هوية بريس – الجمعة 04 يوليوز 2014 منذ أكثر من عقدين يتكرر نفس المشهد في ألمانيا مع قدوم رمضان: نختلف في بدايته (كما حدث هذه السنة)، كما لا نتفق على نهايته؛ إلا في بعض الاستثناءات النادرة. وحتى هذه الاستثناءات لا تحصل عن قصد مسبق لتحقيق الوحدة بين المسلمين، وإنما تأتي لأن الآراء المختلفة تواعدت فيما بينها بقدر من الله تعالى، فيجتمع من يعتمد الرؤية ولا شيء غير الرؤية حتى لو خالفت علم الفلك القطعي، مع من يعتمد الحساب الفلكي في النفي، مع من يعتمد الحساب الفلكي دون الرؤية، يجتمع كل هؤلاء على موعد واحد للصيام وللإفطار دون تواعد فيما بينهم. وإن كان جيلنا قد "تعَوّد" لحد ما على هذا الاختلاف الذي أصبح ملازما لقدوم رمضان ولعيد الفطر ومنَغِّصا للفرحة بهما، فهناك فئات لازالت وستظل تعاني مع هذا المشكل: فهناك أبناؤنا الذين لا تستوعب عقولهم الصغيرة والبريئة هذا الاختلاف. فكيف ستشرح لتلميذ مغربي يحتفل بعيد الفطر يوم الأربعاء مثلا ويستأذن من معلمته الألمانية غير المسلمة أن يأخذ هذا اليوم عطلة، كيف ستشرح له أن زميله المسلم غير المغربي قد احتفل يوم الثلاثاء بالعيد! ودين الطفلين واحد ورمضان واحد! حقاً إنه منظر مثير للشفقة! وهناك أيضاً عامة المسلمين الذين لا يستطيعون الخوض في أدلة كل فريق والترجيح فيما بينها. يريدون فقط أن يكون صيامهم صحيحا. وهناك غير المسلمين الذين يسألون ويتساءلون ويستغربون حال هذه الأقلية المسلمة المختلفة حتى في الصيام! وبدل أن يكون حلول شهر رمضان مناسبة لتعريفهم بفضائل هذا الشهر الكريم، ينصرف الحديث كله حول كيف ولماذا يصوم "يِلْماز" التركي اليوم، في حين أن "حَدُّو" المغربي صام البارحة؟! فتضيع فرصة ذهبية تتاح كل سنة للتعريف بمزايا ديننا الحنيف. وفي نظري المتواضع فإن الوضع سيظل على هذا الحال المأساوي مادام كل فريق متشبثتا برأيه. ومخطئ من يظن أن الأمر سيُحسم بالجدال الفقهي! إذ لكل فريق أدلته التي يعتقد صحتها. وإني لأعجب للذين يريدون حسم مسألة فقهية اختُلِف فيها لمدة قرون، بدعوى اتباع الدليل! وكأن هذا الدليل لم يظهر طوال هذه المدة، إلى أن جاء هذا الزمن، فظهر لفريق دون فريق! إن الأمر في نظري المتواضع لن يُحسم إلا بالتوافق والتراضي على رأي فقهي -وقد يكون رأيا مرجوحا- يحقق أكبر قدر من الوحدة بين المسلمين. وهذا يقتضي ضمنا أن يعلن كل فريق استعداده المبدئي للتنازل عن رأيه الذي يعتقد جازما صحته والذي يعمل به لمدة سنين. وما العيب في ذلك، إن كان في سبيل وحدة المسلمين؟ إننا لسنا بصدد أصل من أصول الدين، من تنازل عنه خرج عن الملة! إنما هي أفهام لنصوص تتحدث عن كيفية تحديد أول وآخر شهر رمضان. ثم إن التنازل يكون لرأي آخر هو أيضاً من الدين ومن أجل مصلحة المسلمين . وللوصول لهاته النتيجة يجب على رؤساء ودعاة الهيئات الإسلامية فتح قنوات التواصل والحوار "المخنوقة" فيما بينهم دون شروط مسبقة. الشرط الوحيد المؤطر لهذا الحوار هو تحقيق وحدة المسلمين المقيمين في ألمانيا في الصيام والإفطار. ويجب على كل فريق أن ينخرط في هذا الحوار بهذه النية، لا بنية الانتصار لرأيه وحمل كل الفرق الأخرى عليه. فمن كان هذا مقصده فقد أفسد الحوار قبل بدايته ولا أظنه إلا أفسد عمله برمته، و"إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا". وعمليا لا يمكن في النهاية إلا أن نتوافق على رأي من الآراء المعتمدة بين المسلمين. لكن لا ينبغي أن يعتبر هذا انتصارا لفريق على آخر. المنتصر في نهاية المطاف هم المسلمون أنفسهم. هذا الرأي المتوافق عليه من طرف جميع هيئات المسلمين لا معنى له ولا أثر، إن لم يكن ملزما لجميع هاته الهيئات نفسها وإن لم يُفَعَّل في صفوف المسلمين. وهذا وجه آخر للمشكل! فإلى أي مدى تتمتع هذه الهيئات بمصداقية ولها تأثير على المسلمين من جهة، وإلى أي مدى المسلمون أنفسهم -خصوصا العرب منهم- منضبطون لقرارات هيئاتهم وسط هذا البحر المتلاطم من علماءِ ودعاةِ وفتاوى الفضائيات والإنترنت من جهة أخرى؟ وفي الأخير هناك معطى يجب أخذه بعين الاعتبار لإنجاح هذا الحوار وهو مرتبط بنوعية الأقلية المسلمة المقيمة في ألمانيا: فهذه الأقلية "يقودها" الأتراك الذين يفوق عددهم المليون ونصف المليون. وللأتراك حضور قوي بمراكزهم الإسلامية الكثيرة والمتنوعة والمنظمة. وأزعم أنهم أكثر انضباطا لقرارات هيئاتهم من العرب! يجب إشراك الإخوة الأتراك في هذه الخطوة لإنجاحها، رغم أنهم حسموا أمرهم باعتماد الحساب الفلكي. لكن أعتقد أن أي حوار بالشروط التي ذكرت آنفا سيعود بالخير على المسلمين المقيمين في ألمانيا وسيحقق وحدة الصيام المنشودة. والله أعلم!