنت واقف هناك؟ ما الذي يحبسك عن الله؟ هيا التحق بنا، ثم تجد ذلك الأثيم في قلبك يؤزك لتضغط على زر الهاتف أو توقظ شيطان التلفاز، ثم ترتمي على ظهرك وأنت تقول الله يعفو علينا… لقد عفا عنك بما سخر لك من أسباب التوبة وهيأ لك من أبواب الخيرات، فأعن على نفسك، وكن لربك ظهيرا، ولا تكن عليه بالشيطان ظهيرا، قال تعالى {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وكان الكافر على ربه ظهيرا} قال السعدي: "فالباطل الذي هو الأوثان والأنداد أعداء لله، فالكافر عاونها وظاهرها على ربها وصار عدوا لربه مبارزا له في العداوة والحرب، هذا وهو الذي خلقه ورزقه وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة وليس يخرج عن ملكه وسلطانه وقبضته والله لم يقطع عنه إحسانه وبره وهو بجهله مستمر على هذه المعاداة والمبارزة". كفى من هذه العداوة لله، فقد حان الوقت لتستغل هذا الحجر الصحي وهذا الشهر الفضيل لكي تتذكر ما مضى من ذنوبك، وتتقين حقيقة أن هذه المتع والشهوات إنما هي ظل زائل، ومتع زائفة، وأن ما يعقبها من الندم والحسرة والبؤس أضعاف ما فيها من السعادة، وأن السعادة الحقيقية هي في عبادة الله وحده، هيا اسجد واقترب…