أكيد أن هذه العلاقة التاريخية الوطيدة لم تدون يوما في احدى وثائق الحزب ولم تكن يوما موضوعا للتداول في مجلسه الوطني، وبذلك سيكون من المفيد ادماج هذا الموضوع ضمن محاور الحوار الداخلي المنتظر وهو أمر لا يسيء للحركة التي لعبت أدوارا رائدة في نجاح المشروع السياسي للحزب. يجب ان ننتبه الى أن إحدى المداخل الأساسية لشيطنة الحزب من طرف أعدائه ظلت دائما علاقته بالحركة ومن ثمة الزعم بارتباط وهمي ب"التنظيم العالمي للاخوان المسلمين" وتهمة خدمة الأجندات غير الوطنية. هذه التهمة تم الاشتغال عليها وكانت ضمن مخطط استهداف الحزب الى حدود 7 أكتوبر ولم تتوقف إلا بعد تفاعلات أحداث ما بعد الاعفاء. يجب الانتباه الى أن الطابور الاعلامي المعلوم الذي اشتغل على هذه الحكاية لزم صمتا غريبا وحيادا عجيبا تجاه هذا الموضوع خاصة وان الحركة أصدرت بلاغا ضمن نقاش "الولاية الثالثة" خصت فيه حزب العدالة والتنمية بالاسم (وهو امر لازلت أعتبره باحترام تام للحركة وأدوارها) خطأ استراتيجيا، فضلا عن تدخل أعضاء قياديين بارزين في النقاش بتبنيهم جميعا لأطروحة واحدة تقضي برفض الولاية الثالثة (أكدت الحركة أنهم يفعلون ذلك بصفاتهم الحزبية وذلك مسطريا من حقهم). السؤال: الى متى سيستمر هذا الصمت المفاجئ والى متى سيدوم هذا التسامح الطارئ مع بروز الحركة كفاعل في نقاش سياسي يهم الحزب؟ أتمنى أن يستمر ذلك طويلا ولو أنني لست واثقة من ذلك، علما أن أطروحة التمايز التي أفرزها نقاش (الدعوي والسياسي: فصل أم وصل؟) تم مسها في العمق بمؤشرات دالة لا يمكن تجاوزها في كل نقاش جاد وهادف لا يستهدف الاساءة لا للحزب ولا للحركة. أكرر رأيي في هذا الموضوع الهام: كما ان الحزب مطالب بتقييم مرحلة واستشراف أخرى في اطار حوار لابد من توفير شروط جديته، فإن الحركة أيضا مطالبة (ان جاز لنا حق الاقتراح) باجراء نفس التقييم ونفس الحوار باشراك الباحثين والمفكرين والأقلام الرصينة للتوثيق والانتاج المكتوب والمحبوك. لازلت أرى في حركة التوحيد والاصلاح حركة تغيير مجتمعي لزرع قيم الاستقامة والصلاح في الأفراد والمجتمع، وبذلك أؤمن أن وظائفها التغييرية كحركة دعوية ناضجة لابد وأن تتجاوز حدود حزب سياسي بعينه محكوم باكراهات العملية السياسية وتقلباتها، وترتقي الى دعم الخير والاستقامة والصلاح حيثما كان: فإذا رأت ان حزب العدالة والتنمية تبنى خيارا خاطئا لا يخدم أهداف الاصلاح تنتقده واذا رأت أن حزب الاستقلال أو الاتحاد الاشتراكي او التقدم والاشتراكية أو الجمعية المغربية لحقوق الانسان أو غيرها تبنى موقفا قويا تجاه قضية عادلة يخدم الاصلاح تعلن عن دعمه وهكذا… الأساس في الاصلاح هو الفكرة، والفكرة ممتدة تبحث عن منسوب الخير أينما وُجد، خلافا لفكرة أن الاصلاح يرتبط بطائفة مختارة لا يمكن أن تكون إلا على صواب. ثبت أن كل مجموعة بشرية تظل محكومة بالخير والشر والصلاح والفساد ولا وجود لفئة ناجية مكتوب على جبهتها الصلاح. ورحم الله السي بها حينما قال: في داخل كل منا قدر من الخير وقدر من الشر، يجب أن نعمل على اخراج الخير الموجود وتجنب استثارة الشر الموجود بنفس القدر. الأساس هو الخروج الى المجتمع وكسر فكرة التنظيمات المتعالية على المجتمع، لأن هذا المجتمع قادر على اختراقها بقيمه وتناقضاته، وفي النهاية لم ينجح تغيير مجتمعي في التاريخ اذا لم يحتضنه الناس ويؤمنوا به، هذا الايمان والاحتضان يقتضي تفكيرا عميقا في فكرة: تنظيم بدون أسوار لكن برؤية واضحة وقراءة حصيفة للواقع. والله أعلم