بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك؛ أثارت بعض وسائل الإعلام -التي تبحث عن الإثارة واستقطاب الجمهور- ضجيجا وبلبلة، وذلك من خلالها نشرها لفتوى يجيز فيها صاحبها (الاقتراض من البنك قصد شراء أضحية العيد). ولمناقشة هذه الفتوى؛ لا بد أن نبين أولا حكم الأضحية. (مع الاختصار الشديد خوفا من الطول). حكم الأضحية على المقيم الموسر (سنة مؤكدة)، عند جمهور العلماء، وينسب إلى أبي حنيفة القول ب(الوجوب)، وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، أما المعسر؛ فبالإجماع لا شيء عليه، وإذا اتضح الآن حكم الأضحية؛ يبقى بيان مفهوم (السنة المؤكدة) واجبا. السنة المؤكدة عند جمهور العلماء أيضا؛ هي: ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، خلافا للأحناف الذين يجعلون السنة المؤكدة والواجب بمعنى واحد (ينظر بدائع الصنائع)، وبناء على رأي الجمهور -وهو الصواب-؛ فالمسلم القادر على الأضحية ولم يضح لا إثم عليه. وإن كان الأفضل له أن يقيم هذه السنة الإبراهيمية تقربا إلى الله تعالى. وإذا كان المسلم الموسر لا ذنب عليه إن ترك الأضحية؛ فمن باب أولى المسلم المعوز، والسؤال الآن، ما هي مسوغات الفتوى التي جعلت حكم الأضحية واجبا اجتماعيا كالوجوب الشرعي؟ يقرر صاحب الفتوى بأن البعد الاجتماعي من مقاصد الأضحية، ويتجلى ذلك في إدخال الفرحة والسرور على الأسرة مقارنة بجيرانهم، وفقدان هذا البعد الاجتماعي -بسبب عدم الأضحية- يوقع في الضرورة، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإنه يجوز الاقتراض ولو بالربا دفعا للضرر، بناء على أن (الضرورات تبيح المحظورات) فهل حقا توجد الضرورة هنا؟ البعد الاجتماعي حاضر في طقوس العيد كله (الصلاة، تغيير الملابس، صلة الرحم..) وليس فقط في ذبح الأضحية، أما الضرورة؛ فلا توجد رائحتها، وبيان ذلك كالتالي: – الإسلام وصى أن نتصدق بجزء من الأضحية على الفقراء والمساكين، ووصى في غير الأضحية بالجار حتى نفى الإيمان عمن بات شبعان وجاره جائع، وأمرنا كذلك بستر النعمة حتى لا يراها المحتاجون من الجيران وغيرهم.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن شراء الأضحية بالقرض يوقع في الحرج، والحرج مرفوع، وما جعل الله تعالى حكم الأضحية سنة وليس واجبا؛ إلا لعلمه بأن الناس لن يقدروا على ذلك، فأي فرح وسرور تحس به أسرة تعلم أنها مطالبة برد الدين بعد العيد!! ثم لماذا نتحدث عن يوم واحد فقط في السنة؟ الشعور الذي يمكن أن تحس به الأسر المعوزة تحس به طيلة السنة، منازل فخمة، وسيارات فارهة، وملابس غالية، مقابل أكواخ من الطين، والملابس الرثة، وأعتقد أن جرح هذا الإحساس الدائم أعمق من جرح صبيحة واحدة. وإذن، يجب -لو كانت القصد صافيا- أن ننشر التدين الصحيح في الناس، فنبين للفقراء بأن الحرج مرفوع عنهم، ولا يكلفون أنفسهم ما لاتطيق، فأغلب الناس يجهلون حكم الأضحية، فيعتقدون بحكم العرف أنها فرض، ونوجه الأغنياء إلى العناية بالفقراء، فنوضح لهم معاني العيد، وأن الفرحة لا تكمل إلا بإعطاء الفقراء وإشراكهم في الأضحية، وليس في التظاهر عليهم بحجم الكبش ونوعه، فذلك إثم ما بعده إثم، ثم نوجه خطابا للدولة، بأن الفرحة يجب أن تكون سنوية من خلال التوزيع العادل للثروة، والتصدي للفساد… لكن عندما يكون القصد فاسدا؛ تنقلب المفاهيم، فيصبح العرف شرعا، والفرض مستحبا، والتحسين ضرورة، والمنكر معروفا، والمعروف منكرا.