الومضة الثالثة هن المنجيات لحظات عصيبة، تلك التي تمر عليك وأنت تحاول أن تعيد التوازن لأفكارك، وأن تستعيد القرب من نفسك، وأن تستمر في الاحتفاء بذاتك بعد ذنب أو خطأ أو وهم أو رعونة في تصرف أو نزق في اختيار. تهرب من نفسك تارة، وتارة هي من تتمنع عليك، وتارات تغتنم هروبك كي تصلح منها ما شنَّعه الذنب، وما أتلفته التجارب، وما شوهته المعارك، وما ضاع منك في زحام الحياة. ثم ما تلبث أن تستعيد بوصلة الإحسان، وطريق الإصلاح، وتتلمس المفاوز من كوات الضيق. تلوذ من فقرك بالولي الوكيل سبحانه، ومن ضعفك بجبار المنكسرين، وتستجير من ذنبك وهوانك وطبعك الآدمي الغلاب، بالغفار المجير الستير. تتخير من أسماء مولاك الحسنى وصفاته العلى ما به يسكن الفؤاد المترنح الماثل بين الأنوار وبرك الطين. تلتفت إلى مرطبات اللسان، ومفرجات الكربات، والمنجيات من التقريع والوساوس واللوم الهدام، فينطلق قلبك قبل لسانك استغفارا وذكرا ودعاء، فإذا فؤادك الذي كان بينك وبينه عداوة فقط من لحظات، إذا هو ولي حميم.
الومضة الرابعة يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه مهمتك أن تكدح لا أن تستعجل النتائج، وأن تموت إن مت على الطريق، تسعى وتعافر وتجاهد وتسقط وتنهض لكن دون أن تحيد. فإنما هذه دار عمل وإنما الجزاء هناك، فلا يصيبنك العجب لكثرة ختمات أو ركعات أو أعمال خيِّرات. فإنما المعول عليه عفو ورحمة وقبول المولى عز وجل. ومن علم حق العلم أنه عبد مملوك لرب غني، لا يزيد في ملكه عبادة وامتثال، ولا ينقص منه معصية وهوان= أورثه علمه ذاك انكماشًا في ذرات روحه يطلب السلامة، ونظرة رضا من ربه وقبول، وصرفه عن الرياء والتسميع وطلب الاستحسان في عيون المارة، فأسدل ستائره على نيته وسريرته وخبيئته، يخشى عليها نظرة إعجاب تحيلها عُجْبًا.