قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرد على الدكتور علي منصور كيالي العقلاني ونفيه عذاب القبر
نشر في هوية بريس يوم 16 - 07 - 2018


هوية بريس – د. عبد الباري بن حماد الأنصاري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
فقد أرسل إلي أحد الإخوة بمقطع لشخص يُدعى الدكتور علي الكيالي يُنكر فيه عذاب القبر، ويستدل على ذلك بأدلة عقلية وآيات يزعم من خلالها أنها تنفي ذلك، وأن الأحاديث الواردة في عذاب القبر ما هي إلا أساطير بابل -كما يزعم-.
وطلب الأخ المرسل الرد على ما جاء في ذلك المقطع، خشية تأثر بعض الناس به.
فأقول وبالله تعالى التوفيق:
أولا: لم يختلف علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة في إثبات عذاب القبر؛ لدلالة القرآن الكريم عليه وتواتر الأحاديث النبوية في إثباته.
قال النووي رحمه الله: اعلم أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. شرح مسلم (17/ 200)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إثبات الثواب والعقاب في البرزخ -ما بين الموت إلى يوم القيامة- هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع. مجموع الفتاوى (4/ 262)
ثانيا: جاء إثبات عذاب القبر في القرآن الكريم والسنة المتواترة، فهو من الأمور القطعية، التي استفاضت النصوص الشرعية على إثباتها.
والأمور الغيبية كعذاب القبر والحوض والصراط وصفة الجنة والنار يجب على المؤمن الإيمان بها سواء جاءت في القرآن الكريم والسنة، أو في القرآن فقط، أو في السنة فقط إذا ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).
وقال جل وعلا: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وقال سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
قال العلماء: الردُّ إلى الله: إلى كتابه، والردُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا، فإذا قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فإلى سُنَّتِه.
فمن مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من الأحكام والغيبيات وغيرها.
وأذكر ههنا جملة من أدلة إثبات عذاب القبر ونعيمه:
قال تبارك وتعالى في سورة غافر: (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: هذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور. تفسير ابن كثير (7/ 146)
وأما الأحاديث فكثيرة جدا ومنها:
1- عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) قال: "نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله عز وجل: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة}. أخرجه البخاري (1369)، ومسلم (2871)
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شعرت أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إنما تُفتن يهود» قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل شعرتِ أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟» قالت عائشة: «فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدُ يستعيذ من عذاب القبر». البخاري (1372)، ومسلم (584) واللفظ له.
وفي هذا الحديث بيان أنه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن المؤمنين يفتنون في قبورهم، حتى نزل عليه الوحي بذلك.
3- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا، لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه… الحديث. صحيح مسلم (2867).
4- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا، قال: وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". أخرجه البخاري (1374)، ومسلم (2870).
5- عن البراء بن عازب رضي الله عنه: قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر – مرتين أو ثلاثا -، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة… الحديث وفيه: فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره.
إلى أن قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب.
إلى أن قال: فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول هاههاه لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول هاههاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاههاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه.. الحديث. أخرج الإمام أحمد في مسنده (18534) وأبو داود في سننه (4753)، وهو حديث صحيح لغيره.
6- وعن هانئ مولى عثمان، قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى، حتى يَبُلَّ لحيتَه، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيتُ منظراً قطُّ إلا القبرُ أفظعُ منه). أخرجه الترمذي (2308) بإسناد حسن.
وجاء في أحاديث أخرى صحيحة كثيرة جدا تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وتعليم صحابته ذلك، من حديث أبي هريرة في الصحيحين.
وفي صحيح مسلم: من حديث ابن مسعود، ومن حديث عائشة، ومن حديث ابن عباس، ومن حديث أنس بن مالك،ومن حديث أم حبيبة، ومن حديث زيد بن أرقم رضي الله عنهم أجمعين.
ينظر:
صحيح مسلم (الأرقام: 2723، 588، 589، 1377، 590، 2706، 2663، 2722).
كما جاء في الدعاء للميت من حديث عوف بن مالك: (وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار). صحيح مسلم (963).
وبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الدعاء للميت يُنير عليه ظلمة قبره، فقال: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم). صحيح مسلم (956).
ثالثا: أنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتكلم في الأحاديث النبوية الصحيحة المتضمنة لأخبار غيبية – بهذا الأسلوب الذي تكلمه به الكيالي، الذي يتضمن تهكما واستهزاء بها.
فإن السامع للمقطع المذكور يجد الكيالي يقول مستنكرا على من يثبت عذاب القبر:
ألا يكفينا شقاء في الدنيا.. ومباشرة في القبر عذاب.. ويوم القيامة أهوال.
ثم يقول متهكما: هل الناس يتعذبون في القبر وإبليس يسرح ويمرح.
فهذا كلام قبيح، خال من تعظيم السنة النبوية، ومحض استهزاء وتهكم، في مسألة تواترت الأحاديث فيها.
ثم هو يزعم -في هذا المقطع- أن مسائل العقيدة لا تؤخذ إلا من النص القطعي.
ولو كان لديه شيء من العلم والمعرفة بعلم الحديث والأصول لما جهل أن الحديث المتواتر يفيد العلم القطعي، وأن الأحاديث في إثبات عذاب القبر متواترة عند أهل العلم.
مع أن ثبوت الحديث كاف للاحتجاج به في العقائد والأحكام وغيرها على الصحيح من أقوال العلماء.
ومن شبه الكيلاني في نفي عذاب القبر -كما تقدم- قوله: إن المستفيد الوحيد إبليس من إثبات عذاب القبر، لأن من أضلهم البشر يعذبون في قبورهم وهو لم يعذب بعد!!
وهذا كلام عامي سخيف، يعلم كل مسلم عاقل بطلانه:
فإن خلود إبليس في هذه الدنيا أمرٌ قدري، أعطاه الله إياه، وجعل مآله العذاب الأليم الدائم في جهنم وبئس المصير، أعاذنا الله منها ومنه.
فالذي يُفرح إبليس -في الحقيقة- طاعة العباد له في الدنيا واتباعه لخطواته.
وأما ما يجري لهم في البرزخ ويوم القيامة من الثواب والعقاب، فعلمه عند الله تعالى، وهو عاقبة أعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وأما احتجاجه بقول أحد المعاصرين:
لا عذاب قبل حساب.
فالجواب عنه بأن يقال: أنه إذا ثبت النص القطعي في عذاب القبر، فلا يعارض بتقعيدات غير معصومة، فقد تواترت الأحاديث الصحيحة في إثبات عذاب القبر ونعيمه، فليس لنا إلا الإيمان والتصديق بها، وعدم إنكارها أو تأويلها أو الاعتراض عليها.
والقبر أول منازل الآخرة، وفيه تبدأ فتنة العبد ومحاسبته على ما كان عليه في الدنيا من إيمان وعمل.
فيسأله الملكان، ويُجزى على بعض أعماله.
وقد ذكر العلماء أن عذاب القبر لبعض العباد -من أهل الإيمان- يكون من باب التمحيص، فيأتي يوم القيامة وقد عوقب بما يستحقه فلا يكون عليه عقاب بعد ذلك.
قال الحكيم الترمذي: إنما يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه غدا في الموقف، فيمحصه في البرزخ، ليخرج من القبر وقد اقتص منه. شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (ص:160).
وأماحساب العباد الوارد في الآيات والأحاديث الأخرى فلا شك أنه لا يكون إلا يوم القيامة كما قال تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد).
ومن حجج الكيالي في نفي عذاب القبر قوله: (إن الميت لم ينته سجله).
فالجواب عنه بأن يقال:
نعم، قد لا ينتهي سجل بعض الموتى بموتهم، فتلحقهم بعض الحسنات أو السيئات، كما في الحديث الصحيح: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئ فعليه ه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، والله عز وجل (لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا).
فما بقي للميت من الخير: كعلم نافع أو صدقة جارية أودعاء ولد صالح = كل ذلك ينفع الميت في قبره إن شاء الله، وربما كان سببا في كف عذاب القبر عنه، إن كان مستحقا له.
وأما اعتراض الكيالي: بالمقابر الجماعية ومن أكله السمك في البحر، فكيف يعذب في قبره؟
فالجواب: أن تسمية عذاب القبر بذلك من باب التغليب، إذ أكثر الموتى يدفنون في القبور. فلا يلزم على ذلك أن من مات في البحر فأكله الحوت والسمك، أو احترقت جثته وتناثرت في الهواء = ألا يفتتن ولا يعذب.
فعذاب القبر أمر غيبي لا نعرف كثيرا من كيفيته، والله تبارك وتعالى قادر على أن يعذب العبد أو ينعمه وإن كان على تلك الصورة والحال.
وأما احتجاج الكيالي: بقوله تعالى: (من بعثنا من مرقدنا) على نفي عذاب القبر، فأجاب العلماء عنه من وجهين:
1 قال ابن كثير: قوله: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) يعنون: من قبورهم التي كانوا يعتقدون في الدار الدنيا أنهم لا يُبعثون منها، فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)، وهذا لا ينفي عذابهم في قبورهم، لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد. تفسير ابن كثير (6/581).
2 أنه روي عن بعض السلف أن المعذبين في قبورهم ينامون نومة قبل البعث. المصدر السابق.
فهذه مناهج العلماء الراسخين في الجمع بين النصوص، وفهمها الفهم الصحيح.
وأما الكيالي هذا فهو متسور على كتاب الله عز وجل، يفسره برأيه بناء على أفكار وخيالات عنده، من غير علم بآلات التفسير من فقه ولغة وأصول، ولا اطلاع على كلام العلماء الراسخين.
وجمع إلى ذلك إنكار الأحاديث النبوية الصحيحة والتهجم عليها بلا علم ولا حجة.
والله عز وجل قد أخبرنا أن السنة النبوية بيان للقرآن الكريم، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجري على العباد في قبورهم من نعيم أو عذاب، فليس علينا إلا الإيمان والتسليم والتصديق بذلك، وألا نتبع آراء من رغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع هواه، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رغب عن سُنتي فليس مِنِّي).
قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.