هوية بريس – ذ. إبراهيم الطالب عرف دستور 2011 الذي وصفه أطباء الاستثناء المغربي بمثابة مسكنات للألم الذي كان يعيشه الشعب المغربي، جدلا حول الفصل الذي يتحدث عن كون "الإسلام دين الدولة"، وذلك قبل إخراجه للاستفتاء الشعبي، هذا الفصل رغم أهميته البالغة أصبح مجرد كذب على الذقون، خصوصا مع العجز الفظيع للدولة في مواجهة هذه الجرأة الزائدة المستفزة التي تستهدف مقدسات المغاربة وعقيدتهم. لقد أصبح واضحا أن الإبقاء على هذا الفصل ليس من أجل دسترة الإسلام وحمايته من الاعتداء والانتهاك العلماني السافر، بل لكي تستمد منه فصول إمارة المؤمنين شرعيتها، وإلزاميتها للشعب. لقد أناط الدستور بإمارة المؤمنين حماية الملة والدين وها نحن نرى أن الملة والدين ينتهكان يوميا في الصحافة التي تدعم من المال العام وتطور الأمر حتى أصبحت القاعات العمومية تحتضن نشاطات ومهرجانات تتخذ موضوعا لها التشكيك في معتقدات الإسلام، وتتخذ البحث والحوار آلية لانتهاك المقدسات الإسلامية للمغاربة. إننا نسائل السيد وزير الأوقاف الذي لا يتردد في عزل أي خطيب خرج عن السطر: لماذا يسمع سعادته ويذعن للعلمانيين عندما ينتقدون الخطباء الذين يشجبون تعديهم على حوزة الدين فيعاقبهم بالعزل، في حين لا نراه يحرك ساكنا عندما ينتهك هؤلاء العلمانيون جناب النبي صلى الله عليه وسلم، أم تراه لم يجد في المذهب المالكي ولا العقيدة الأشعرية ولا سلوك الجنيد ولا إمارة المؤمنين شيئا يجعله يتحرك لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم. إن وزير الأوقاف من خلال اختصاصات الوزارة يعتبر المفعل الأول لاختصاصات إمارة المؤمنين في حفظ الملة والدين. فلماذا نراه يترك هذا الإفساد الواضح في عقيدة المغاربة؟؟ لا شك أن سياسة الوزير لا تتضمن حماية "الإسلام المغربي" ضد العلمانية والإلحاد، بل تقتصر على حمايته ضد من يراهم "مجرمين"! من الذين يحاربون السدل بالقبض الثابت في الموطأ، والتسليمة الواحدة بالتسليمة الثانية التي تضمنتها كل كتب الفقه والحديث. هذا ليس افتراء على السيد الوزير بل هو سياسة لا يمل هو نفسه من التصريح بها دائما، إذ يعلن مِرارا أن وزارته تعمل بكل صرامة في تحييد المساجد من النقاشات العمومية؛ وصرح عند تقديمه في السنة الماضية لتقريره السنوي إلى الملك بمناسبة الاحتفال بالمولد، أن المؤسسة الدينية "واصلت حماية ثوابت الأمة العقائدية والمذهبية والروحية من خلال الحرص على حياد المساجد إزاء مختلف التيارات". فهل وصل حياد الوزارة من الرد على الملحدين والعلمانيين المستهدفين للدين إلى تكميم أفواه علماء البلاد، وشل عقولهم وألسنتهم إلى درجة تجعلهم لا يحركون ساكنا رغم انتهاك حرمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن هذا لشيء يزري بالمؤسسات الإسلامية ولا يترك لها قيمة عند المغاربة، فكيف يمكن أن نتحدث عن تأطير للحقل الديني؟؟ الحياد نفسه تلتزمه المجالس العلمية كلها إلا نزرا يسيرا، فما يقال في الوزير ووزارته يقال في المجلس العلمي الأعلى، الذي أنيطت به الفتوى والذي يسهر على تدبير مجالس علمية تغطي التراب الوطني بأكمله، فما هو حكم الله أو على الأقل حكم السادة المالكية من علماء المغرب عبر العصور فيما دار في مهرجان ثويزا؛ لماذا يترك المجلس العلمي الأعلى الفتوى للناس فإذا قام عالم بدوره سمي متطرفا أو إرهابيا. الكل يعلم أن إعادة تأهيل الحقل الديني جاء في سياق الحرب على الإرهاب والتصدي لخطاب التطرف، ونستطيع أن نقر بنجاح سياسة الوزير في فرض حياد المؤسسات الدينية، لكن نسائل للمرة الألف من يحمي الملة والدين من الهجوم العلماني المتطرف؟؟ إن الدولة إن لم تقم بواجبها اتجاه مثل هذه المهرجانات التي تستهدف الإسلام عقيدة، ورسوله صلى الله عليه وسلم مباشرة، فإنها ترسل للشعب رسالة سيلتقطها حتما، إنها تقول له دافع عن دينك ونبيك بنفسك، فأنا لا يهمني ذلك. وهنا نسائل ممثلي الشعب المغربي: أين الأحزاب السياسية؟ بل أين الزوايا الصوفية التي يستغلها السيد توفيق في إنجاح سياسته التحييدية؟ أين جمعيات أساتذة التربية الإسلامية؟؟ قد يرد بعض المغفلين بأن مهرجان "ثويزا" مارس منظموه حرية التجمع ومارس منشطوه والمشاركون فيه حرية التفكير والتعبير، لن نناقشهم، فهم لا يفكرون بل يرددون عبارات صارت في زمننا هذا من لغة الخشب، استنزفت كل بريقها، إننا نرى مثقفي الغرب وسياسييه في بلاد الحريات وحقوق الإنسان يصادرون حرية النساء في ارتداء النقاب والحجاب ويعللون قراراتهم الديكتاتورية بأن الحجاب والنقاب يمس مبدأ العلمانية في فرنسا. فإذا كانت نخبة فرنسا ونظامُها لهما الجرأة في أن يمسا حرية اللباس انتصارا لعقيدة الفرنسيين العلمانية، فلماذا يهاب ويرتعد السيد الوزير والسيد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى والسياسيون والنظام المغربي من أن يمنعوا إرجاف من يُسفه معتقدات 40 مليون مسلم في بلاد حملت راية الإسلام منذ كانت دولة؟؟ إن فشو مثل هذه المهرجانات التي تحتضن التطرّف العلماني وتمويلها بالمال العام ستكون له عواقب وخيمة وسيخلق التطرّف المضاد حتما، وسيعجل بتفتيت ما تبقى من النظام التقليدي ومنه إمارة المؤمنين. هذا ليس تملقا ولا تهويلا، بل هو لازم منطقي، فمادامت إمارة المؤمنين بوصفها مؤسسة دستورية تستند في وجودها إلى نظام البيعة، وما دامت البيعة هي عقد بين المسلمين المؤمنين وأميرهم، وما دامت البيعة تستند بالأساس إلى حماية الملة والدين وحوزة الثغور، وما دام كل هذا يستند إلى نص "دين الدولة الإسلام"، فإذا انتهكت المقدسات وحرفت العقيدة وبطلت الشريعة كان كل حديث عن إسلام الدولة وعن إمارة للمؤمنين لا يعدو أن يكون جزءا من ماضٍ لا لزوم له، وستتهاوى بعده كل المؤسسات التي كانت تستند إليه. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.