لقد كان الكهان ولا يزالون يستخدمون شكلا من التهويل بجمع الكلمات المتشابهة وتركيبها في صور درامية، حتى يخلقوا لدى المستمع حسا بالتعظيم لما يقولون، وأول ما اتهمت قريش الرسول صلى الله عليه وآله سلم اتهموه بأنه يسجع سجعا كسجع الكهان. قال عزى سلمة الذي وصفه الجاحظ بانه أشجع الكهان : والأرض والسماء، والعُقَاب والصَّقْعاء، واقعة بِبَقعاء، لقد نَفَّر المجدُ بني العُشَراء للمجد والثَّناء، وقالت احدى الكاهنات تحذر قومها من غارة قادمة عليهم : واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصباح الشارق، والنجم الطارق، والمُزْن الوادق، إنّ شجر الوادي ليأدو خَتْلاً، ويحرق أنياباً عُصْلاً. وإن صخر الطَّوْد ليُنذر ثُكْلاً، لا تجدون عنه مَعْلىً. واليوم يستخدم بعض الكهان الجدد هذا الأسلوب، لكنهم يركبون الصور فقط، دور تركيب الكلمات، فيقومون بتركيب صور متشابهة، ويربطون، ويربطون بينها بشكل درامي عاطفي، ليخلقوا لدى المستمع نفورا من شيء ما، شيء قريب من الدين وأهل الدين ولكن ليس عنهم تماما، وهو أسلوب شيطاني يعتمد الإيحاء بدل التصريح. من ذلك أن تجده يربط بين مكيفات المسجد وآلات الأكسجين في المستشفيات، فيستنكر وجود المكيفات وانعدام آلات الأكسجين، أو يربط بين إطعام الجياع، والحج والعمرة إلى بيت الله، وهذه مغالطة عجيبة، لكن تركيبها في هذا السجع الكهاني يجعل العقل يتقبل مضمونها دون تدقيق. لم يربط هذا الكاهن بين المستشفى وملاعب كرة القدم، ولم يربط بين الأطباء واللاعبين الذين يتقاضون الملايين، لم يربط بين المستشفيات ومهرجانات الفسق والفجور، ولم يربط بينها وبين القصور الفاخرة للرؤساء المستبدين، لقد ترك كل هؤلاء وربط لك بين صورتين جعلا عقلك يصل إلى نتيجة مفادها أن الذي يبني المساجد مفسد مبذر، وأن الذي يتابع بين الحج والعمرة لا يعرف الله، وبالتالي يعرض عقلك عن كل التافهين ويتجه مباشرة إلى المحسنين، فيتجه إليهم بالاتهام والسخرية، وذلك محبب إلى النفس، لأن النفس تعشق تحقير من يسبقها ويتفوق عليها، وهذا أسلوب المنافقين من أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم}. فإذا رأيت من يركب لك مثل هذه الصور فاعلم أنه من الكهنة الجدد، فاستعذ بالله منه، فإنما هو فتنة.