الذين درسوا فكر وتراث علال الفاسي دائما يخرجون بسؤال محير، لماذا لم يؤسس هذا الرجل حركة إسلامية في الوقت الذي كان يتمتع فيه بكل مواصفات القيادة؟ الثابت أن الرجل كان يمتلك رؤية إسلامية نافذة، وكان يتبنى مشروع أسلمة القوانين والمجتمع، وكان السباق إلى تبني خط تغييري سلمي، وكان له إطلاع واسع على التجربة الحركية الإسلامية، وكان على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين في مصر، وهو أول من وصل المغرب بأدبياتهم وأدبيات سيد قطب خاصة. كان الرجل رأسا في التنظير، ولا زالت كثير من أفكاره صالحة للتداول ليس فقط داخل الدائرة الحركية الضيقة، ولكن داخل الفضاء المجتمعي الأوسع. رحابة إطلاع الرجل، وسعة أفقه وتعرفه على التجارب التغييرية والمشاريع المجتمعية المختلفة جعلته يتحرر من تسلط النموذج الجاهز ويرتاد آفاق واسعة في الرؤية والتفكير، ويجنب أطروحته التغييرية الإسلامية منطق الصدام الذي كان وقتها هو الفكر السائد. كل هذه الاعتبارات التي طرحناها تزيد في شرعية السؤال: لماذا لم يؤسس الرجل حركة إسلامية؟ سؤال لم يجب عنه في كتبه، ولا ترك بين كلماته ما يجعلنا نلتمس الخيط الموصل إلى معرفة الحقيقة حول هذا الموضوع. شهادة محمد بخات تؤكد أن علال الفاسي تسرع حين أسس حزب الاستقلال وأنتج الأداة السياسية قبل أن يفكر في الأداة التربوية والدعوية، لكن هل يصح أن يفقد رجل مثل علال الفاسي المبادرة ويكتفي بمجرد التحسر والندم؟ في الطرف الثاني من شهادة بخات الجواب الكامل مفصلا. لم يحاج الأستاذ علال الفاسي الشاب المتحمس الذي بادره بسؤال عن مسار حزب الاستقلال وكيف انعطف بعد ماضيه المجيد إلى أسلوب التصفيات الجسدية. كان الجواب مليئا بالدلالات الفكرية والسياسية. فقد الرجل المبادرة ولم يعد يملك كامل السيطرة على ما يجري في الحزب. جوابان متكاملان لا ينفصل الأول عن الآخر. تمنى أن يؤسس حركة إسلامية، وميز في حديثه بين الإخلاص لله والإخلاص للحزب، وفي الوقت ذاته تحدث عن فقدان سلطة التحكم في الحزب، وأقر بعدم قدرته وهو المؤسس على التدخل لإيقاف الانحراف الذي انعطف إليه الحزب. الحاصل من التركيب، أن الرجل أدرك أن الأسس التي تقوم عليها الحركة الإسلامية لا تسمح بوقوع مثل تلك الانحرافات، أو على الأقل يبقى هناك مجال لتصحيحها من داخل الحركة الإسلامية بخلاف الحزب السياسي الذي يصعب التدخل لتصحيح الاختلال فيه لو مضى التيار الغالب والمسيطر في اتجاه تزكية خط الانحراف. هذه الشهادة التي سجلها محمد بخات تكشف الصلة بين الأستاذ علال الفاسي والحركة الإسلامية وكيف كان الرجل يتابع الأنشطة الدعوية ويقيم مسارها، بل ويتمنى أن يكون قد بنى أسلوبه في العمل على منوالها. اليقين أن الأستاذ علال الفاسي أسر أشياء كثيرة لمعارفه ومحبيه، والظن الراجح أن حديثه عن الحركة الإسلامية في المغرب كان أوسع بكثير من مجرد تحسر أو تطلع، لكن يحتاج الكشف عنها إلى مزيد من استقصاء الشهادات التاريخية.