نمنح، نحن المغاربة، مادة خصبة لدارسي مختلف فروع العلوم الإنسانية، ومنها تحديدا، عِلْمَا الاجتماع والنفس، لعديد من الخصائص الفريدة، ولن يدعي كاتب هذه السطور أنه مُؤهل، من جهة التخصص العلمي، للوقوف عندها، غير أن أحد ملامحنا المجتمعية، يمنح الفرصة لمن ألقى البصر، ونزر من التأمل، ليقف عند تفاصيل غاية في الأهمية.. الملمح المقصود يأتي من أننا مجتمع يعيش أزمة عامة لا تني تشتد، ويجب أن يكون المرء فصاميا حقا ليدعي العكس. "" نحن مجتمع مأزوم، على أكثر من مستوى، ويكفي أن ننظر إلى بعضنا البعض، في صمت، لنفهم ذلك، على نحو مثير للألم، بالنسبة لمن ابتُلي بالتفكير في الشأن العام، وأسعفته قريحته الإدراكية، للتساؤل عن نهاية المطاف، الذي سنأول إليه نحن القطيع البشري المغربي "المُظفر". لا نُفَوت نحن المغاربة، فرصة، للنيل من بعضنا البعض، بكيل الشتيمة المُقذعة، وتوجيه أقبح الأوصاف، وذلك أضعف "الإيمان".. حيث تسمع، مثلا، من سيل السب وأحط الوصف: "المروك كحل الراس".. "ملقاك مع الروكان ولا الماروكان".. "المغربي كاموني حكو عاد يعطيك الريحة".. "شعب المرقة والحزقة والدوران فالزنقة"... إلخ إلخ. وأعتقد أنه ليس من شعب على وجه الأرض، يفوتنا دقة وذكاء، في "ابتكار" النعوت والأوصاف القدحية، في حق كينونتنا الجمعية كشعب.. غير أننا لا ننتبه في خضم ذلك، إلى حقيقة بديهية، تجعل "ذكاءنا" السلبي، منقلبا على رأسه، ومؤخرته صوب السماء، علامة على غباء منقطع النظير.. كيف ذلك؟ لا ننتبه نحن الشاتمون لفصيلتنا البشرية، في خضم تنكيلنا السادي، أننا نسب ذواتنا، ألسنا نحن الشاتمون، في بداية المطاف ونهايته مغاربة؟.. وليس خافيا، أن ذلك الجلد المرضي للذات، إنما هو واحد من أسفل درجات التحقير، وتبخيس الذات الفردية، قبل الجماعية.. وإذا أردنا البحث عن بعض أسباب ذلك، فسنجد أن أهمها واضح للعيان، لكن أغلب الناس لا يعقلون.. ومن كانت هذه صفته فإنه ينسلخ عن التصنيف العلمي-الأنتربولوجي، للكائن البشري الذي يعي واقعه، ويعمل على تغييره نحو الأفضل. ليلتحق بفصيلة بشرية دونية.. فالمجتمعات فئتان، واحدة تتجه وِجهة التاريخ، وهي معروفة.. إنها تلك التي تُنتج هذا الحاسوب الذي أرقن عليه هذه الكلمات، وتخترع وسائل الاتصال، الأكثر فأكثر سرعة ودقة، مثل شبكة الأترنيت، التي ستجعل هذا المقال، يتحول في ثوان معدودة، إلى ذرات إلكترونية متناهية في الدقة، ليعبر طرفا من هذا العالم ، ليصل إلى طرفه الآخر الأقصى، في رمشة عين. وهذا، كما تعلمون، غيض من فيض إنجازات عظيمة، تراكمت على مدى قرون مسار التقدم إلى الأمام، أما الفئة المُجتمعية الثانية، فهي التي ما زالت تغد الخطى، نحو الوجهة الخلفية للتاريخ، ولم تستطع التخلص بعد، من قيود المرحلة البدائية، لبني البشر، وإنتاج أنظمتها السياسية الحديثة، لتتمكن من عيش "اللحظة" وليس النوم في غياهب حقب التاريخ البشري المنسية. نتبختر، نحن بعض المغاربة، أمام بني جلدتنا المسحوقين اجتماعيا، لأننا استطعنا بضربة "حظ" أن نقطن في إقامات حديثة، ونركب سيارات أخرجناها للتو من المصنع، بالرغم من أن نسبة كبيرة منا، غارقون في "طريطات" لا تنتهي إلا لتبدأ، جاعلة منا عبيدا "بالفن" لشردمة من المستثمرين في السوق المغربية "الخام"... غير أننا أغلب، المُتبخترين على "الحازقين" منا، لا نؤدي ثمن "سانديك" الإقامة، في عملية تملص وضيعة من أداء ثمن خدمة السكن المُشترك، لذا تتحول أدراج أغلب الإقامات الحديثة البناء، بعد بضعة أشهر، من تعميرها من طرف رهطنا المُتبختر "عل الخوا"، إلى فضاء يرتع فيه الذباب والقاذورات. أتعرفون لماذا؟ لأن "بوزرويطة" لا يأتي آخر كل شهر لاستخلاص واجب الحفاظ على السكن الاجتماعي. إنه واحد من الأمثلة البسيطة، على العجزالمُجتمعي في المغرب، عن تدبير أمور الحياة الجماعية، ولتذهب بعد ذلك لتتساءل، عن فشل الأحزاب السياسية، والنقابات والجمعيات... إلخ، أليس الأمر عائدا إلى الفشل "الأصلي" لدى الكائن المغربي، في العيش بتحضر وسط المجموع؟ المُجتمعات البدائية، العاجزة عن تنظيم شؤونها الصغيرة والكبيرة، كانت دائما في حاجة إلى من يقودها بالقوة، وإذا "افقدت" اليد الصلبة، فإنها تتحول إلى قطعان تائهة، تبحث عن قبضة أخرى حديدية ل "تستكين". لقد اغتنم كل أولئك الذين قادوا القطيع البشري المغربي، الفرصة لتفئيره - من الفأر - بتعبير بليغ للمثقف السوري عبد الرزاق عيد، واكتسب القطيع، مع الوقت، كما هو الشأن بالنسبة ل "تجمعات" القطعان العمياء، صفات الحفاظ على التخلف، والمراوحة، والدفاع عن موقع الذيلية، بالغالي والنفيس، وبالتالي هذا التيه الأبدي عن طريق التقدم والتطور. تاريخ بعض المجتمعات التي قطعت بنجاح، الصحراء القاحلة، التي تفصل المرحلة البدائية العشوائية، عن التنظيمية الحديثة، يمنح أكثر من دليل، على أن التقدم معركة شرسة لا تربحها الشعوب، التي تقضي سحابات أيامها، في كيل السب والشتم لعرقها وملتها. والمصيبة أنها تفصل، في خضم جنون الإساءة البذيئة، الذات عن الجمع، وهي غيبوبة من درجة خطيرة، لا تنفع معها كل سبل الإنعاش. [email protected]