فوز باراك أوباما في الرئاسيات الأمريكية لا يمكن أن يمر هكذا على البلدان الأوروبية، دون أن يبصم بفرادته في العالم الغربي على الرؤى المستقبلية في المفاهيم السياسية التي تحكم الديمقراطيات الداخلية.وصول رجل أسود من أصول افريقية إلى البيت الأبيض لم يكن من باب المستحيل،فغالبية الملاحظين الفرنسيين يثقون في عبقرية الولاياتالمتحدة وقوة منظومتها السياسية التي تعلمت مبكرا في جعل من التعدد العرقي ثراء لها،استثمر بشكل يضع مواطنيها مهما اختلفت أصولهم أمام حظوظ مشتركة في النجاح والتألق في هذا المجال أو ذاك. "" أوروبا تنبهر مرة أخرى بهذه القوة الأمريكية التي لا تعترف إلا بالكفاءة،وتخرج من عباءة الاختلافات الضيقة في شقها العرقي، وتميل أكثر إلى الأفكار والتصورات الخلاقة التي بإمكانها أن تفيد الولاياتالمتحدة في كسب رهانات جديدة.وإذا كان الناخب الأمريكي قد أخطأ الضربة باختياره لولايتين متتاليتين لقيادة هذا البلد جورج بوش بالنظر لحصيلته الكارثية، وماأفرزته من تداعيات على صورة أمريكا في العالم،ثم الوضع الاقتصادي في الداخل والخارج،فها هو اليوم يعطي درسا تاريخيا للجميع بما فيها الدول الأعرق في الديمقراطية. منذ انطلاق حملة الرئاسيات خفقت قلوب الفرنسيين لمرشح الديمقراطيين،واستطاع بمهارة الخطباء السياسيين المتمرسين أن يذوب مخاوف العديد منهم على غرار الناخبين الأمريكيين بخصوص ما تردد حول تجربته المحدودة في السياسة الخارجية بكونها لا تسمح له بقيادة بلد من حجم الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتفوق في تذويب هذه التوجسات بموجب حملة انتخابية حية قادها بدينامية غير عادية،كانت مسبوقة برحلات خارجية لها أهميتها لدى دبلوماسية البيت الأبيض،وتشكل مفاتيح السياسة الخارجية للبلد،من جملتها زيارة مجاملة قام بها إلى باريس،وقع من تحتها الرئيس الفرنسي بقولة ستظل للتاريخ،حملت بين طياتها نوعا من الدعم المعنوي للمرشح،عندما توجه إليه بالقول في مؤتمر صحفي،أنه بإمكان أن يحدث لتجربته السياسية،ما وقع لسيد الاليزي شخصيا،في إيحاء إلى كونه هو بدوره ينحدر من عائلة هنغارية مهاجرة،واحتضنته فرنسا إلى أن فتحت له يوما أبواب الاليزي. واعتبر وصول رجل أسود إلى الرئاسة في أقوى بلد غربي على أنه حدث تاريخي في فرنسا،وبدأت فعاليات سياسية والكثير من المهتمين للشأن السياسي الفرنسي،يلحون على طرح سؤال المشاركة السياسية للأقليات على ساحة النقاش لخدمة الديمقراطية وكسبها لبنة أخرى بهدف تحصينها من جهة وتمتينها أكثر.وأكد استطلاع للرأي نشر مع نهاية الأسبوع الأخير أن ثمانين في المائة من الفرنسيين مستعدين للتصويت لصالح لمرشح أسود للرئاسيات،إلا أن 47 في المائة منهم فقط يعتقدون أنه سيكون له حظوظ في الوصول إلى الاليزي. والجواب يكون أقل تحمسا لما يتعلق الأمر بالفرنسي من أصول مغاربية،حيث 58 في المائة فقط مستعدون للتصويت لمرشح محسوب على هذه الفئة،والنسبة تتدنى بشكل فاحش لتصل 25 في المائة ترى أنه من الممكن أن يكون لفرنسا يوما رئيسا "بور" أي بسحنة تحيل على أصوله المغاربية. ويعتقد المتتبعون أن نتائج الرئاسيات الأمريكية،سيكون لها تأثير في المستقبل على الاختيارات السياسية للناخبين الفرنسيين،ويمكن أن تشكل تحولا عام في البلدان الغربية في اتجاه تصالح حقيقي مع نفسها،سيؤدي إلى وضع كل مواطنيها مهما تنوعت أعراقهم أو دياناتهم على مسافة مشتركة من كل فرص النجاح والتألق. لم تبد الطبقة السياسية الفرنسية بعد استعدادا كافيا لفتح الطريق أمام الأقليات العرقية في الوصول إلى مراكز مهمة في دوائر الحكم.وإن كانت أصوات هذه الأقليات تذهب في مجملها إلى صناديق اليسار كلما دقت ساعة محطة سياسية ما،إلا أن "الرفاق" لا يتعاطون ايجابيا بالقدر الكافي مع هذه الكتلة الناخبة وهذا الجزء المهم الذي أصبح يشكل الهرم السكاني للفرنسيين،وبالتالي لم يسمح لها بإبراز طاقاتها ضمن صفوفهم أمام الفرنسيين،بخلاف اليمين الذي نجح في شخص الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي في ضم أسماء من قبيل رشيدة داتي وفضيلة اعمارة ثم راما إياد إلى حكومته كتعبير منه عن جدوى مشاركة الفرنسيين من أصول مغاربية أو إفريقية في القرار السياسي، موجها ضربة قاصية إلى اليسار الذي ظل ينظر (بضم الظاد) لهذا التوجه دون أن يكون عمليا كما حصل مع ساركوزي.