كشف مصدر أمني يعمل في الحرس المكلف بحماية القصر الرئاسي في ضاحية قرطاج عن أن السلطات التونسية سعت في الأيام القليلة الماضية بكل ما في وسعها لعدم إطلاع التونسيين على جملة من الحقائق يمكن ان تساعد الرأي العام على فهم الكثير من الغموض الذي يحيط بمنفذي الهجمات وتأكيد حقيقة العلاقة بينهم وبين حركة النهضة أو نفيها. وقال المصدر الأمني الذي رفض الكشف عن اسمه إنه شارك الثلاثاء في ضاحية الكرم شمال تونس العاصمة، في عملية دفن جماعي سرية لستة من بين تسعة قتلى متشددين قضوا في ملاحقات أمنية جرت في منطقة قبلاط بمحافظة باجة بعد إقدامهم على قتلي عوني حرس وجرح ثالث كانوا يريدون الدخول إلى منزل تسوغته المجموعة الإرهابية للاطلاع على ما يحصل داخله. وقال إن بقية القتلى توزعوا على مناطق أخرى في تونس بينها محافظة جندوبة ومحافظة سيدي بوزيد، دون أن يكشف ما إذا كان هجوم سيدي علي بن عون بمحافظة سيدي بوزيد الذي أسفر الأربعاء على مقتل ستة أمنيين وحرج سابع كان في سياق الانتقام لمقتل اتباعهم في قبلاط الخميس الماضي. وتعرف ضاحية الكرم بأنها معقل للمتشددين الإسلاميين، ولواحدة مما يعرف برابطات حماية الثورة الأكثر إثارة للجدل بين مثيلاتها في تونس والتي يهمن عليها ناشطون سلفيون. كما ينتمي الى هذه الضاحية اثنين من ابرز المتهمين في مقتل القيادي المعارض الراحل شكري بلعيد. ويتهم معارضون وناشطون حقوقيون وفنانون تونسيون الرابطات بأنها مليشيات تابعة لحركة النهضة لتهديد الخصوم رغم حرص المشرفين على هذه الرابطات وقيادات النهضة على التمايز والادعاء بأن لا علاقة للطرفين بعضهما ببعض. وقال المصدر الامني إن وزارة الداخلية عممت الأربعاء بيانا سريا لأعوان الأمن بمختلف أسلاكهم بألا يرتدوا أزياءهم الرسمية خارج أوقات العمل مؤكدة أن "من يفعل ذلك عليه ان يتحمل نتيجة أية اعتداء يحصل له". وجاء الإجراء ردا على التطورات الأمنية الحاصلة في سيدي علي بن عون بمحافظة سيدي بوزيد ومدينة منزل بورقيبة بمحافظة بنزرت. وأعلن محمد علي العروي الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية الخميس عثور قوات الامن على سيارة مفخخة "جاهزة للتفجير" في بلدة سيدي علي بن عون من ولاية سيدي بوزيد (وسط غرب)، حيث قتل مسلحون الاربعاء ستة عناصر من الحرس الوطني (الدرك). والخميس بدت مظاهر الاستنفار الأمني في تونس الخميس في أوجها، بعد يوم دام سقط فيه سبعة أمنيين في المواجهات المفتوحة بينهم وبين مجموعات متفرقة من المتشددين الإرهابيين من شمال البلاد إلى جنوبها. وأمام سفارة قطر بتونس العاصمة، كان الجيش التونسي يقوم منذ الصباح الباكر بتحصين مقر جنوده الذين يشرفون على حراسة السفارة، بأكياس صغيرة من الرمل ضد اي هجوم مفاجئ على الموقع المفتوح على شوارع عديدة تتميز بكثافة الحركة المرورية فيها. ويأتي هذا الاستنفار الأمني بينما تواجه حكومة القيادي في حزب النهضة الإسلامي علي العريض المؤقتة اتهامات متجددة بأنها تعمل بكل ما أوتيت من جهد لإخفاء حقيقة الوضع الأمني في البلاد عن المواطنين وعن وسائل الإعلام. وقال محمد علي العروي "تم حجز اسلحة ومتفجرات، وكمية من مادة 'تي إن تي' وحزامين ناسفين، وسيارة مفخخة فيها ثلاث اسطوانات جاهزة للتفجير" في منزل تحصن داخله مسلحون قتلوا الاربعاء 6 من عناصر الدرك واصابوا 4 آخرين. ولفت الى ان "مجموعة سيدي علي بن عون" مرتبطة بمجموعة سلفية قتلت في 17 تشرين الاول/اكتوبر الحالي عنصرين من الدرك في كمين بمعتمدية قبلاط من ولاية باجة (شمال غرب). واوضح ان السيارة المفخخة التي تم العثور عليها في سيدي علي بن عون، هي ملك تونسي ملاحق يتحدر من قبلاط. وقال مصدر أمني في سيدي بوزيد ان فرق الهندسة العسكرية قامت بتفجير السيارة لأنها كانت مفخخة "بطريقة معقدة جدا" وأن سكانا يقطنون على بعد كيلومتر واحد من مكان التفجير شعروا به. وأضاف ان قوات الامن عثرت على 450 كيلوغراما من مادة "تي إن تي" المتفجرة مخبأة في نفق حفره المسلحون داخل المنزل، وعلى خارطة لمراكز امن في سيدي بوزيد كان المسلحون ينوون استهدافها. وتابع ان قياديي جماعات سلفية جهادية عقدوا الجمعة والأحد اجتماعين "سريين" في بلدتي سيدي علي بن عون وبئر الحفي من ولاية سيدي بوزيد. وتعتبر بلدة سيدي علي بن عون معقلا للتيار السلفي الجهادي في تونس. ويقيم في هذه البلدة "الشيخ الخطيب الادريسي" وهو أحد الزعماء البارزين للتيار السلفي في تونس. والخميس، أيضا اطلقت الشرطة التونسية قنابل الغاز لتفريق محتجين غاضبين هاجموا مقر محافظة الكاف شمالي العاصمة تونس احتجاجا على مقتل سبعة من رجال الامن في اشتباكات مسلحة مع اسلاميين الاربعاء. وجرت الاشتباكات في الكاف بعد تشييع الآلاف لجنازة أحد رجال الامن الذين قتلوا الاربعاء. وهاجم المحتجون مقر المحافظة وكسروا نوافذ وابواب المقر بينما اطلقت الشرطة قنابل الغاز لتفريقهم وابعادهم. وفي وقت سابق من نفس اليوم أتلف محتجون في الكاف اثاث ومحتويات مقر حركة النهضة التي تقود الاتئلاف الحاكم في مشهد يعبر عن استمرار التوتر في تونس التي تكافح للخروج من ازمتها السياسية. وشهد الأربعاء بعضا من أسوأ أحداث العنف منذ الانتفاضة التونسية عام 2011 وألقى هذا بظلاله على بدء مفاوضات بين الحكومة التي يهيمن عليها الإسلاميون وبين المعارضة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد. وقال محمد علي العروي المتحدث باسم وزارة الداخلية للتلفزيون الرسمي إن قوات الشرطة كانت تنفذ حملة حين فتح "الإرهابيون" النار عليها. وأضاف أن ستة من أفراد قوات الأمن لقوا حتفهم وأصيب أربعة وأن أحد المسلحين قتل. وقالت وزارة الداخلية إن شرطيا اخر قتل في اشتباك منفصل مع مسلحين في مدينة منزل بورقيبة إلى الشمال من مدينة تونس. لكن المصدر الأمني قال إن ثلاثة من الأمنيين الستة الذين قتلوا في سيدي بوزيد وقعوا في كمين لمجموعة من الإرهابيين بينما كانوا يقومون بدورية روتينية على تخوم مدينة سيدي علي بن عون، بينما قتل الثلاثة الآخرين اثناء ملاحقتهم لمجموعة الإرهابيين الذين فروا مباشرة بعد مهاجمة سيارة الأمن. واضاف محدثنا أن تعليمات الوزارة للأعوان بالامتناع عن ارتداء أزياء الشغل الرسمية جاءت بعد التأكد من أن الإرهابيين أحكموا تموقعاتهم في جميع الجهات التونسية من الشمال إلى الجنوب وفقا لمخطط معقد مبني على تركيز الهجمات في مرحلة أولى على قوات الأمن لهرسلتها وإضعاف دورها في حماية الأمن حتى يضطروا السلطات الحاكمة إلى الاستنجاد بالقوات العسكرية واستدراجها للعودة من اجل القيام بالمهام الأمنية الداخلية ما يضعف آليا درجة الرقابة على حدود تونس مع الجزائر ومع ليبيا. وذلك حتى يتمكن الجهاديون من دول مختلفة من دخول التراب التونسي لدعم "إخوتهم المجاهدين في تونس" بشكل اكثر سهولة وبكل ما يملكونه من اسلحة. وتقول حكومة النهضة إنه لا يجب إطلاع التونسيين على الكثير من المعطيات المتعلقة بالإرهاب متعللة بذريعة الحفاظ على سرية التحقيقات وبأن الإرهابيين يمكن أن يستفيدوا من اية معلومات مسربة، لكن بعض المراقبين يقولون إن حركة النهضة تخشى الإبلاغ عن كثير من المعلومات لأنها قد تثبت بشكل لا يرقى إليه شك مدى ضلوع عدد من منتسبيها في العمليات الإرهابية سواء بالمشاركة المباشرة فيها أو بتقديم الدعم اللوجستي للإرهابيين عبر إخبارهم اولا بأول بالتحركات الأمنية ضدهم ما مكن العديد من قيادات الإرهابيين من الهروب في اكثر من مناسبة. وأكد المصدر الأمني أن السلطات الأمنية التونسية تتكتم ايضا على تحقيقات تجريها مع شرطي تلميذ متربص بالمدرسة التونسية لتكوين إطارات الأمن والشرطة بصلامبو (مدينة/ضاحية شمال تونس العاصمة وهي جارة لضاحية الكرم) بشأن تهريبه لزعيم أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة سيف الله بن حسين المكنى ب"أبو عياض" خارج الأراضي التونسية وهو متنكرا في زي امرأة. وأضاف نفس المصدر أن السلطات الأمنية تتكتم كذلك عن تحقيقات تجريها مع أحد أعوان الأمن بنفس المدرسة الأمنية تم ضبطه وبحوزته خرائط لمواقع جميع المقرات والمراكز الأمنية والشرطة في البلاد التونسية.