نعم، في الظروف العادية… بل وربما مخفف بعض الشيء! فالقاضي قام بواجبه في تطبيق القانون بحذافره، بعد دراسة الملف من جميع جوانبه والاستماع للشهود ولدفاع المتهمين والتمحيص في جميع القرائن والدلائل… إذن، فلا طعن في القضاء ولا في استقلاليته بالنسبة لي. ولكن… هل هذا الحكم القضائي يساهم في الانفراج حاضرا ومستقبلا؟ وهل هاته محاكمة لأسباب جنائية أو جنحية؟ ودوافع المتهمين هل كانت إجرامية وكيدية وتتوفر فيها شروط الإصرار؟ أو كانت دوافع المتهمين احتجاجية وانتفاضية ضد ظلم جماعي مس منطقة بأسرها منذ فجر الاستقلال؟ هل المطالب عادلة في ضرورة التوفر على مستشفيات ضد السرطان ومعامل تصون كرامة العاطلين، لكن وسائل التعبير عن الاحتجاج هي التي خالفت القانون؟ هل أخطأت الدولة بجميع أجهزتها في احتواء الانتفاضة الشعبية في منطقة مقهورة اقتصاديا ومجروحة تاريخيا، أو المحتجين لوحدهم هم من لم يقدروا صبر الدولة لعدة شهور واستصغروا قوتها الأمنية واستخفوا بقدرتها على تلجيم الخروقات التي شابت الاحتجاجات؟ وما هي قدرة المطالبين بالحق المدني على تجاوز الإساءة الجسدية والمعنوية التي لحقتهم أثناء تأدية واجبهم؟ فهناك المئات من الجرحى أيضا من صفوف العاملين في الجهاز الأمني، أحدهم كاد أن يفارق الحياة لولا ألطاف الله… إنه ملف سياسي معقد بامتياز، وبخلفية تاريخية واجتماعية واقتصادية سيكون له قطعا مآلات على مستقبل المغرب الموحد، ولا مجال للعواطف الجياشة ولا للعدالة القضائية الحصرية، ولا للمقاربة الانتقامية فيه… أما الأغلبية الحكومية الحالية، فأنا آسف جدا على تواضع بلاغها الصادر يوم الجمعة والذي لا يحمل أي إجابة سياسية أو اجتماعية لوضع غير مسبوق في العهد الحالي. لقد تشابكت الأحداث، وعجزت الأجهزة على الاستجابة للأزمة، وأعتقد أن الجميع حاليا -شعبا وأجهزة- يتطلع للمؤسسة الملكية بصفتها الضامنة لاستقرار البلد ولوحدته، والممثلة الأسمى للأمة ولاستمراريتها، والمالكة لزمام العفو حين تتوفر ظروفه… الله يحد البأس. * قيادي في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب.