1- ما رأيكم في المطالب التي يرفعها التيار العلماني بخصوص إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؟ أولا: علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها، فما يسمونه "علاقات جنسية خارج إطار الزواج"، هو ما يسمى "الزنا" في مرجعيتنا الإسلامية. وموافقة القوم في اصطلاحاتهم أول خطوة نحو تمييع الخلاف، وفتح باب القبول بباطلهم. ثانيا: التجريم القانوني للزنا هو من الصُّبابة اليسيرة التي بقيت من الشريعة في قوانيننا الوضعية. فأصل تجريمه موافق للمرجعية الإسلامية، وإن كان القانون مخالفا للشريعة في تفصيلات إثبات الجريمة، والعقوبة عليها. ثالثا: الزنا في الإسلام كبيرة من كبائر الذنوب، نتلو تحريمه في كتاب ربنا، وسنة نبينا. فإذا أبحناه كيف نصنع مع قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا، إنه كان فاحشة وساء سبيلا)؟ أنقول: قال ربنا شيئا، ونحن -والعياذ بالله- نقول بخلافه؟ أم ترى نجعل ذلك كلاما نتعبد به في صلواتنا وأورادنا، ولكن ليس له معنى مفهوم، ذو أثر في واقع الناس؟ رابعا: نحن نؤمن بأن الله ما حرم شيئا إلا لما فيه من الضرر على الفرد أو المجتمع أو الأمة. وأضرار الزنا أكثر من أن تحصر، وقد نذكر بعضها لاحقا. خامسا: في جميع بلاد العالم هنالك تقييد قانوني على بعض الحريات الفردية، مراعاة لدين أو عرف اجتماعي أو قرار صحي أو غير ذلك. وما يتوهمه بعض الناس، من أن الحرية الفردية مطلقة في بلاد الغرب المتقدم، بقيد واحد هو عدم الإضرار بالآخرين، لا يعدو أن يكون ضربا من الخيال. 2- يعتبر بعض المنتمين لهذا التيار أنه يجب أن نعيش تحررا جنسيا، لا قيود عليه، لأنه أكبر القيم التي نعيش من أجل تحقيقها، وهو أساس العلاقات والتواصل، ووضع القيود عليه سيشكل إكراها لتحقيق الذات، والمجتمع المغربي يعيش ذلك في الخفاء، ويحتاج أن يعلنه للجميع، فما تعليقكم؟ هل التحرر الجنسي حقا أولوية في بلداننا التي تعاني من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي؟ أم أن الجنس "هوس علماني"، يجعل القوم يغمضون أعينهم عن الأهم في دين الناس ودنياهم؟ أم لعله لا يعدو أن يكون استجابة -مأجورة أو متبرعا بها- لمطالب من خارج المجتمع المغربي (منظمات حقوقية دولية، دول متسلطة تشترط سن قوانين معينة لتقديم المساعدات الاقتصادية، قصف إعلامي وثقافي، إلخ)؟ هل يستطيع عاقل أن يزعم أن تطور الغرب (وهو المثل الأعلى لهؤلاء) راجع -ولو بنسبة ضئيلة- إلى تحرير الجنس عندهم، أم أن هذا الأخير إنما هو عرَض جانبي من أعراض الحضارة المادية الغربية، يراد لنا أن نتمسك به وحده، ونتركَ أصول التقدم الحضاري عندهم، في العلم والعمل؟ ونحن لا ندعو إلى إلغاء الجنس من حياة الإنسان، وإنما نريد أن لا يعدوَ قدرَه، وهو أنه شهوة غريزية طبيعية، لا تصل إلى الحالة التي تفسَّر كل أحوال النفس البشرية بها، ولا تنزل إلى أن تكون مستقذرة مذمومة، أو تافهة لا قيمة لها. ولا يكون ذلك إلا بتقييدها في إطار زواج شرعي، فيه ميثاق يمنح الطرفين حق الاستمتاع المباح، ويجعل الشهوة خادمة للنفس المتعالية على المادة، والزوجين مشتركين في هدف سام: هو حسن عمارة الأرض، وتنشئة الأجيال الصالحة. أما قضية النفاق الاجتماعي التي يتشدق بها العلمانيون، فجوابه أن يقال: إن تطبيع المجتمع مع المعصية انحرافٌ في سير المجتمع، لا يمكن أن يُحتج به. فتناول المخدرات أيضا سلوك اجتماعي، فهل نبيحه؟ وهل كل ما يمارس في الخفاء، يجب تقنينه وإباحته؟ إذن يجب تقنين البيدوفيليا، وزنا المحارم، والاغتصاب، والرشوة، وغير ذلك! انحراف المجتمع يحتاج إلى تصحيح، لا إلى تسويغ! والتصحيح يكون بالتعليم والتربية والدعوة، ويكون أيضا بالمنع والتقنين وسد المنافذ التي يتسرب منها الخلل. 3- وفق إحصائيات رسمية فقد حوكم 14503 سنة 2018 بتهمة ربط علاقات غير شرعية، وسُجن 3048 شخص بسبب الخيانة الزوجية، هذا مع التساهل في تطبيق القانون الذي يجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ماذا إن لم يوجد قانون يجرم هذه العلاقات أصلا؟ مآلات التحرر الجنسي الذي يدعو إليها العلمانيون، خطيرة جدا، ويكفي أن نراها في الغرب ماثلة للعيان، فلسنا محتاجين إلى التخيل أو الاستشراف المستقبلي. أولا: التحرر الجنسي يؤدي إلى السعار الجنسي، لأن الجنس لا يمكن تحقيق الارتواء فيه بالانطلاق التام -فإنه مثل مدمن المخدرات الذي ما زاد من الكمية المستهلكة إلا زاد احتياجه إليها حتى يكون هلاكه-. ولذلك فإن التحرر الجنسي يؤدي إلى فتح الباب أمام كل أنواع الممارسات البهيمية: الشذوذ/البيدوفيليا ..، كل ذلك بحثا عن الارتواء الذي لا يأتي. ثانيا: التحرر الجنسي يؤدي إلى تدمير مؤسسة الأسرة، وتفسخ المجتمع. ويكون ذلك بالعزوف عن الزواج، والتسارع إلى الطلاق، وتكاثر الأسر أحادية الوالد (Mono-parentale) والغالب أن الأم تكون هي الحاضرة والأب يكون غائبا، فتنشأ أجيال على تربية ناقصة. ثالثا: يؤدي التحرر الجنسي إلى تكاثر حالات الإجهاض، مع ما يصاحب ذلك من آلام جسدية ونفسية على الأمهات، إضافة إلى المشكلة الأخلاقية المتعلقة بحق الحياة. ويؤدي أيضا إلى تنامي عدد الأطفال غير الشرعيين، الذين يشكلون عبئا ثقيلا على المجتمع (خاصة في المجتمعات الفقيرة)، وصحة الأفراد النفسية، وسلامتهم البدنية. رابعا: يؤدي التحرر الجنسي إلى تضييع حقوق المرأة، فالمسكوت عنه في خطاب العلمانيين أن هذا التحرر هو في مصلحة الرجل بالدرجة الأولى، وأن الخاسر الأكبر فيه هو المرأة، التي: – تفقد حنان الأمومة الدافئة داخل الأسرة، وهو عندها أهم من الجنس المجرد؛ – وتفقد طمأنينة ميثاق الزواج، الذي يعفيها من الصراع الأبدي في مجالات الإغراء؛ – وتتحمل القسط الأكبر من مسؤولية العلاقة الجنسية، خاصة الحمل والإجهاض وتربية الطفل غير الشرعي (والرجل في ذلك كله لا مسؤولية له أمام القانون ولا المجتمع)؛ – وتتعرض لأبشع أنواع الاستغلال الجنسي، الذي تفرضه صناعة الجنس التي تأتي -ولا بد- مع التحرر الجنسي، من الدعارة إلى نوادي التعري إلى الأفلام الإباحية إلى تجارة الرقيق الأبيض -كما يسمونها- وجميع ذلك لتلبية حاجات الرجل على حساب كرامة المرأة؛ – وتبقى مع ذلك معرضة للتحرش والاغتصاب، الذي تزيد فرصه مع التحرر الجنسي، بدلا من أن تقل، كما يظنه أو يدعيه العلمانيون. * د.البشير عصام: مدير مركز إرشاد للدراسات والتكوين.