الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ليس ملحقة نقابية للحكومة، ولا يشتغل وفق منطوق سياسي ولم يكن قبل حكومة الحراك الشعبي نقابة للمعارضة ليصبح ذات يوم منحاز للموالاة أو يخطب ودها أو يبتعد عن هواجس الطبقة الشغيلة التي خرج من رحمها. بكل موضوعية، أزعم بأن الحوار الاجتماعي الحالي سواء المركزي أو القطاعي يعرف انتكاسة حقيقية. فلا يكفي تنظيم لقاءات دورية تتلوها صور وتصريحات هنا وهناك، لنقول للطبقة الشغيلة بأن الأمور بخير وعلى خير وبأن المستقبل حمال لتحصين المكتسبات وتوسيعها، فلا شيء تحقق على صعيد الحوار المركزي منذ سبع سنوات، وهذه حقيقة مطلقة. صحيح أن الحكومات التي تعاقبت منذ سنة 2012 أدت فاتورة اتفاق 2011 وتكلفتها الثقيلة رغم عدم استكمال كافة بنودها، ولكن الوضع تجمد بعد ذلك بشكل كامل، وعرفت معظم الشغيلة انتكاسة في مداخيلها بعد إصلاح المكتب الوطني للكهرباء والصندوق الوطني للتقاعد وزيادة الأسعار في عدد كبير من المواد الاستهلاكية. بل إن العرض الحكومي الحالي، وحتى إن تم تجويده وتعميمه على القطاع الخاص والجماعات العمومية، لا يتضمن أي إشارة لدراسة إمكانية حل الملفات الفئوية للمتصرفين والتقنيين وغيرهم من موظفي الدولة والمؤسسات العمومية. أما فيما يخص الحريات النقابية، فهي تنتهك باستمرار، وخاصة في القطاع الخاص والمؤسسات العمومية وشبه العمومية دون رقيب أو حسيب، فتم تسليط سيف الطرد على المناضلين، كما وتم التوسع المتعسف في الإقتطاع ليشمل الساعات الإضافية، تحت غياب تام للقانون المنظم للإضراب، وتنزيلا لحق أريد به باطل: الأجر مقابل العمل! الحوار دون أفق زمني ودون استراتيجية محددة ودون تفاوض يمس كل القضايا دون تجزيء، هو مضيعة للوقت وتبخيس لدور الوساطة النقابية وقضاء على الأمل في مستقبل واضح المعالم. أما تضعيف الوساطة المؤسساتية عبر محاربة الحريات النقابية وإقفال أبواب الحوار فلن يؤدي حتما إلى معالجة الاحتقان، بل فقط إلى تفجره دون أي إمكانية للتفاوض مع شركاء يقدرون الإكراهات ويؤمنون بالتدرج في الحلول، وما نموذج السترات الصفر في فرنسا ببعيد. لذلك تصر الدولة وعلى أعلى المستويات على إبقاء الحوار الاجتماعي مستمرا، وتحث جميع الأطراف على التوصل إلى اتفاقيات جماعية تحصن مكاسب العمال وتحفظ السلم الاجتماعي الذي يبقى من مسؤولية الجميع. أما أن يتم تحميل مسؤولية الحفاظ عن السلم الاجتماعي للمؤسسة النقابية لوحدها مع الإجهاز على مكتسبات الشغيلة وتفقيرها وتهديدها في موارد أرزاقها مع انتشار مظاهر الظلم والقهر، فذلك ما لا يقبله عاقل في هذه البلاد السعيدة. الطبقة الشغيلة من حقها المقاومة للعيش بكرامة بجميع الوسائل النضالية القانونية المتاحة لها. والحكومة سواء على الصعيد المركزي أو القطاعي تتحمل حاليا المسؤولية السياسية للخروج بمبادرات نوعية تنزع فتيل الاحتقان الاجتماعي المتصاعد يوم بعد يوم.