إن الرؤية هي منطق الواقع وحقيقته، وهي دليل المؤمن والكافر على السواء، لأنها تجعل من الأفكار الخجولة أفكارا تتحدى وتصمد، بعد أن امتلكت من الشواهد ما نقلته العين، والعين لا تكذب في مثل تلك المشاهد، كما قد يكذب الفكر أو يضل. تلك الرؤية رؤية الواقع هي التي توقظ فينا الاقتناع بأن أسباب الخير والشر والجمال... ما تزال قائمة في هذه الحياة، ومن ذلك ما رأيته صبيحة العيد حيث تأكد لي بأن المناسبات الدينية في الإسلام إنما هي لحظات تحمل كل المعاني النبيلة التي تشكل المثل العليا التي يسعى إليها هذا الإنسان على وجه الأرض. نعم، إنه يوم عيد الفطر الذي ما تزال بسماته تشرق في نجوم ليالي شهره شوال حيث حققت تلك الرؤية في شكل صور ومشاهد إيمانية تتملى العين بألوانها الزاهية المختلفة. لقد رأيت في صباح ذلك العيد وجوها مبتسمة، والسنة ذاكرة، وخطوات حثيثة نحو المصلى أو نحو مزارات الأهل والأصدقاء، وكأنها تسرع نحو دار المغفرة والثواب. رأيت أعناقا تشرئب وكأن أصحابها القادمين يكاتمون أطيافا في الأفق وخيالات، ليبثوها حمدهم الله وشكرهم واستغفارهم واعترافهم بذنوب ارتكبوها في أيامهم المواضي، وكأني بهم يشهدون يوم البعث ويرددون الآية الكريمة: "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا". رأيت أكفا تتصافح بقوة متجاوزة كل فرقة وجفاء. رأيت الأعداء بالأمس يتعانقون اليوم بحرارة تبتسم لها الشفاه وتدمع إثرها الأعين. رأيت الرحمة والكرم، والجود والإباء، والتحدي؛ تحدي النفس الأمارة بالسوء، فأحسست أن المحبة تغمر كل فعل، والصفاء يجلو كل ابتسامة. رأيت الواقع، والواقع الباسم الذي تطمح إليه الأجيال وتطمح الإنسانية لأن تجعله شعارا لها في الحياة على الأرض. رأيت ، ورأيت .. رأيت ما يطمئن النفس، ويسعد الفؤاد ويرضي المشاعر النبيلة، فتمنيت لو أن المسلمين استعادوا ماضيهم المشرق ومد كل يده نحو الآخر ولسان حاله يقول: تعال أخي هذي يدي قد بسطتها فمد يد العفو التي منك أرجوها تكسر قيودا من خلاف وفرقة وأسباب عز بالتلاحم نزجيها امحمد الإدريسي