نزل فجأة، وفد على مستوى عال من الخبرة العَملية والعلمية، من العاصمة الاقتصادية للبلاد، إلى مدينة أكَادير خلال أحد الأيام القليلة الماضية، وكانت المُهمة غاية في الدقة والسرية، تمثلت في رصد حركة الرياح بطرق تقنية مُتطورة.. لا تنزعجوا من فضلكم، فالأمر لا يتعلق باكتشاف أحد الأعاصير الخطيرة، شأن ذاك الذي عاث تخريبا، وتقتيلا في عشرات المئات من الأمريكيين، وسُمي بإعصار كاترينا، كما أنه لا يتعلق بمقدم أيام شديدة الإمطار، وبالتالي، فيضانات عاتية، لا تبقي ولا تدر، كتلك التي اجتاحت مُؤخرا مُدنا وقرى مغربية، شمالا وجنوبا، كلا ثم كلا، فلا هذا ولا ذاك، حفظكم الله، وباقي العالمين، إلى يوم الدين "القضية وما فيها" أن الفريق المهني، العلمي، حط الرحال، على عجل، كما أسلفنا، بالحاضرة السوسية، ليُحدد اتجاه الرياح، بين مسافة ضيقة لا تتعدى بضع كيلومترات، هي بالتحديد، التي تفصل معمل الإسمنت بالمدينة الجميلة المذكورة، عن أحد القصور الفخمة، في ملكية وزير الدفاع السعودي، والمهمة السرية للغاية، لفريق المحطة الوطنية للأرصاد الجوية، هي معرفة ما إذا كانت وجهة الريح تيمم شطر القصر إياه. وكان من سوء حظ صاحب المصنع، وعماله، ومُستهلكي "الخناشي ديال السيما" أن النتيجة كانت "إيجابية" أي أن الرياح اختارت أن تتجه عكس المطلوب، وبالتالي صدور هذا القرار الباتر: إقفال المصنع توا.. والذي حدث عقب ذلك، يمكن أن تتصوروه دون عناء، ومنه عشرات المئات من العمال، توقفوا عن إنتاج، مادة صناعية أساسية، تُعتبر واحدة من بين الأكثر استهلاكا، في بلد مثل المغرب، فضلا عن أن مدينة أكَادير تشهد نشاطا عقاريا محموما، خلال هذه الآونة، وبالتالي فإن القرار الباتر المذكور، أدى أوتوماتيكيا، إلى توقف أشغال بناء، كانت قائمة على قدم وساق، هكذا يُمكننا أن نتصور حجم "موت الحركة" في مدينة "الفقيه المختار السوسي" و "فاطمة تيحيحيت".. كل ذلك لأن وزير الدفاع السعودي لا يُمكن أن يُقيم في قصره بينما "قد" تحمل إليه الرياح، رائحة صناعة الإسمنت، وبالمناسبة فإن الطقس في الحاضرة السوسية، ليس متطرفا، في هذه الأيام، كما قد يتبادر للذهن، فالأكَاديريون والأكَاديريات، يرتدون "التيشيرتات" ويتمشون حتى ساعة متأخرة من الليل، جيئة وذهابا، على نحو دؤوب، كأنهم في الصفا والمروى، إن ذلك لم يمنع الوزير الكبير، سليل آل سعود، من اتخاذ جانب الحيطة والحذر، فمن يدري؟ ف "قد" تتسلل نسمة ريح طائشة، تفيض عن "حاجة" العمال من نصيبهم اليومي المُلوث لرئاتهم، وتسميم باقي أعضاء أبدانهم، ثم تقطع المسافة الكيلوميترية القصيرة، بين المصنع والقصر الفخم، وتستقر في خياشيم الشخصية المُهمة التي تعرفون، فيحدث ما لا تُحمد عُقباه، كأن يتسبب ذلك، مثلا، في لجوء الرياض إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية بالرباط.. "أوهنا غادي تحماض القضية".. فأنتم تعرفون حجم "إسهام" الأشقاء السعوديين في "الرواج الاقتصادي" ببلادنا، حيث من شأن نسمة الريح، المُغشوشة برائحة الاسمنت، أن تجعل واحدة من أهم "ثرواتنا الخام غير الخشنة" تعرف بوارا وكسادا، أشبه بالعاصفة المالية العالمية الحالية.. لذا وَجَبَ أن نحمد الله كثيرا، ونشكر المسؤولين المغاربة على يقظتهم، ودقة عنايتهم، بتوقع الشر المستطير، قبل حدوثه. مما جعل جرتنا تسلم من تكسير خطير. ""