تدريس اللغة الأمازيغية.. تكوين أزيد من 3000 أستاذ للتعليم الابتدائي بالتخصص المزدوج    هيئة المحامين بالرباط تثمن الثقافة الأمازيغية في احتفالية "إيض يناير"    محاكمة محمد أبركان: غيابات مثيرة للجدل وشهادات طبية تحت المجهر    ابتدائية فاس تبت في قضية تشهير    جوردان بارديلا: يجب على المفوضية الأوروبية أن تتحرك لردع النظام الحاكم في الجزائر    إنذار جديد باتساع رقعة حرائق لوس أنجلوس    صور أكراد "قسد" مع البوليساريو.. النظام الجزائري في مرمى الاتهام وتناقضاته تكشف نواياه الحقيقية تجاه أنقرة    تدريس اللغة الأمازيغية.. تكوين أزيد من 3000 أستاذ للتعليم الابتدائي    التوتر السياسي بين فرنسا والجزائر : اتهامات و تصعيد دبلوماسي    حزب ‬الاستقلال ‬يطلق ‬مبادرتين ‬هامتين ‬    قافلة الأكاديمية الدولية للتراث الثقافي اللامادي تحل بالحسيمة    لقجع: الزيادة في ثمن غاز البوتان غير مطروحة على طاولة الحكومة    وزارة الداخلية تقرر توقيف قائد للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    طنجة: توقيف شخص وزوجته بتهمة حيازة وترويج 1781 قرصًا مخدرًا ومخدرات متنوعة    اغتصاب طفلة من دوي الإعاقة بشكل جماعي ومتكرر يدفع بحقوقيون إلى المطالبة بإقرار العدالة وتشديد العقوبات    الوداد يؤكد التعاقد مع فهد موفي    نمو الاقتصاد الوطني محفوف بمخاطر الجفاف وتراجع معدلات الأمطار التي انخفضت بنسبة 60.6 %    الكتاب الأمازيغي: زخم في الإنتاج ومحدودية في الانتشار نسبة النشر بالأمازيغية لا تتعدى 1 %    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    أربعة مشاريع مراسيم على طاولة مجلس الحكومة المقبل    شادي رياض يتألق في أول ظهور بعد الإصابة    جبريل الرجوب يصلح زلة اللسان بخصوص مغربية الصحراء    وزارة الصحة تبدأ في عملية تلقيح البالغين ضد داء بوحمرون    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    مسؤول يكشف أسباب استهداف وزارة الصحة للبالغين في حملة التلقيح ضد بوحمرون    أمن مطار محمد الخامس يوقف مواطنا تركيا مطلوبا دوليا    مراجعة اللوائح الانتخابية العامة : إمكانية التأكد من التسجيل في هذه اللوائح قبل 17 يناير الجاري    وزارة ‬الصحة ‬تتدخل ‬بعد ‬تواصل ‬انتشار ‬‮«‬بوحمرون‮»‬.. ‬    الدوري السنوي لنادي اولمبيك الجديدة للكرة الحديدية , إقبال مكثف وتتويج مستحق    موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    نبيل صانصي يصدر ألبومه الجديد "الكوحل"    رواية "على بياض" لخلود الراشدي.. تجربة فريدة تتناول موضوع الإدمان وتمزج فن الراب بالرواية    أطباء القطاع العام يعلنون إضرابا وطنيا لعشرة أيام احتجاجا على تجاهل مطالبهم    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 16 سنة يخوض تجمعا إعداديا بسلا    أنشيلوتي يعترف : ريال مدريد لم يكن متماسكا وبرشلونة كان الأفضل    قطر تسلم إسرائيل وحماس مسودة "نهائية" لاتفاق وقف إطلاق النار    أخنوش: ملتزمون بترسيم الأمازيغية    فن اللغا والسجية.. الظاهرة الغيوانية بنات الغيوان/ احميدة الباهري رحلة نغم/ حلم المنتخب الغيواني (فيديو)    راديو الناس.. هل هناك قانون يؤطر أصحاب القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي (ج1)؟    شي يشدد على كسب معركة حاسمة ومستمرة وشاملة ضد الفساد    على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء النباتي الأخضر    السعودية تطلق مشروع مدينة للثروة الحيوانية بقيمة 2.4 مليار دولار    الذهب يتراجع متأثرا بتقرير عن الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية    فيتامين K2 يساهم في تقليل تقلصات الساق الليلية لدى كبار السن    الدولار يرتفع مدعوما بالتقرير القوي عن سوق العمل    من بينهم نهضة بركان.. هذه هي الفرق المتأهلة لربع نهائي كأس الكونفدرالية    أطباء مغاربة يطالبون بالإفراج عن الدكتور أبو صفية المعتقل في إسرائيل    للتعبير عن انخراطهم في حملة "مرانيش راضي".. احتجاجات شعبية في ولاية البويرة الجزائرية (فيديوهات)    النفط يسجل أعلى مستوى في أكثر من 3 أشهر مع تأثر صادرات روسيا بالعقوبات    برشلونة بعشرة لاعبين يقسو على ريال 5-2 بنهائي كأس السوبر الإسبانية    تحذيرات خطيرة من كاتب سيرة إيلون ماسك    دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين اختفتْ نسخة صحيح البخاري الأصلية؟
نشر في هوية بريس يوم 18 - 10 - 2017


هوية بريس – شريف محمد جابر
يطرح بعض "الباحثين" وبعض من يحملون لقب "دكتور" سؤالا "وجيهًا" حول فقدان المخطوطة الأصلية لصحيح البخاري والتي كتبها بيده، فهم يتساءلون: لو كان الإمام البخاري قد كتب هذا الكتاب فلماذا لا نجد النسخة الأصلية التي خطّها بيده؟ يقولون: إنّ أقدم نسخة مخطوطة لصحيح البخاري تعود إلى القرن الرابع الهجري، أي بعد عشرات السنين من وفاة البخاري (توفي عام 256 ه). وهي نسخة الإمام محمد بن أحمد المروزي، الذي ولد سنة 301 ه وتوفي سنة 371 ه، وقد سمع صحيح البخاري من شيخه الفربري عام 318 ه، وسمع الفربري الصحيح من البخاري سنة 252 ه. فكيف نثق بكتاب منسوب لصاحبه ونحن لا نملك النسخة الأصلية منه؟!
أولا: سذاجة السؤال
من الأمور المؤسفة أننا نعيش في عصر يُطرح فيه مثل هذا السؤال الساذج؛ إذ مَن الذي يسأل عن النُّسخ الأصلية للكتب اليوم؟ فإذا بدأنا بالقرآن الكريم، فنحن نثق ثقة مطلقة بحفظ كتاب الله ومع ذلك لا نجد بين أيدينا النسخة الأصلية المكتوبة على عين الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا حتى النسخة الأصلية لمصحف عثمان! بل وعندما اكتشف العلماء في ألمانيا مخطوطة قديمة للقرآن تعود للعهد الراشدي، وأكّدوا أنها مطابقة لما بين يدينا من القرآن اليوم؛ لم يزدْ ذلك من يقيننا في كتاب الله شيئا! فإذا مضينا للكتب البشرية، وجدنا أنّ السذّج فقط هم من يعتبرون وجود النسخة الأصلية المكتوبة بخط الكاتب هو الدليل على صحة نسبة الكتاب إليه! كم كتابا قرأتم من عصرنا هذا أو من عصور سالفة لا توجد له نسخة أصلية بخط الكاتب؟! إنّ وجود النسخة الخطية لكاتب الكتاب لم تكن يوما ولن تكون مرجعا في إثبات موثوقية نسبة الكتاب إليه، وعلى هذا تواضع البشر منذ قرون، ذلك أنّ مسالك إثبات النسبة للكاتب تتعلق بتواتر نقل الكتاب وإثباته في عدة مراجع، وليس في وجود نسخة الكاتب الخطية.
ثانيا: كيف نُقل إلينا صحيح البخاري؟
لا شكّ أنّ الإمام البخاري رحمه الله كتب جامعه الصحيح بخط يده، ولكنه قرأه على جمع غفير من التلاميذ الذين كانوا يسمعونه منه ويكتبون الكتاب كاملا، ثم يطابقونه بعد الانتهاء على نُسخته، بحيث تكون نُسخهم طبق الأصل عن نسخة البخاري. ثم جاء بعدهم جيل آخر سمع الكتاب من تلاميذ البخاري وقابلوا نُسخهم على نُسخ تلاميذ البخاري، وهكذا، حتى تواترت نسبة الكتاب، ولو ضاع الأصل الذي خطّه البخاري بيده فلن يعني ذلك شيئا؛ لكون الكتاب قد انتشر وفشا بين التلاميذ، وكثرتْ نُسخه التي على كلّ منها إسنادٌ يتصل بالبخاري، وكُتبت عليه الشروحات، وتطابقتْ جميع نُسخه بفضل الله. أما الاختلافات اليسيرة في الألفاظ فهي تشبه – إلى حدّ معيّن – ما في القرآن من اختلاف القراءات، وهي في الواقع عاملُ زيادة في الموثوقية؛ ذلك أنّها تؤكد أنّ النقل قد تعدّد من مصادر مختلفة وصولا إلى الإمام البخاري..
فلو كان المعتمَد في صحيح البخاري نسخة متأخرة جدا عن البخاري لكان النسخ والطبع اللاحق عنها متطابقا دون أي اختلاف وإنْ كان هامشيّا، فانظر كيف أنّ هذه الاختلافات (اليسيرة جدا والهامشية) تزيد من موثوقية النقل لا العكس! ثم إنّ نسخة الإمام الفربري – تلميذ البخاري – قد اشتهرت، فشاع النقل عنها، لا لكون النقل محصورا بها، فقد نُقل صحيح البخاري بطرق أخرى، وهذا الإمام الخطابي (319-388 ه) يقول في شرحه لصحيح البخاري "أعلام الحديث" إنّه سمع معظم الكتاب من خلف بن محمد الخيام عن إبراهيم بن معقل النسفي (ت 295 ه) تلميذ البخاري الذي سمع الكتاب منه، أي من طريق آخر غير الفربري. وكذلك كان الأمر عند المتقدّمين، فقد شاع بينهم سماع الصحيح وروايته من طرق مختلفة غير تلك المشهورة اليوم، وتطابقتْ رواياتهم للصحيح مع تلك النسخة.
إنّ تطابقَ روايات صحيح البخاري ونُسخه مع تباعد الأقطار واختلاف الأزمنة وتعدّد المصادر عن البخاري؛ لهو خير دليل على تواتر الصحيح وموثوقية نقله عنه. ثم إنّ العلماء (كما هو حال معظم المنتجات العلمية) تشتهر بينهم نسخة معينة أو عدة نُسخ، لا لكونها الأصح أو لأنّ فيها ما ليس في غيرها، بل تلك طبيعة الأشياء. كما لو أنّ كاتبا معاصرا كتب كتابا قبل عشرات السنين، ثم طبعته عدة دور للنشر، ثم بعد عشرات السنين لم يبق على طباعته سوى إحدى تلك الدور، واشتهر كتابه من طبعة تلك الدار لأنّها الأجود طباعة وتحقيقا مثلا، مع نفاد نُسخ دور النشر الأخرى أو إهمال طباعتها، فلا يعني هذا أنّ مضمون هذه الطبعة مختلف عن بقية الطبعات!
وخلاصة الأمر في هذا الباب أنّ صحيح البخاري قد نُقل بالتواتر بعد مؤلّفه، ولم يكن باستطاعة أحد أصحاب النُسخ أن يضع فيها حديثا لم يروه البخاري أو يحرّف دون أن ينكشف أمره؛ فالعلماء من مختلف المذاهب لديهم الصحيح ويعرفون ما فيه، وأي رواية دخيلة سينكشف أمرها لاختلافها عما لديهم، ولمعرفتهم بالأسانيد والرجال. فانظر إلى هذا الملمح المهم من التاريخ العلمي لأمتنا، وهو منهج الرواية والتدقيق ومقابلة النُّسخ اللاحقة على السابقة، والذي لن تجد له مثيلا في بقية الأمم الأخرى! وهذا يعني أنّ اختفاء النسخة الخطية التي كتبها الإمام البخاري لا يعني شيئا، بل هي طبيعة الأشياء؛ فنادرا ما تحتمل المخطوطات العوامل البييئة والتاريخية والعسكرية والسياسية وتنجو بعد 1200 عام!
ثالثا: وجود النسخة ليس أقوى مما هو موجود من نقل الصحيح اليوم!
لو افترضنا أنّ منهج الرواية من عدة طرق، ومقابلة نُسخ التلاميذ على نُسخ شيوخهم، وسماع الجيل اللاحق من السابق وصولا إلى البخاري.. لو افترضنا أنّ هذا المنهج كله لم يكن موجودا في تاريخ الأمة، وأنّنا حافظنا على نسخة خطّية ننسبها للبخاري؛ لَما كان ذلك أقوى مما لدينا الآن من صحيح البخاري! بل كان أضعف في الموثوقية؛ ذلك أنك تحتاج حينذاك إلى توثيق نسبة المخطوطة للبخاري، وستكون عندك من طريق واحد لكونها نسخة واحدة فعليّا، فأيّ تشكيك حينذاك بصحّة نسبتها للبخاري سيشكّك بما لدينا من صحيح البخاري كله اليوم! ولذلك فطريقة النقل التي اعتمدها العلماء هي أفضل الطرق العلمية التي كان بالإمكان من خلالها حفظ كتاب صنّفه صاحبه!
رابعا: ماذا لو ضاعتْ كلّ نُسخ صحيح البخاري من العالم؟
ماذا لو افترضنا أنّنا جمعنا نُسخ البخاري كلّها، المخطوطة (وهي بالآلاف وعليها سماعات) والمطبوعة وحرقناها، وحذفنا أيضا كل ما في شبكة الإنترنت منها، بالإضافة إلى ما نُقل عن البخاري في الشروحات وكتب الفقه وغير ذلك.. فصحَونا يوما ولم نجدْ لِما صنّفه البخاري أثرا! نعم تخيّلوا ذلك وإليكم المفاجأة: لو حدث هذا لَما نقص من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي بين أيدينا شيء؛ فكلّ ما في البخاري من الأحاديث موجود ومبثوث وشائع في غيره من كتب الحديث والفقه!
نعم، وهذه معلومة أخرى لا يعرفها من استغفلهم الخطاب السطحي العاطفي الذي تحدّثنا عنه في تدوينة "من أين جاءوا بكل تلك الأحاديث النبوية؟"، فقد سبق البخاري من أصحاب الحديث أجيالٌ من العلماء، شكّلت كتبهم جزءا كبيرا جدّا من مصادر كتابه، بعضهم من شيوخه وبعضهم من شيوخ شيوخه. وإنّك لو تفحّصت روايات صحيح البخاري ستجدُها مبثوثة ومروية بالأسانيد في كتب سابقة له ولاحقة، ومن أمثلة الكتب السابقة: مسند شيخه الإمام الحُميدي (219 ه) ففيه روايات ذكرها البخاري في صحيحه، وكذلك موطأ الإمام مالك (179 ه) الذي روى البخاري معظم ما فيه من الأحاديث المسندة الصحيحة، ومصنّف الإمام عبد الرزاق الصنعاني (211 ه) ومسند الإمام أحمد بن حنبل (241 ه)..
فهؤلاء وغيرهم هم من أصحاب كتب الحديث السابقين على البخاري، وقد احتوت كتبهم نسبة كبيرة جدا مما في صحيح البخاري من أحاديث، فإذا أضفنا إليهم كتب معاصريه كالإمام مسلم (261 ه) والإمام ابن خزيمة (311 ه) وغيرهم ثم اللاحقين؛ وجدنا أنّ ما رواه البخاري في صحيحه من الأحاديث النبوية موجود في تلك الكتب ومكرّر ومحفوظ، وهي بالعشرات وليس الحديث عن كتابين أو ثلاثة أو خمسة! فإذا اختفى البخاري كلّه، لا نسخته الأصلية فقط، لَما أنقص ذلك شيئا من الأحاديث الصحيحة، فدينُنا ليس مبنيّا على رجل واحد أو على صحيح البخاري وحده، وإنْ كانت له مكانته الجليلة لمواصفات علمية اجتمعتْ فيه وجعلتْ العلماء يقدّمونه على غيره، فجزاه الله عن أمّة الإسلام خير الجزاء.
إنّ هذه المعلومة المهمة تُطلعنا على تهافت تلك الشبهة التي تحاول تصوير صحيح البخاري وكأنه مصدرٌ أساسيٌّ منفردٌ في الدين، بحيث لو طعنوا فيه فسيتمّ التشكيك بما يحويه من أحاديث وسيَبطُل الاستدلال بجزء كبير من السنة النبوية! ويستدلّون على ذلك بكلام العلماء بأنّه "أصحّ كتاب بعد كتاب الله"، ظانّين بأنّ هذه العبارة تعني أنّه مصدرٌ أساسيٌّ منفردٌ للدين، فإذا ضاع؛ ضاع معه شيءٌ من الدين! وهذا وهمٌ منهم، فالحقّ أنّ هذه العبارة هي مجرّد وصف علمي للكتاب؛ لأنّ البخاري كان أول من جرّد كتابا كاملا في الصحيح، فجعل كلّ ما فيه من الأحاديث المسندة صحيحًا بشروط صارمة تفوّق فيها على غيره من أصحاب كتب الحديث، مستبعدًا الروايات الضعيفة والمرسلة وما شاكلها، وليس أنّه جمع فيه كلّ الصحيح، ولا أنّ ما فيه من الأحاديث الصحيحة ليس موجودا في غيره فإذا شكّكنا فيه ألغينا الكثير من السنن! فهذا ما لم يزعمه البخاري ولا يقوله طُويلب علم في يومه الأول من دراسة الحديث، بل لا يقوله عاقل أخذ من وقته ربعَ ساعة فقط تصفّح فيها كتب الحديث!
ويكفي كبداية أن يطّلع القارئ على كتاب "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" (البخاري ومسلم) لمحمد فؤاد عبد الباقي؛ ليعلم أنّ الإمام مسلم اتفق مع الإمام البخاري في 1906 روايات (بما في ذلك الآثار)، فكيف إذا تصفّح المرء بقية كتب الحديث من مسانيد وجوامع وسنن وغيرها؟ سيجد أنّ ما في البخاري من أحاديث صحيحة قد شاع وفشا في غيره من الكتب، بل ومعظمها مع اختلاف في الأسانيد مما يزيد من موثوقية نقل الأحاديث.
الخلاصة
نستخلص من كلّ ما ذكرناه أنّ شبهة "أين النسخة الأصلية من صحيح البخاري" هي شبهة متهافتة لا يقول بها إلا من تميّز بالسطحية والضحالة الثقافية والجهل بالتراث الإسلامي. وإنّي لأحسُب أنّ انتشار مثل هذه الشبهة لهو خير دليل على الحالة الثقافية والفكرية المتردّية التي وصلتْ إليها أمتنا العربية والإسلامية، وإنّ مثل هذه العقليات السطحية لا يمكنها أن تنهض من التخلف الحضاري الذي يكتنف عالمنا العربي والإسلامي. والأنكى من ذلك أنّ من يردّد مثل هذه الشبهة المتهافتة يظنّ نفسه "عقلانيا" و"متنوّرا" وباحثا في التراث، وهذا من المفارقات المضحكة! فمثل هذا يحتاج أولا إلى محو أمّية في الحديث ومصنّفاته وعلومه، بل إلى إعادة دراسة أدوات البحث العلمي والتفكير المنطقي قبل أن يرّدد مثل هذا الكلام المخجِل!
(مصدر: "مدونات الجزيرة").


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.