هوية بريس – د. رشيد بنكيران لا يكاد المغاربة يتناسون ألم صفعة آلمتْهم جدا وأحدثت في نفوسهم جراحا عميقة، إلا وتعاودهم صدمة أخرى أعظم من الأولى تشعرهم بالمزيد من الدونية وأنه لا قيمة لكرامتهم ولا احترام لأنسانيتهم.. وخلف كل منها تكمن سلسلة ممنهجة من الإهانات التي تستهدف أعظم ما يملكه المغربي المسلم وهو دينه الرباني الحنيف. في هذا الإطار، لا يزال المغاربة يتذكرون الإهانة التي وصفت رسائل نبي المرحمة عليه الصلاة والسلام بالإرهاب.. ولا داعي للتذكير باسم صاحبها، فهو لا يفتأ يطعن في الإسلام والمسلمين.. كما لا يزال المغاربة يتذكرون مقالة الصحافي الذي زعم أن النبي محمدا عليه الصلاة والسلام وقع في زنى المحارم حسب ما تنقله كتب السنن على حد قوله.. ولا يزال المغاربة كذلك يتذكرون مشهد الفنانة التي اقتبست من ألفاظ القرآن الكريم أو جزء من آية منه وزجت بها في مستنقع الفن الساخر مع ترتيلها بالطريقة المغربية المعروفة.. ولا يزال المغاربة يتذكرون شعار (1+1=3) الذي يرمز إلى تخطئة الله سبحانه في موضوع الإرث.. وما زالت المشاهد تتكرر، ولا يزال الحرص على تحطيم ما يسمى عندهم بالطابوهات، والمراد بها الإهانات المستمرة والممنهجة للمقدسات… واليوم في مشهد آخر -ولا أظنه الأخير- سمعنا من يصف أبانا آدم عليه السلام، أول نبي، الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه الأسماء كلها، وأسجد له ملائكته… وغيرها من الخصائص التي تدل على اصطفائه من لدن الله جل جلاله… قلت: سمعنا من يصفه بكل وقاحة لا نظير لها ب(مسلكط)، هذه الكلمة التي -هي عند المغاربة- وصف جامع لكل رذيلة ونقيصة وقبيحة. والأدهى والأمرّ، أن القائل السفيه وجد من شيعته (ومنهم دكاترة) من يؤيدونه على هذه الكفريات والزندقة ويدافعون عنه، في سكوت مطبق من عقلاء العلمانيين؛ فلا أحد منهم أنكر ولا قبح. وقد جرت العادة أن لكل ملة ونحلة سفاءها وحكماءها، ولكن يبدو أن العلمانيين المغاربة لا حكيم لديهم ولا صاحب عقل ولا ذا بصيرة، فيحذرهم من مغبة اللعب بنار الفتنة؟؟؟ أنا لن أتحدث عن حكم هؤلاء جميعا وما تفوهوا به، فإن علماء المذهب المالكي كفونا ذلك وبينوه بما لا يحتاج معه إلى مزيد توضيح وبيان، وإنما الذي يحتاج إليه المغاربة هو التنفيذ والإلزام، فأين القضاء وأين من ينصف المغاربة الشرفاء ويرفع كرامتهم؟ ديننا يهان وفي وطننا الذي استرخص فيه الأجداد والآباء مهجهم وأعز ما يملكون نصرة للدين، وتستمر تلكم الإهانات المقصودة والممنهجة ولا نجد من يقوم بحمايته وحماية كرامة المغاربة، ولا نجد من يدافع عن حمى الله ولا من يصون معتقدات المغاربة من العبث بها والازدراء بها.. حقيقة، لا أجد سببا معقولا ولا عذرا مسوغا للتقاعس المريب للمؤسسات الرسمية المسؤولة عن العدل والقضاء، والمسؤولة عن الأمن الروحي في دولة المغرب المسلمة من أداء واجبها تجاه هؤلاء الشرذمة التي تسعى إلى صناعة الفتنة والحرب الطائفية، والتي ستأتي -إن لم يتدارك الأمر- على الأخضر واليابس وتهلك الحرث والنسل.. ألا يعلم هؤلاء جميعا أن تفجير النفوس قد سبقه تفجير النصوص (=إهانة نصوص الوحي)، والمراد بتفجير النفوس هو الفكر المنحرف الذي يشرعن حمل السلاح على الناس دون وجه حق والذي قد غلا في فهم الدين وتنزيله، فإن من أعظم الأسباب التي تغذي هذا الفكر المنحرف الضال وتعطيه الشرعية هو ما يصدر عن الفئة العلمانية التي تتعمد الاستهزاء بالقرآن والأنبياء وشرائع الله، فإن هذا يعدّ كذلك تفجيرا للنصوص المقدسة، والتفجير لا يوَلّد إلا تفجيرا مثله أو أعظم، وأصحاب تفجير النصوص هم مسؤولون كذلك عن إزهاق النفوس وتفجيرها، فهم إرهابيون مثل الآخرين بل هم أشد، فإذا كان أصحاب تفجير النفوس قنابل موقوتة كما يقال، فإن من صنعها وأوجدها ثم وظفها هم من احتقر واستهان بالنصوص المقدسة. ينص الدستور المغربي على احترام المقدسات، ويجرم القانون المغربي المساس بالمقدسات، ورغم ذلك، لا يعاقب من استهزأ بالقرآن وسب الأنبياء؛ فمن يقف وراء حماية هؤلاء السفهاء ولا يقدر عقيدة المغاربة الشرفاء؟ ولمصلحة من يعاقب الإرهابي الذي فجر النفوس ولا يعاقب الإرهابي الذي فجر النصوص؟