حينما أدمعت عينا الطفلة مريم أمجون فرحا بتتويجها بطلة تحدي القراءة العربي بالإمارات، كلنا كمغاربة شعر بفخر واعتزاز؛ لأن في فوزها فوز لبلد بأكمله، وهو نموذج ينبغي أن يُحتذى به، ويُعطى له الاهتمام المستحق، وذلك لما له من رمزية تهدف إلى بناء جيل يصنع الحدث، ويُغذي الأمل. والحدث هو الفوز في مسابقة تُعنى بالقراءة، ولا يخفى ما لهذا الفعل من أهمية بالغة، إذ القارئ للكتب شخص غني ومحظوظ، فمن خلال قراءته يستطيع أن يتعلم ذاتيا ويطور مهاراته، كما يكتسب نموا لغويا وشخصيا ومعرفيا، فيصبح بذلك ثريّا من حيث ثقافته ومعلوماته ومداركه، وأكثر من ذلك يكون معافى في عقله وفهمه، وهو ما أكدته الطفلة مريم أمجون حينما تحدثت عن أهمية القراءة، فذكرت بأنها "مستشفى لأمراض العقول".. وأما الأمل فهو هذه الرسالة التي ينبغي أن تقدم للأجيال الصاعدة، نعم بالقراءة يمكن أن تصل إلى القمة، ويُحتفى بك، وتكون مصدر فخر واعتزاز، لأهلك وبلدك ولأمتك… بالقراءة يمكن أن تكون لك شخصية قوية، تستطيع أن تتكلم بطلاقة، وبأسلوب فصيح، وتكتب التعبير الجميل.. وبالقراءة يكون لك مستقبل في مجتمع يقدر المعرفة ويشجع النموذج في الاجتهاد والاطلاع، ويمثل بلده أحسن تمثيل… وكل هذا تجسّد في هذه الطفلة التي أسعدتنا، ونالت إعجابنا بأسلوبها المبهر، وبشخصيتها القوية والمتميزة رغم صغر سنّها. في أقل من سنة استطاعت أن تقرأ مريم قرابة مئتي كتاب، وتقدمت للمنافسة بستين كتاب؛ لأنها تضبطها وتملك ناصيتها، فكان الفوز من نصيبها. وحينما سُئلت عن قيمة القراءة بالنسبة إليها، أجابت بعفويتها أن القراءة مستشفى لأمراض العقول، وأنها تطرد الجهالة والبلاهة والتفاهة.. وهي طوق نجاة للأمم والذاكرة الحية للإنسانية.. إن هذه الطفلة قد لخصت الحكاية، هذا طريق القراءة والعلم والتعلم، أما غيره فصناعة للبلادة والتفاهة ..وإن ما يحز في النفس أن غير القراءة وما يرتبط بها، هو ما يروج له في بلدنا؛ بل نجد كثرة التطبيل والتزمير، وتجييش المعجبين والمعجبات لنماذج تسيء إلى نفسها وبلدها في كل وقت وحين. وقد تجد إعلامنا أيضا ينخرط -إلا من رحم ربي- في جوقة المزمرين، فيلتف حول النموذج التافه، الذي يهدم ولا يبني أملا، فيسوّق له ويرفعه مقاما عليّا، لكنه عند نماذج الجد والاجتهاد والعمل الهادف القاصد، يقف مغشيا على بصره، كأنه لا ير أنها نماذج تستحق التشجيع والترويج حتى تكون قدوة لغيرها. فكثيرا ما صُدمنا عند التسويق لمغنين هابطين، أو مخنثين متحولين، أو مشرملين مجرمين، أو حتى لنماذج "مساخيط" الوالدين.. وآنذاك نتساءل عن الرسالة التي يُراد إيصالها لأجيالنا عند استغلال حدث معين، يعطى له أكثر من حجمه وقيمته. وما يزيد في الطين بلّة، هو هذا التعنت الذي يريد قتل التعليم وتكفينه، وذلك بإجراءات مستعجلة تفتقد لبوصلة إرادة الإصلاح الحق، وأضف إلى ذلك ترويج صورة سيئة لهيئة التأطير والتدريس، وهي لعمري منظومة يمكنها تأطير وتخريج آلاف من أمثال مريم أمجون، وذلك عندما يقتنع مسؤولوا هذا البلد بجدوى منظومتنا التعليمية، ويستشعروا قيمة الكفاءات التأطيرية الموجودة بالقطاع، وهو ما يستدعي الاحتضان والتشجيع والتقدير، ويشكل حافزا لمزيد من العطاء والتألق، والإسهام في تطوير بلدنا وتقدمه. أما الرهان على نماذج التفاهة والسخافة، فلن يزيدنا إلا تخلفا وتخبطا، ويجعلنا نترنح في مواقعنا، مفتقدين لمقومات الانطلاق لبناء مجتمع يقدر المعرفة، ويحتفي فيه ببُناة الأمل؛ كما يعي خطورة التطبيل والتسويق للنماذج المتفننة في الهدم والردم.. إنها إذن نقطة ضوء من الطفلة مريم أمجون، وذلك وسط عتمة سوداء مظلمة، فهل تُلتقط الإشارة ويكبر الأمل؟