هوية بريس – د. الناجي لمين لم أهتمَّ كثيرا بالضجة التي أثيرت حول علاقة معاليه بسَيدة؛ لأنني أعلم أن أي عاقل لا يمكن أن يضحي باستقرار أسرة ثابتة الاركان متينة البنيان لِنَزوة محرمة، سيما إذا كان من المعروفين بتدينهم واستقامتهم؛ ولأنني أومِن بأن الواجب على الشخص ألا يحكم على خبر إلا بعد أن يتحقق جميعَ حيثياته. ولم يكُن في نِيتي التعليق على التوضيح المنسوب إليه في حوار مع "العمق المغربي" لولا أنه تعرض لحكم شرعي. ومشكلة كثير من الرموز الحركية: أنهم يظنون أن انتماءهم إلى حركة دعوية: يُخَول لهم أن يتحدثوا في دقائق الاحكام الشرعية من خلال الاقيسة والاستدلال المرسل. تحدث معاليه في قضية الحجاب. ولي على هذا النقطة من حواره المنسوب اليه بعض الملحوظات: الاولى: ان إباحة الزواج بالكتابية له أحكامه الخاصة، والزواج بالمسلمة له أحكامه الخاصة؛ فقياس هذا على هذا قياس مع وجود الفارق. ويدلنا على ذلك قوله تعالى: "وامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها"، وقوله تعالى: "يايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة". وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تَرِبت يداك". فإذا اضفنا إلى ذلك تأويلَ ابن عباس للآية التي تبيح الزواج بالكتابية بما يتوافق مع قوله تعالى: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ"، وأضفنا إليه منعَ الخليفة عمر الصحابةَ مِن نكاح الكتابيات.. _ إذا أضفنا ذلك مع ادلة أخرى اتضحت الصورة؛ وهي أن زواج الكتابية لا يُشبِه في أحكامه زواج المسلمة. الملحوظة الثانية: وهي الخطيرة هي قوله: إن مسألة الحجاب كانت مرتبطة فيما سبق في الاصل بالانتماء النتظيمي او الحركي ولم تعد كذلك. كيفما فهمنا هذا الكلام فهو يفيد حقيقة مشتركة، وهي اتهام الحركة بأنها غرتْ أتباعها والمسلمين قاطبة، بأن أوهمتهم بأن ارتباط الحركة بالحجاب إنما سببُه في الاصل: أنه واجب شرعي، وأن الحركة مُلزَمة به بحكم التزامها بالاسلام، وبِحُكم وظيفتها، وهي الدعوة الى الله عز وجل. ثم لو سَلمتْ لك الحركةُ هذا الكلامَ فإن عندي هنا وقفتين: الاولى: أن هذا هو مايُرَدده عدد من خصوم الحركة الاسلامية مِن أنها تتخذ الحجاب رمزا سياسيا. وهي نفس الحجة التي بررت بها بعض الدول الاوربية منعَ الحجاب في الاماكن العامة ببلدها. الوقفة الثانية: إذا كان الحجاب في أصله له ارتباط بالالتزام الحركي فبما ذا كان الحجاب يرتبط عند المسلمين في مشارق الارض ومغاربها خلال ثلاثة عشر قرنا قبل ظهور الحركة الاسلامية، وبما ذا يرتبط اليوم عند المسلمين مِمّن لم يَنتَمِ الى الحركة الاسلامية. لاننا نجد كثيرا من النساء المسلمات في جميع بقاع العالم يتمسكن بالحجاب. (مع الاشارة الى ان الحركة الاسلامية أقلية في العالم الاسلامي. وهذا ليس عيبا). الملحوظة الثالثة: قول مَعاليه إن الحجاب.. "والاحتشام ليس شكلا، وإنما ينبغي أن يكون ناتجا عن إيمان ووعي..". فالحجاب هو حكم شرعي شكلا ومضمونا. بل هو لا يحتاج إلى نية كالصلاة والصيام والحج…؛ ف"الشكليّة" واضحة فيه. ولا أدري: ما ذا يقصد معاليه بعبارة: "عن إيمان ووعي". فالظاهر من السيدة الفاضلة التي ارتبط بها أنها مؤمنة وواعية وبالغة ورشيدة. فعبارته ليست عبارة فقهية ولا شرعية. ولا علاقة للحجاب ولا غيره من الاحكام الشرعية بقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"؛ لان هناك قاعدة عند العلماء لا يختلفون فيها، وهي أن الشخص إذا آمن بالاسلام لَزمته أحكامه. فإذا فرَّط (وكُلُّنا مُفَرطون) في حكم شرعي من غير عذر فهو عاصٍ به؛ وإذا عَمِل في نفس الوقت بحكم شرعي آخر أُجِر به؛ والله سبحانه تعالى يضع لنا الميزان، كما في سورة القارعة وغيرها. فالمسألة هنا مسألة شرعية. إلا إذا كان معاليه يعتقد أن الحجاب ليس فريضة اسلامية؛ وهي: الملحوظة الرابعة: الملحوظة الرابعة: لم يتعرض معاليه للحكم الشرعي للحجاب مع وجود المقتضي لذلك. وإذا تجنبه فإنني أُذَكّر معاليَه أمام الأشهاد بأن الحجاب واجب شرعي بالنص والاجماع. وإذا اعترض على الاجماع فليذكر لنا ولو صحابيا واحدا او تابعيا واحدا او عالما واحدا من علماء المسلمين عبر تاريخ الاسلام يقول غير ذلك. فهذا هو المقصود بالاجماع عند العلماء. والله اعلم واحكم.