مع مرور الذكرى الثالثة للثورة التونسية التي انطلقت شرارتها من مدينة "سيدي بوزيد" (وسط غرب البلاد) في مثل هذا اليوم من ال17 من ديسمبر عام 2011، يتذمر أهالي المدينة من "استمرار تردي الأوضاع الاجتماعية، وغياب التنمية، وفرص الشغل، فضلاً عن تعثر المشهد السياسي الذي تشهده البلاد". ويعبّر كثير من الأهالي عن "سخطهم من تأخر تحقيق أهداف الثورة المتمثّلة أساساً في الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن "عجز خمس حكومات متتالية منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 من يناير 2011 في الاستجابة لمطالب التنمية، واستقطاب الاستثمارات، وتوفير الخدمات العامّة". وعلى عكس العامين الماضيين، يلاحظ في الشارع التونسي، عزوف الأهالي عن الاهتمام الكبير باحتفالات العيد الثالث لثورتهم، وإحياء ما ما يسمونه "الزلزال الشعبي السلمي" الذي عصف بعرش بن علي وعدد من زعماء المنطقة (مصر وليبيا واليمن). وقد يعود هذا العزوف أساساً إلى حالة من الاستياء العام التي باتت تميّز الشارع التونسي عموماً من مآلات الوضع السياسي، وتعقّد العملية السياسية، إلى جانب "الإرهاق الاجتماعي" لدى التونسيين بعد ثلاث أعوام من المسيرات، والاحتجاجات والمظاهرات، والتجاذبات السياسية والفكرية اللامتناهية، ما دفع بالكثير منهم إلى العزوف عن مواكبة متغيّرات المسار الثوري في أبعاده المختلفة، والذي حتماً سيحتاج إلى سنوات عدّة قادمة حتى تتجلّى نتائجه وتثبت معه أركان الدولة، بحسب مراقبين. "سيدي بوزيد"، والتي تمثل عاصمة محافظة سيدي بوزيد، كانت قبل انطلاق الثورة، مدينة "منسية"، شأنها شأن الكثير من المدن التونسية التي تجاهلتها عن قصد وعن غير قصد برامج التنمية في زمن الأنظمة السابقة لاعتبارات سياسية وجهوية تجسّدت أساساً في انحسار ثلاثي الثروة والسلطة والجاه لدى السكّان الأصليين للعاصمة تونس، وسكّان المناطق الساحلية دون غيرهم من باقي مدن البلاد. اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام على "ثورة الحريّة والكرامة" التي أشعل لأجلها الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه، احتجاجاً على سوء الأوضاع الاجتماعية، يأمل الأهالي في سيدي بوزيد أن يكون لمدينتهم "شأن ليس فقط في مخططات برامج التنمية، وإنّما على الخارطة السياسية للعالم كمدينة عالمية، مهدّت عبر ثورة مفاجئة، لمسار جارف نحو تغيير جذري في سياسات المنطقة والعالم". وتعود نشأة مدينة سيدي بوزيد إلى بدايات القرن المنقضي (عام 1901 )، بالقرب من سفح جبل "الكبار" الواقع في المحافظة. وتعتبر المحافظة بوابة تربط بين شمال وجنوب البلاد، وخاصة الجنوب الغربي والشمال الشرقي، حيث تبعد عن مدينة صفاقس ب 135 كم ،وعن القصرين 67 كم، وعن قفصة 100 كم، وعن القيروان 135 كم، كما تفصلها عن تونس العاصمة 260 كم. وتمتدّ المحافظة على مساحة إجمالية تقدّر ب 7405 كم2،ويقطنها حوالي420 ألف نسمة، يتوزعون على 12 منطقة، يقطن ثلاثة أربعهم بالمناطق الريفية ( السبّالة ، بوزيد الغربية، اولاد حفوز، رقاب، المكناسي، مزونة، منزل بوزيان، سيدي علي بن عون، بئر الحفي، بوزيد الشرقية، جلمة، سوق الجديد ). ويعيش غالبية سكّان المحافظة من الأنشطة الفلاحية، التي تغطّي 49.1% من مجموع نسبة العاملين بالمنطقة، فيما يوفّر قطاع الصناعة 18.04 % من نسبة مواطن الشغل ( 3.9% صناعات معلمية و 14.5 % صناعات غير معملية)، بينما يوفّر قطاع الخدمات نسبة 32.5% من مجموع الناشطين. وتمتدّ الأراضي الفلاحية في المحافظة على مساحة 693 ألف هكتار تستغل غالبتها في غراسة الأشجار المثمرة، وإنتاج الأعلاف، فيما تضمّ حوالي 40 مؤسسة صناعية. وتراجعت نسبة البطالة خلال العام الجاري حسب أحدث الإحصائيات الرسمية إلى حدود 24.4 % بعد أن كانت العام الماضي في حدود 29.4 %، وذلك نتيجة الانطلاق في استغلال عدد من المشاريع التنموية بعد الثورة. من جهته، يقول محافظ سيدي بوزيد عمار خبابي، إن نسبة تقدّم إنجاز المشاريع التنموية المبرمجة بالمدينة بلغت 55% مع العام الثالث للثورة. وأضاف خبابي في لقاء مع وكالة الأناضول بمناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة التونسية، أنه "تمّ تخصيص منذ بداية الثورة 962 مشروعاً تنموياً في مختلف القطاعات بمحافظة سيدي بوزيد، بمقدار إجمالي قدّر ب715 مليون دينار تونسي (حوالي 430 مليون دولار). وفيما يتعلّق بالموارد المائية تضمّ المحافظة 37 بحيرة جبلية، ويقع استغلال حوالي 60 مليون متر مكعب سنوياً من مياه السيلان والتي يقع تخصيصها أساسا للريّ والأنشطة الفلاحية. كما تضم المحافظة حوالي 11400 بئر سطحية، و761 بئر عميقة. ومن المقرر أن تشهد المنطقة مع نهاية العام المقبل الانتهاء من الإنجاز الكلّي ل962 مشروعاً تنموياً بمقدار إجمالي قدّر ب715 مليون دينار تونسي (حوالي 430 مليون دولار)، كانت قد أقرتها الحكومات المتعاقبة على القصبة ما بعد الثورة لفائد الجهة، وتستهدف هذه المشاريع تطوير البنية التحتية أساسا عبر مد شبكة من الطرقات بلغت حوالي 1000 كم (نهاية العام الجاري)، وانجاز عدد من القناطر للربط بين مختلف المحليات بغية تهيئة مناخ ملائم للاستثمار المحلّي والأجنبي. كما تم إلى حدود نهاية العام الجاري بحسب الأرقام الرسمية إنجاز 7 مدارس إبتدائية، و3 معاهد ثانوية ومعهد نموذجي، ومبيت (سكن) طلابي، واستحداث كليّة علوم بدأت في استقبال الطلبة للعام الثاني على التوالي. أما على مستوى التهيئة الصحية ، فقد عرفت سيدي بوزيد، بعد الثورة تأسيس 3 أقسام جامعية بالمستشفى الرئيسي للمحافظة شملت أمراض القلب، والعيون، وجراحة العظام ، كما تم بناء قاعة للعمليات الجراحية بتكلفة 300 ألف دينار (حوالي 179 ألف دولار) ومن المقرر أن يستفيد سكان المحافظة انطلاقاً من العام الجديد، من مشاريع وصفت بالكبرى تتمثل في معمل لانتاج الحليب ومشتقاته، ومصنعين للآجر(الطوب) بمحليّة منزل بوزيان ، كما تم تأسيس شركة لاستخراج الفوسفات من جبل المكناسي بالجهة، إلى جانب مصنع لإنتاج الإسمنت بمحليّة مزونة. وتقدّر الطاقة التشغيلية لهذه المشاريع الخمسة بحولي 1500 عامل . وعلى الرغم من هذا التقدّم في إنجاز المشاريع فإن درجة الاحتقان الشعبي ما زالت مرتفعة، نتيجة استمرار ارتفاع معدّلات البطالة لذي بلغ (24 %)، وغلاء الأسعار، وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن. على الصعيد السياسي تشهد الخارطة السياسية للمنطقة تنافساً بين الإسلاميين والقوميين مع وجود ضعيف للقوى اليسارية والشيوعية . وحصد تيّار العريضة الشعبية لصاحبه الهاشمي الحامدي ( قيادي سابق في حركة النهضة ) في انتخابات المجلس التأسيسي قبل عامين، على ثلاث مقاعد من أصل ثمانية مقاعد مخصصة للمحافظة، وحلّت حركة النهضة في المركز الثاني بمقعدين، فيما حصلت حركة "الشعب" (قومي )على مقعد واحد فاز به النائب المعارض المغتال محمد البراهمي، فيما حصلت حركة "الديمقراطيون الاشتراكيون" على مقعد وقائمة "المستقل" على مقعد واحد. كما تعرف المحافظة تواجداً مكثفا للتيار السلفي، حيث تعتبر منطقة سيدي علي بن العون بالمحافظة، المعقل الرئيس للتيّار السلفي الجهادي حيث يقطن الرجل الأوّل للتيارات الجهادية في تونس " الشيخ الخطيب الإدريسي". وشهدت نسبة الاحتجاجات والاضرابات العامّة انخفاظاً كبيراً طيلة الأشهر الماضية، وذلك مقارنة بالحراك الثوري المستمر الذي عرفته المنطقة منذ 17 ديسمبر/كانون أول 2010 والذي أدّى إلى حرق مؤسسات السلطة المحليّة، ومقرّات الأحزاب (خاصة حركة النهضة ) في أكثر من مناسبة إلى جانب تنفيذ إضرابات عامّة ومسيرات احتجاجية . وشهدت المحافظة منذ أواخر 2010 وحتى اليوم 10 محافظين نتيجة الاضطرابات الإجتماعية. * وكالة أنباء الأناضول