من حسنات التعديلات المقترحة على انظار البرلمان المغربي بخصوص القانون الجنائي 10-16 ادراج مادة تتعلق بالاثراء غير المشروع، حيث جاء في «الفرع 4 مكرر» الإثراء غير المشروع، «الفصل 8 – 256»، يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، «ويعاقب بغرامة من 100.000 إلى 1.000.000 درهم، كل شخص «ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به «العمل ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية أو ذمة أولاده «القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة، «انطلاقا من التصريح بالممتلكات الذي أودعه المعني بالأمر، بعد «صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يدل «بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة». و«علاوة على ذلك، يجب في حالة الحكم بالإدانة، الحكم بمصادرة «الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من هذا القانون والتصريح «بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية طبقا «للفصل 86». فاعتبر الاثراء غير المشروع جريمة يعاقب عليها القانون، وهو شروع اولي في تطبيق مبدأ «من اين لك هذا؟» الذي طالما نادى به المصلحون والمناضلون لمحاربة الفساد ونهب المال العام واتخاذ المنصب والمسؤولية العامة وولاية شان البلاد والعباد وسيلة للاغتناء والاثراء المحرم، وفي سعي حثيث للجمع بين السلطة والثروة بغير حق، واستغلال النفوذ الذي يعدم شروط المنافسة الشريفة، وهو مبدأ اصيل في ديننا، قال تعالى في سورة البقرة «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: (إن دماءكم، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) رواه البخاري. وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ،فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري.قال الحافظ ابن حجر: [قوله(إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل] فتح الباري 6/263. وروى الإمام البخاري بسنده عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: (اسْتعْملَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رَجُلاً مِن الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ:ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قال: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهدِيَ إِلَيَّ فَقَامَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على الْمِنبرِ، فَحمِدَ اللَّه وأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قال: أَمَّا بعْدُ فَإِنِّي أَسْتعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ على الْعمَلِ مِمَّا ولاَّنِي اللَّه، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ،وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَت إِلَيَّ، أَفَلا جلس في بيتِ أَبيهِ أَوْ أُمِّهِ حتَّى تأْتِيَهُ إِنْ كَانَ صادقاً، واللَّه لا يأْخُذُ أَحدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حقِّهِ إلاَّ لَقِيَ اللَّه تَعالَى، يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، فَلا أَعْرفَنَّ أَحداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّه يَحْمِلُ بعِيراً لَهُ رغَاءٌ ، أَوْ بَقرة لَهَا خُوارٌ، أَوْ شاةً تيْعَرُ ثُمَّ رفَعَ يَديْهِ حتَّى رُؤِيَ بَياضُ إبْطيْهِ فقال: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، ثلاثاً). وورد أن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه حاسب معاذ بن جبل الصحابي الجليل رضي الله عنه،عندما قدم من اليمن بعد وَفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ارفع حسابك"، فقال معاذ: "حسابان: حساب من الله، وحساب منك » وورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاسب أبا هريرة رضي الله عنه لما قدم بمالٍ من البحرين حيث كان والياً، وقال له: من أين لك هذا؟ (فعن ابن سيرين قال: لَمَّا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ , قَالَ لَهُ عُمَرُ، يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّ كِتَابِهِ، أَسَرَقْتَ مَالَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَسْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ وَلَا عَدُوِّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا، وَلَمْ أَسْرِقْ مَالَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ اجْتَمَعَتْ لَكَ عَشَرَةُ آلَافٍ؟ قَالَ: خَيْلِي تَنَاسَلَتْ وَعَطَائِي تَلَاحَقَ وَسِهَامِي تَلَاحَقَتْ، فَقَبَضَهَا مِنْهُ وجعلها في بيت المال، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَمَّا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ اسْتَغْفَرْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه «الأموال» وابن زنجويه أيضاً. وهو خبر صحيح. بل وعزل أبا موسى رضي الله عنه عن البصرة، وقدامة بن مظعون والحارث بن وهب أحد بني ليث بن بكر وشاطرهم أموالهم. وورد ايضا ان عمر صادر مالاً لبعض أولاده لما رأى أنه استفاده بجاه أبيه أمير المؤمنين،قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:(اشْتَرَيْتُ إِبِلاً وَارْتَجَعْتُهَ إِلَى الْحِمَى فَلَمَّا سَمِنَتْ قَدِمْتُ بِهَا قَالَ: فَدَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوقَ فَرَأَى إِبِلاً سِمَانًا،فَقَالَ:لِمَنْ هَذِهِ الإِبِلُ؟ قِيلَ: لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَخٍ بَخٍ ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،قَالَ فَجِئْتُهُ أَسْعَى،فَقُلْتُ:مَا لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،قَالَ:مَا هَذِهِ الإِبِلُ؟ قَالَ قُلْتُ: إِبِلٌ أَنْضَاءٌ –أي هزيلة – اشْتَرَيْتُهَا وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى الْحِمَى -أي المرعى- أَبْتَغِى مَا يَبْتَغِى الْمُسْلِمُونَ،قَالَ: فَقَالَ: ارْعُوا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،اسْقُوا إِبِلَ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ اغْدُ عَلَى رَأْسِ مَالِكَ وَاجْعَلْ بَاقِيَهُ فِى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) رواه سعيد بن منصور والبيهقي في السنن الكبرى وابن عساكر في تاريخه. وروى الإمام مالك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ , فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، وَقَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمُا بِهِ لَفَعَلْتُ، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَاهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفُكُمَاهُ، فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ، ثُمَّ تَبِيعَانِهُ بِالْمَدِينَةِ، فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ. فَقَالَا: وَدِدْنَا. فَفَعَلَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا. فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ، قَالَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ كَمَا أَسْلَفَكُمَا؟ فَقَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ: ابْنَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، مَا سَلَّفَكُمَا أَدِّيَا الْمَالَ وَرِبْحَهُ. قَالَ: فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَسَكَتَ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ ، فَقَالَ : مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَوْ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ نَقُصَ لَضَمِنَّاهُ . فَقَالَ : أَدِّيَاهُ . فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَه قِرَاضًا ؟ فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا . فَأَخَذَ عُمَرُ رَأْسَ الْمَالِ وَنِصْفَ رِبْحِهِ ، وَأَخَذَ عُبَيْدُ اللَّهِ ، وَعَبْدُ اللَّهِ نِصْفَ رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ )رواه البيهقي في السنن الكبرى والدارقطني في سننه،وقال الحافظ في التلخيص الحبير : إسناده صحيح.وقال العلامة الألباني: هو على شرط الشيخين. نعم، لا يرقى مشروع القانون الحالي المقترح على البرلمان الى السقف الذي يطمح اليه المغاربة واراده ديننا ومارسه الخلفاء الراشدون وخصوصا ابو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وبعض الخلفاء بعدهم كعمر بن عبد العزيز وغيره، ولكنه خطوة في الطريق الصحيح وهو ما ينسجم مع توجهات الحكامة الدولية بادراج « الثراء غير المشروع في عدد من المعاهدات والاتفاقيات كممارسة يتعين تجريمها من خلال التشريعات الوطنية؛ مثل الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي دعت الدول الأطراف إلى النظر في اعتماد ما يلزم من تدابير تشريعية وغيرها لتجريم تَعمُّد موظف عمومي إثراء غير مشروع؛ أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياساً إلى دخله المشروع. فشرعت مجموعة من الدول حتى العربية منها في التنصيص في قوانينها على ذلك مثل لبنان وتونس وان كان في بعضها لم تحقق تلك القوانين المقصود منها لنقص في تدقيق الصياغة وتلكؤ في التفعيل والتنزيل في الممارسة. والمفروض تطوير المشروع ليعم مختلف اشكال الاثراء غير المشروع ويعم جميع الناس في مختلف مسؤولياتهم التي يمكن توظيفها في ذلك الاتجاه، وليس الاكتفاء بمن صرح بالممتلكات، لانه يبقى التساؤل في حق من لايشملهم ذلك التصريح، ثم ان العودة الى عقوبات عدم التصريح يجدها غير رادعة، اذ هي ما بين 3000د و15000د، فما قيمة كل ذلك امام من يحصل الملايين والملايير من الاثراء غير المشروع، وحتى حرمان من تولي بعض المهام والمسؤوليات لمدة ست سنوات، اي ردع فيها لمثل هؤلاء، وهي لا تكاد تتعدى في الغالب الولايات التشريعية (انظر الفصل 626 من مجموعة القانون الجنائي) فيعود المفسدون اكثر قوة في النهب والافساد، فلو وسع واضعو المشروع من الآليات القانونية التي تمكن من تتبع اشكال الاثراء غير المشروع ولم يحصروها فقط في المصرحين بالممتلكات، ووضعوا عقوبات مؤثرة فيمن خالف التصريح لكان اجدى وانفع، كما يفعل مثلا في غسيل الاموال من اعمال مؤشرات عديدة وموضوعية لاكتشاف التطور المشبوه للثروة عبر مؤسسات وطنية عديدة كالمحافظة العقارية ومكتب الصرف وإدارة الضرائب والجمارك ومؤسسات الائتمان وغيرها من الهيئات العامة والخاصة.(مكافحة الاثراء غير المشروع-كوثر بوعسرية-هسبرس 11-01-2019). والعجيب ان مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان في شان مشروع تعديلات القانون الجنائي لم تتناول هذا المشروع الخاص بتجريم الثراء غير المشروع، رغم انه يهم جميع المغاربة او سوادهم الاعظم ويساهم ولو نسبيا في حفظ اموالهم ومقدراتهم ويؤسس للتنافس الشريف وتكافؤ الفرص ويحارب الفساد واستغلال النفوذ، ولم يعره اي عناية او اهتمام رغم صدور توصيات دولية في شانه، وكانه ومن يجاريه ويتماهى مع اطروحاته لا هم لهم الا ما يتعلق بحرية الفروج في الشذوذ وما يسميه بالعلاقات الجنسية الرضائية وتوسيع دائرة قتل الاجنة واجهاض حياة الانسان في بداية تكونه والقول ببدعة الاغتصاب الزوجي والسعي لتخفيف العقوبات على مروجي المخدرات المساهمين في اغتيال العقول وتغييب الناس عن مواجهة واقعهم ومشكلاتهم، وكاني ب"مجلسنا الموقر" بسكوته عن دعم مشروع الاثراء غير المشروع، يقول للمفسدين في الاموال والناهبين للثروات، افعلوا ما بدا لكم في اموال الامة ونساعدكم بالصمت وبما نحدثه نحن والجمعيات والهيئات التي تتقاسم معنا القناعات «الحداثية» من ضجيج في ضرب الثوابت والاصول والحياء والاداب العامة وتجريء الناس على حرمة رمضان ونحو ذلك، وانتم ساعدونا بما بدا لكم وبما استطعتم في توسيع حرية الفروج وازالة تجريم الزنا والتطبيع مع الفواحش وتسويغ ما تستقذره الفطر السليمة، فاذا كان اصحاب الاموال قد قالوا من قديم لشعيب عليه السلام «أَصَلَواتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ » فلسان حال هؤلاء القوم يقول للمجتمع المغربي المسلم: ادينك وهويتك واصالتك وقيمك تامرك ان نترك ما يمليه علينا المنتظم الدولي في اخر طراز لحقوق الانسان او ان نفعل في فروجنا وادبارنا وبطوننا واجنتنا ما نشاء.