هوية بريس – ذ. إبراهيم الطالب كشفت مؤسسة ماروك ميتري في آخر الأرقام التي نشرتها، أن الحلقة الأخيرة من مسلسل "سامحيني" التي بثت الأربعاء 24 يوليوز، على القناة الثانية، اعتلت التصنيف، على قائمة البرامج الأكثر مشاهدة في الأسبوع الأخير من شهر يوليوز ب6.7 مليون مشاهد، متبوعة بحلقة من مسلسل تركي آخر بعنوان "لن أتخلى أبدا" حصدت 6.4 مليون مشاهد. ومعلوم أن الدراما ليست للفرجة فقط كما يظن البسطاء، بل هي أقوى وسيلة لتوجيه الشعوب نحو قناعات يريدها واضعو السياسة الإعلامية في بلد ما؛ لهذا نرى هوليود مرتبطة بالبانتاغون، واستنساخاً نرى عسكر السيسي بعد الانقلاب يستحوذ على الدراما المصرية من خلال إنشاء المقاولات الفنية والتحكم في إنتاج المسلسلات والأفلام، ولهذا أيضا تقدم الدول الدعم بسخاء لإنتاج الأفلام، وتشتري المسلسلات بمئات الملايين. 1730 هو مجموع حلقات مسلسل واحد "سامحيني"؛ مسلسل درامي يعالج قضايا اجتماعية وأسرية مختلفة، وفق نظرة معينة، يجلس المشاهدون من أبنائنا وهم في طور التشكل النفسي من البدو والحضر، طيلة خمس سنوات متتابعة، يتربون على قناعات ومبادئ، مخالفة لهويتهم ودينهم. بالصوت والصورة يتابعون فلما مدبلجا بلهجتهم الدارجة التي توصل المعنى كاملا محملا بالقيم المختارة من طرف منتجي مثل هذه الأفلام، ليجد المواطن أبناءه قد تربوا على قيم وذوق وقناعات تحدد اختياراتهم المستقبلية، فطبيعي إذن أن نرى هذه الفوضى الأخلاقية وهذه الجرائم الكثيرة المتعددة ترتفع معدلاتها، مؤذنة بإفلاس اجتماعي يهدد الأسرة محضن القيم. هذا مسلسل تركي واحد أضف إليه الآلاف من المواد الإعلامية الغازية لمنظومة القيم الإسلامية للشعب المغربي المسلم. لقد تحدثنا في مقال سابق عن غياب تام لسياسة أخلاقية للدولة، وتحدثنا عن التناقض الذي تعيشه البلاد من حيث مرجعيتها. ففي الوقت الذي ينص الدستور على أن دين الدولة الإسلام، نسمع وزير العدل المغربي محمد أوجار في استجواب له مع وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي" يصرح بكل ابتهاج أن حالات متابعة المرتكبين للجرائم المتعلقة بالممارسات الجنسية خارج إطار الزواج والشذوذ الجنسي (اللواط) سجلت تراجعا خلال سنة 2018. ولا يخفى على المتابع وغير المتابع أن التراجع الذي يشيد به السيد الوزير لا تكمن أسبابه في كون المواطنين أصبحوا أكثر التزاما بمبادئ العفة وأحكام الإسلام، أو أكثر خوفا من العقوبات الضعيفة الزاجرة لمرتكبي الجرائم الأخلاقية الجنسية التي ينص عليها القانون الجنائي، بل فقط لأن الشرطة والقضاء أصبحا أكثر تسامحا مع هذه الجرائم بناء على توصيات المسؤولين التي تخضع للضغوطات العلمانية الخارجية. فوزير العدل أوجار يعلم أن معدلات تلك الجرائم ارتفعت خلال السنة الماضية لكنه أمام إعلام الدول الغربية العلمانية، أراد أن يظهر مدى تقدم المغرب في امتثال مقتضيات العلمانية بالاستدلال بأن المتابعات القضائية قد تضاءل عددها، وهو بالفعل ضئيل على الدوام؛ فقد أعلنت النيابة العامة، عن تحريك أكثر من 3000 قضية مرتبطة بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، و170 قضية مرتبطة بالمثلية الجنسية، خلال العام الماضي. إننا نجزم فعلا بضآلة عدد المتابعات بالمقارنة مع هذا السعار الجنسي الذي ينتج لنا سنويا آلاف الأطفال ضحايا الزنا، والذين يُرمَون للكلاب كل يوم في المزابل والطرقات، ضئيل بالمقارنة مع عدد الأطفال المتخلى عنهم بالمستشفيات ومصالح الولادة كل يوم. ضئيل بالمقارنة مع ما يجري في الكبريهات والفنادق والڤيلات المجهزة لليالي الحمراء؛ ضئيل بالمقارنة مع نسبة حالات الإجهاض السري والعلني. لكن المثير الأخطر في تصريحات الوزير ليس ما سبق، بل تصريحه بأن التعديلات على مستوى رفع التجريم عن ممارسة الزنا واللواط لا زالت بعيدة، وأن تغيير هذه الحزمة من القوانين يستدعي تهيئة المجتمع بشكل تدريجي وبلا صدمة، بحجة تفادي الصدام مع المجتمع المغربي. فكيف تقوم الدولة بتهييئ الشعب المغربي حتى يقبل بالزنا واللواط؟؟ الجواب نسمعه من فم أمينة بوعياش، في حوار لها، أجرته مع الوكالة الإسبانية "إيفي" نفسها، حيث أكدت أن المعتقلين في إطار ممارسة الجنس خارج إطار الزواج وكذا المثليين (الشواذ اللواطيين)، يتمتعون بمرافقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لملفاتهم لأسباب إنسانية، وأعربت هي الأخرى بكل فخر أن مجلسها سجل انخفاض أعداد هذه المتابعات. وأوضحت أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يدافع، حاليا، عن رفع التجريم عن العلاقات خارج الزواج، خلال مناقشة مشروع القانون الجنائي في البرلمان، مشيرة إلى أن هذه القضايا ستبرز بشكل أكبر في المجتمع مستقبلا، ونقاشها ضروري لتقدم حقوق الإنسان، مشددة على أن هذا الموضوع لم يعد محذورا كما كان. ولتكتمل الصورة بتمامها، نذكّر بما تم تناوله من طرف عبد الصمد الديالمي واللبنانية النصرانية جمانة حداد في مهرجان "ثويزا"، الذي تم تمويله من طرف جهة طنجة التي يرأسها الرفيق إلياس العماري، حيث تحدثا فيه بدون مواربة عن الثورة الجنسية القائمة في المغرب، وشجعا على الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج وبين الطرفين وإن كانا من جنس واحد، المهرجان اتخذ له منظموه عنوانا دقيقا وهو "تحول القيم في العصر الرقمي"، وهو موضوع مرتبط بما صرح به السيد وزير العدل والسيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. هكذا إذن؛ تتم تهيئة المجتمع المغربي للقبول بإباحة الجنس والفساد والزنا واللواط، إنه مربع خطير يكتنف المجتمع المغربي من كل جانب، قصد تطويره تطويرا تعسفيا موجها بقوة نحو الخضوع لمقتضيات العلمانية الغربية التي قتلت إلاهها، وقطعت مع الدين وسجنته بين جدران الكنائس، لتترك للمادة والاقتصاد أن يفرض "أخلاقه" و"قيمه" على البشرية، بل الكنائس نفسها أخضعت شريعتها الداخلية لمقتضيات العلمنة فأصبحت تسمح بعقد زواج اللواطيين الشواذ داخل أروقتها وبمباركة أساقفتها. إذن يتحصل لدينا ممّا سبق، أن مربع تطويع المجتمع المغربي للعلمانية الغربية بالقسر والقوة، له أربعة أضلاع: 1- عسكر الإعلام بحيث يتم غزو المنظومة القيمية الإسلامية يوميا قصد تفتيت القيم الأسرية والمجتمعية من داخل البيت وبحضور الأبوين. 2- عسكر الحقوق، ويمثله المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأغلب المنظمات الحقوقية العلمانية، وذلك من خلال التوصيات والتقارير والضغط داخل البرلمان والسعي لدى الأحزاب والوزراء لملاءمة القوانين المغربية لمقتضيات العلمانية الدولية. 3- عسكر الحكومة من خلال الأحزاب ذات المرجعية العلمانية والتي تمانع بقوة ضد أي رجوع إلى مقتضيات الشريعة الإسلامية، بل تدفع نحو ملاءمة القوانين للتصور العلماني للكون والإنسان والحياة، وتتعامل مع شريعة الإسلام على أنها تاريخ يجب ألا يعود، وما تبقى منها من شيء في القوانين والأعراف يجب ملاءمته مع مستلزمات العلمانية. 4- عسكر المنظمات والحكومات الأجنبية، ويشتغل من خلال التقارير الإعلامية والحقوقية ومراكز الدراسات الاستراتيجية وآلاف المتطوعين الأجانب المخترقين لمختلف المنظمات والجمعيات (رسل السلام نموذجا). هذه العساكر تقوم بالمتابعة الحثيثة لما يجري في المغرب، وتعمل على تطوير العاملين في المجتمع المدني وتأطيرهم من أجل تطوير الشعب المغربي المسلم تطويرا يتماهى مع ما عليه المجتمعات الغربية، وهذا عين ما صرح به كل من أوجار وبوعياش. وبالمقابل نتابع إغلاق الجمعيات المدنية ذات التوجه الممانع لمشاريع العلمنة، وعزل العديد من الخطباء الذين ينتقدون عملية إعداد الشعب المغربي لاستقبال العلمانية الشاملة؛ وعدم الترخيص للمخيمات التي تنظمها الجمعيات التابعة للحركات الإسلامية رغم استيفائها للشروط القانونية للحيلولة دون مزاحمة الجمعيات العلمانية. وباختصار، فإن الأمر قد بلغ من الفداحة والخطورة ما يستلزم القيام بحملات تحسيسية من طرف كل المؤسسات الغيورة، والنخبة العالمة والمثقفة؛ فمنظومة أخلاق ومعتقدات الشعب المغربي، قد تم استهدافها من كل الواجهات، والخطير أن ذلك يتم من داخل المنظمات المدنية والمؤسسات الحكومية والدستورية، وبتمويل من مال الشعب المغربي المسلم. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.