دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو مؤسسة دستورية استشارية، إلى اعتماد قانون ضد كل أشكال الهدر التي تطال مختلف المنتجات والسلع والموارد، خصوصا المياه، والعمل على تشجيع الانتقال إلى الاقتصاد الدائري. جاء ذلك على لسان أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في لقاء تواصلي، اليوم الأربعاء، خصص لتقديم رأي استشاري حول "إدماج مبادئ الاقتصاد الدائري في مجال معالجة النفايات المنزلية والمياه العادمة". وقال الشامي إن "الاقتصاد الدائري يشكل نموذجا واعدا من شأنه المساهمة في تحقيق طموح مغرب مدمج اجتماعيا ومزدهر اقتصاديا ومستدام بيئيا من خلال إرساء التنمية المستدامة وخلق الثروات ومناصب الشغل". وأشار إلى أن "التطور الاقتصادي والاجتماعي في سائر أنحاء العالم يصاحبه ضغط متزايد على الموارد الطبيعية، والنموذج الحالي للإنتاج والاستهلاك، الذي يقوم على سلسلة الاستخراج والتصنيع والاستخدام ثم التخلص، له آثار ضارة وخطيرة على البيئة وجودة الحياة، وبالتالي استدامة النمو الاقتصادي". وفي نظر الشامي، فإن الاقتصاد الدائري يمثل منظومة بديلة للاقتصاد الخطي؛ بحيث يمكن من تصميم المنتجات والسلع بكيفية تسمح بإعادة استعمالها أو تصنيعها أو تدويرها أو استعادتها، ومن ثم المحافظة عليها في الاقتصاد والاستفادة منها لفترة أطول. واختار المجلس الاقتصادي قطاعي تدبير النفايات المنزلية ومعالجة المياه العادمة في رأيه الاستشاري، بالنظر إلى مخاطر التلوث المرتبطة بهما بسبب أنماط التدبير الحالي. وقدر البنك الدولي الكلفة الاقتصادية لتدهور وتلوث الموارد المائية في المغرب بحوالي 11,7 مليار درهم في سنة 2014، في حين تناهز كلفة الأضرار التي يلحقها تدبير النفايات بالبيئة حوالي 3,7 مليارات درهم، ويرجح أن يكون الوضع قد زاد تدهورا في السنوات الأخيرة، وفق رئيس المجلس الاقتصادي. جهود غير كافية في تحليله لهذا الموضوع، أشار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن المغرب اعتمد عددا من البرامج في مجال تدبير النفايات المنزلية مكنت من تحقيق تقدم ملحوظ، لكنه اعتبر أن "الجهود المبذولة تظل جد محدودة، لا سيما ما يتعلق بعدد المطارح والفرز الأولي للنفايات وعمليات إعادة التدوير والتثمين". وبالنسبة للتطهير السائل، فإن حجم المياه العادمة المعالجة يظل ضعيفا، ولا يرقى إلى الأهداف المحددة في الاستراتيجية الوطنية للماء التي تطمح لإعادة استخدام 350 مليون متر مكعب من المياه العادمة في أفق 2030. وحاليا لا يتجاوز حجم المياه العادمة المعالجة المستعملة 70 مليون متر مكعب سنويا، تستخدم 51 في المائة منها لسقي المساحات الخضراء و17 في المائة للصناعة، في حين تصل الإمكانية المتاحة في هذا الصدد إلى حوالي 700 مليون متر مكعب سنويا. ويعزى هذا الضعف في حجم المياه العادمة المعالجة، وفق أحمد رضا الشامي، إلى صعوبة التمويل التي يعاني منها قطاع التطهير وصعوبة توفير العقار، ناهيك عن غياب إطار قانوني وتنظيمي لاستخدام المياه العادمة ومعالجة الأوحال المتبقية وتفريغها. توصيات ومقترحات واقترح المجلس في هذا الصدد اعتماد استراتيجية وطنية للانتقال نحو الاقتصاد الدائري من خلال إعداد قانون إطار يتعلق بالاقتصاد الدائري وقانون ضد كل أشكال الهدر، وملاءمة المقتضيات القانونية الجاري بها العمل، وتسهيل الانتقال من الاقتصاد الخطي إلى الدائري. كما أوصى بإحداث هيئة للتنسيق على مستوى القطاع الحكومي المعني بالاستثمار والتقائية السياسات العمومية، مهمتها قيادة وتنسيق وتنزيل جميع المبادرات القطاعية والترابية من أجل الانتقال إلى الاقتصاد الدائري. وشدد المجلس أيضا على أهمية تسريع إرساء مبدأ المسؤولية الموسعة للمنتجين من خلال تفعيل مبدأ المُلوث-المُؤدي (Principe pollueur-payeur) على أرض الواقع، وتحميل المنتجين مسؤولية تنظيم وتمويل عملية جمع ومعالجة النفايات المترتبة عن أنشطتهم، ومنع أنواع الملوثات الخطيرة، وفرض ضرائب على أصناف أخرى غير قابلة للتدوير لجعلها أقل تنافسية للمنتجين. واقترح المجلس كذلك جعل دعم الدولة للمجالات الترابية والقطاعات مشروطا بانخراطها في الرفع من طموح النهوض بالاقتصاد الدائري. وبالنسبة للنفايات المنزلية، أورد المجلس الاقتصادي أن الواقع اليوم يفرض ضرورة مراجعة عقود التدبير المفوضة التي تجمع الجماعات والشركات الخاصة أو شركات التنمية المحلية، من أجل إدماج عنصر التثمين عوض تخزين وطمر وحرق النفايات. كما اقترح بالنسبة للمجالات الترابية إقرار أهداف تتعلق بتقليص تفريغ النفايات في المطارح على المدى المتوسط. وفيما يخص المياه العادمة، دعت المؤسسة الدستورية ذاتها، في رأيها الاستشاري، إلى مراجعة الخيارات الاستراتيجية التي تفضل الاستثمار في تعبئة الموارد المائية مثل السدود وتحلية مياه البحر، بإدراج خيارات أخرى مثل إعادة استعمال الماء أو تخزين مياه الأمطار. كما تضمنت التوصيات إدراج إعادة استعمال المياه العادمة ضمن المهام المستقبلية للشركات الجهوية متعددة الخدمات، مع ضرورة إدماجها في مخطط أعمالها منذ إنشائها. استعداد لتغيير الأنماط في إطار الرأي الاستشاري، أجرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي استشارة وطنية عبر منصته الرقمية "أشارك"، تفاعل معها 14 ألف مشارك، وأجاب حوالي 782 على الاستبيان. وقد بينت النتائج اهتماما كبيرا بالانتقال نحو الاقتصادي الدائري واستعدادا للانخراط في الأنشطة الكفيلة بتغيير نمط الاستهلاك الحالي. وفي رأي 94 في المائة من المشاركين في الاستشارة، فإن النفايات المنزلية تمثل موردا، يجب معالجتها وتثمينها من أجل فرص الشغل وخلق الثروات. أما بالنسبة لاستخدام المياه العادمة، فقد أيد 81 في المائة استخدام المياه المعالجة في سقي المساحات الخضراء وفي الصناعة، وعبر 45 في المائة عن استعدادهم لاستهلاك المنتجات الفلاحية المسقية بالمياه المعالجة، و22 في المائة مستعدون لشرب المياه المعالجة.