في المقالة الاولى تفاعلنا مع الدعوة الى الفصل بين الدعوي والسياسي بحسبانها جاءت في الاتجاه المعاكس للمسار التاريخي لتطور هاته العلاقة وبدون اي تنظير معرفي او تاسيس فكري يمهد لها بل وفي سياق تداعيات البلوكاج الذي شهده المغرب غداة الانقلاب غن الارادة الشعبية عشية 7 اكتوبر 2016 وبينا انها رد فعل نفسي اكثر منها فعل واعي مفكر فيه، وفيما يلي نناقش الفكرة الثانية التي تشترك معها في سياق الولادة وتختلف معها في الدرجة وليس في النوعية وهي فكرة فك الارتباط بين الحركة والحزب. فك الارتباط بين الحركة والحزب جاءت الدعوة الى فك الارتباط بين الحركة والحزب في نفس السياق الذي طرحت فيه فكرة الفصل، لكنها تحمل نفسا اكثر جدرية . وتقوم فكرة فك الارتباط بين الحركة والحزب على اعتبار جوهري يتلخص في الرغبة في انهاء حالة تصنيف الحركة وحصر قربها او بعدها من مكونات المشهد الوطني، بناء على المحدد الانتخابي او بناء على التموقع السياسي، وكذا الرغبة في رفع الحاجز السياسي في التعامل أو التعاون مع مختلف الاحزاب والهيئات والتخلص من تهمة تبعية الحركة للحزب او العكس، ووضع حد لتداعيات تحميل احدى الهيئتين تداعيات مواقف الهيئة الاخرى او مؤاخذتهما بجريرة تصريحات قيادات كل مهما للاخر، وخاصة مواقف الحزب اثناء مساهمته في الحكومة، أو بمواقفه المتعلقة بمشاركته في المجالس المنتخبة وبالتالي تتحمل كل هيئة مسؤولية مواقفها وحدها، وذلك بما يراعي واقع التباين بين مسارات الحركة ومسارات الحزب. وفي ما يلي مناقشة لاهم مرتكزات هاته الفكرة: 1- تغليب الاعتبار المبدئي والقيمي والعامل التربوي والدعوي في تحديد تموقع الحركة وفي تحديد علاقاتها بمكونات محيطها. ذلك ان الوضع الحالي يجعل المحدد السياسي والعامل الانتخابي هو الحاكم لموقع الحركة ولعلاقاتها بباقي المكونات المجتمعية، فيتحول خصوم الحزب الى خصوم للحركة دون ان يكون حلفاؤه بالضرورة حلفاء للحركة. ذلك ان من يلتقي مع الحزب حول برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي لا يعني انه يلتقي معه في المشروع المجتمعي بما في ذلك قضايا الهوية والقيم والحريات الفردية، كما هو الشأن مع الاطراف السياسية ذات الحساسية اليسارية. ونفس الامر بالنسبة لبعض الجهات التي رغم انها تعمل مع الحزب او تحت قيادته في الحكومة او العلاقة الايجابية مع الحزب بصفته يتولى تسيير الشؤون العامة ورغم المشتركات الواسعة في قضايا المشروع المجتمعي، من قبيل بعض الهيئات النشتغلة في الحقل التربوي او الديني او الثقافي او الفني من قبيل الزوايا والطرق والصوفية وهيئات الشأن الديني الرسمي والشعبي فان ذلك لا يمنع استمرار حساسيتها اتجاه الحركة . وكل هذا يستوجب تغليب الاعتبار القيمي والتربوي والدعوي على الاعتبار السياسي في تحديد موقع وعلاقات الحركة مع محيطها. ومن شأن هذا الاعتبار ان يفضي الى تحقيق عدد من النتائج الهامة منها ما يلي: – انهاء حالات الخلط والالتباس الناجم عن الترويج الاعلامي لصورة نمطية تتعمد استخدام مفهوم الذراع الدعوي للحزب أوالجناح السياسي للحركة، – تنويع رواد المجالس التربوية المفتوحة لتضم المنتمين لجميع الأحزاب، وليس الى حزب واحد فقط وهو هدف لا يكفي فيه اتخاذ قرار بجعل هاته المجالس مفتوحة في وجه الجميع ولكن يتطلب الامر جعل مفهوم التربية مفتوحا وجامعا ومتساميا، اي جعله خطابا للناس كافة وخطابا للذين آمنوا جميعا؛ – تقليص المحدد السياسي عامة والانتخابي على وجه الخصوص في تحديد علاقة الحركة مع باقي المكونات وعدم رهن التفكير في علاقة الدعوي والسياسي بعامل مناسباتي هو مناسبة الانتخابات وهذا التفكير هو ما ينسجم مع هوية الحركة بوصفها حركة دعوة وتربية واصلاح وكذا مع تموقها باعتبارها هيئة مدنية وحركة اجتماعية وليست هيئة سياسية. 2- حرية الانتماء السياسي في الحركة و تنويع خيارات العمل السياسي: فقد اقتضى المجهود الذي بذلته الحركة في البحث عن اطار قانوني ومؤسساتي لعملها السياسي ان تجعل هذه الهيئة الاطار الاساسي للعمل السياسي لاعضائها، كما ارتهنت في علاقتها بالمشهد السياسي بحزب واحد احتضنته واعادت هيكلته ومدته بالموارد البشرية الضرورية وبدات تدعمه في معاركه المجتمعية واستحقاقاته السياسية والانتخابية الى ان صار الحزب الاول في المعارضة ثم انتقلت في علاقتها به الى مستوى الشراكة الاستراتيجية مما اهله لكي يتصدر المشهد السياسي ويقود الحكومة . كما واصلت دعمه، خاصة اثناء بعض المراحل الصعبة سواء بعد محاولات تحميله المسؤولية المعنوية عن احداث 16 ماي بالبيضاء، ومحاولة حله او عندما اصيب بالشلل التنظيمي من جراء انقسام قادته وقواعه على خلفية التباين من الموقف من 20 فبراير 2011، وذلك عندما اطلاقت الحركة نداء الاصلاح الديموقراطي ومبادرة الخيار الثالث، كما ظلت تسنده على اثر ما تعرض اليه من ضغوط في اجواء الثورة المضادة، و كذا على اثر ازمة البلوكاج السياسي بعد الانقلاب على الارادة الشعبية ابتداء من 8 اكتوبر 2016 . وبمقتضى فكرة فك الارتباط بين الحركة والحزب سوف يتم التأسيس لمنظور جديد في العلاقة بين الدعوي والسياسي، يقوم على حرية الانتماء السياسي لاعضاء الحركة وتحرير الحركة من الارتهان لحزب واحد في عملها السياسي بما يعنيه ذلك من تنويع للشركاء او وضع مسافة واحدة من جميع المكونات الحزبية . من هنا يبدو ان فكرة فك الارتباط تقوم بالاساس على عدم الارتهان لعامل واحد يكون محددا بشكل مسبق لفائدة حزب واحد يبقى معروفا سلفا . وكذا اعمال المرونة في الموقف من الدعم السياسي لفائدة حزب معين، والمرونة كذلك في تحديد الجهة المدعومة وحجم الدعم ومستوى هذا الدعم وزمانه وشروط استدامته او توقفه اي جعله يتراوح بين الدعم الكلي او الموضعي، او بالامتناع عن الدعم، وان يكون متغيرا من انتخابات لاخرى مع افضلية الانتقال في تحديد الدعم الى المستوى المحلي، الذي تقرر فيه الهيئات لفائد هذا المرشح او ذاك ، بغض النظر عن اللون الحزبي وذلك بناء على معايير معروفة، يتم تحديدها والتعامل على اساسها في انفتاح على جميع الأحزاب . وهنا يمكن التساؤل حول ما اذا كانت هاته الفكرة تصدر عن قناعة اخرى بخصوص اهمية العمل السياسي وجدوى الاصلاح من بوابة المشاركة السياسية والعمل داخل المؤسسات ام أن الامر يقتصر فقط على رفض بعض المسلكيات؟ اي هل الامر يمس المقاصد والغايات من العمل السياسي ام يهم انتقاد بعض الوسائل والآليات ؟ طبعا لا بد من الأقرار بأن هاته الفكرة في عمقها تحمل بعض الجديد النوعي الذي ينتمي الى افق في التفكير يبقى خارجا عن المألوف ويحمل نفسا جدريا. وهو في الجوهر ينطوي على عدد من الايجابيات والمزيا المهمة يمكن ابراز اهمها في ما يلي: – التحرر من اكراهات العمل السياسي وضغط العمل اليومي؛ – تقليص التضخم السياسي واعادة الاعتبار للعمل التربوي والدعوي؛ – عدم تحمل تبعات المواقف والتصريحات السياسية. في مقابل هذه الايحابيات هنالك ايضا بعض السلبيات والتحديات يمكن ابراز بعضها على النحو التالي: – ما يعتري مضمون هاته الفكرة من بعد تراجعي مهيمن وحاكم لهذا المنطق . فمن جهة فإن هاته الفكرة تعود بالموضوع الى ما قبل فكر المراجعات الذي تم التأسيس له معرفيا وشرعيا وفكريا، وتتعاطى مع السياسة ليس بحسبانها مدخلا من مداخل التغيير واختيارا من الاختيارات المجسدة في اطروحات وبرامج في الاصلاح، ولكن باعتبارها تعاط مع شؤون عمومية توصف بالموضعية والمحلية وغير المحكومة باشواق التغيير المجتمعي والتطلع الى الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، اي بوصفها مجرد تعامل مع اشخاص مهما تكن درجة صلاحهم وورعهم الشخصي فهم جزء من برامج او تحالفات وفي نطاق منظومة سياسية وحزبية ومؤسساتية وبقواعد في الحكم او المعارضة معروفة ولا تترك للاشخاص سوى ما فضل من الوساطات لقضاء بعض الاغراض او ايصال بعض الشكاوى او ممارسة الشفاعة الحسنة لتجاوز بعض العراقيل الادارية والبيروقراطية. – كون هذا التفكير بهذه المقاربة هو اختيار للاسهل وهروب من قلق الاسئلة التي مهما تكن محرقة ومتعبة فهي من بين افكار اخرى صنعت تميز وفرادة هاته المدرسة التي انجزت ما لم تنجزه اي فكرة اخرى مماثلة كما هو مثبت في مختلف التجارب المقارنة. – ان اشكالية بهذا التعقيد وهذه الحساسية هي اكبر من ان يفكر فيها تحت الضغط او في ظل اكراهات معينة من قبيل الخلاف والتنازع في التقدير او في الموقف او من قبيل الرد على دعاوى الفصل بين الحركة والحزب بفكرة اكثر جدرية وهي فك هذا الارتباط من اصله. – كما انه ليس من المناسب ان يتم التراجع عن فكرة في عز نجاحها وبعيدا عن اي تقييم موضوعي لها ولملابساتها او ربما بشكل مناقض لخلاصات التقييم التي اجريت لها في اكثر من مناسبة. اما عند الدخول في تفاصيل هاته الفكرة واستحضار صعوباتها واشكالاتها ومقارنتها مع مثيلاتها في اطروحة التمايز فهنا سوف يتضح محدودية الرهان عليها من قبيل سؤال الكيفية وأسئلة التطبيق التي ستطرحها فكرة حرية الانتماء السياسي لاعضاء الحركة او فكرة تعدد انتماء السياسيين الى الحركة، وما ينجم عن ذلك من تداخل وارتهان للقرار ومن اثر على منظومة القيم وغيرها من الاشكالات العملية التي اجابت عنها بنجاح مقدر الاطروحة الاخرى على مدى عشرين سنة المنصرمة. واخيرا فان الفكرة في جوهرها يمكن ان تمس جوهر الرؤية التي تشتغل بها الحركة في العمل السياسي بوصفها احد فرقاء المشهد يجري عليها ما يجري على باقي مكوناته، ويحاسبها الناس على ما تقدمه وما تلتزم به او ما تتبناه من خلال المكون الذي تدعمه وتتبنى خياراته في جملتها . وستنتقل بموجب هاته الفكرة الى مفهوم الجماعة الضاغطة ومنهجية عملها وتدخل في منطق الصفقات مع من "يقدم اكثر". وهو اسلوب وخيار له تداعيات على على الفكرة والهوية والمنهج والخطاب ومنظومة التفكير والقيم ونمط الحياة برمتها، مما يحتاج الى تغيير جدري يحتاج الى عدته ونفسه وقيادته وثقافته.