مهنيو قطاع النقل الطرقي للبضائع يرفضون مضامين مشروع مرسوم ولوج مهن النقل ومزاولتها    فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني .. وطهران تؤكد فقدان الاتصال    المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : احتفاء بالذكرى ال19 تحت شعار التعبئة والتوعية بالأهمية الحيوية للأيام الألف الأولى من حياة الطفل    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    شبيبة الأحرار تستنكر "التشويش" على الحكومة    الجيش الكونغولي يعلن إحباط "محاولة انقلاب"    الرياض وواشنطن تقتربان من توقيع "اتفاقيات استراتيجية" تمهد للتطبيع    ساكنة الناظور تستنكر إبادة الفلسطينيين في وقفة تضامنية    أخبار الساحة    ألف تذكرة لمشجعي بركان أمام الزمالك    المعرض الدولي للنشر والكتاب.. إبراز تجليات مساهمة رئاسة النيابة العامة في تعزيز جودة العدالة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تُبرز حضور الشباب المغربي في صلب أولوياتها    البطاقة البيضاء تحتفي بالإبداع السينمائي الشبابي خلال مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة    انفجارات السمارة.. أكاديمي يحمل المسؤولية للجزائر    باحثون مغاربة وأجانب يتخوفون من تأثير الذكاء الاصطناعي على الأدب والفن    بسبب الجفاف.. الجزائر تتجه لخطف المركز الثاني من المغرب    مجموعة «إمديازن» تعود لجمهورها بأغنية «إلى الجحيم يا حساد»    الإطار المرجعي للامتحانات يخلق الجدل ومطالب بحذف بعض الدروس    إحباط "محاولة انقلاب" في كينشاسا بحسب متحدث باسم الجيش الكونغولي    المالكي : السينما.. جسر تواصل ولغة عالمية تتسامى على الاختلافات    عطية الله: سقوط سوتشي "أمر مؤسف"    "لا داعي للمالديف".. مصممون سعوديون يعرضون أزياءهم على شواطئ المملكة    أيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني: تسليط الضوء على تحديات وفرص استعمالات الذكاء الاصطناعي في المرافق الأمنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    تصادم بين سيارتين يرسل 5 اشخاص الى مستعجلات طنجة    بعد إسبانيا.. مزارعون فرنسيون يعتدون على شاحنات مغربية محملة بالطماطم    موقع أمريكي يصنف طنجة وشفشاون ضمن أرخص الوجهات السياحية في إفريقيا    نجم المنتخب الوطني قريب من مجاورة حكيم زياش    أنشيلوتي يوضح موقفه من أزمة تشافي مع برشلونة    المغرب وفرنسا يعززان التعاون السينمائي باتفاق جديد    مهرجان "فيستي باز" ينتقد وسائل الإعلام الوطنية والقنوات الرسمية    بعد صفعة العزل.. بودريقة مطلوب في جامعة الكرة لهذا السبب    سائقون يتركون شاحنات مغربية مهجورة بإسبانيا بعد توقيعهم على عقود عمل مغرية    استعدادا لموسم الصيف.. حملة تستهدف تحرير كورنيش طنجة والشاطئ    بسبب أمطار شهر ماي.. فلاحون يتخوفون من تضرر المحاصيل الزراعية    مستشفى بغزة يعلن مقتل 20 شخصا في قصف إسرائيلي    مهرجان كناوة بالصويرة من المواعيد الموسيقية الأكثر ترقبا خلال 2024 (موقع أمريكي)    في سابقة بالسعودية.. تنظيم أول عرض أزياء لملابس السباحة    في ظرف يومين فقط.. عدد زوار الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير يبلُغ 770.000    بعد شجاره مع المدرب.. إشبيلية يزف خبرا سارا للنصيري    مواجهات مسلحة بين مغاربة وأفراد عصابة في إسبانيا    أفغانستان: مصرع 50 شخصا بسبب الفيضانات غرب البلد    أوسيك يهزم فيوري ويصبح بطل العالم بلا منازع في "نزال القرن"    لماذا النسيان مفيد؟    كمال عبد اللطيف: التحديث والحداثة ضرورة.. و"جميع الأمور نسبية"    ندوة علمية بمعرض الكتاب تناقش إكراهات وآفاق الشراكة بين الدولة والجمعيات    الزليج ليس مجرد صور.. ثقافة وصناعة وتنظيم "حنطة" وصُناع مَهَرة    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    الأمثال العامية بتطوان... (602)    أخنوش يقود الوفد المغربي بمنتدى الماء العالمي بإندونيسيا.. وجائزة الحسن الثاني تخطف الأنظار    هكذا يهدد المغرب هيمنة إسبانيا في هذا المجال    ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    الأمثال العامية بتطوان... (600)    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية المحلية من الافتراضي إلى الواقعي...
نشر في هسبريس يوم 23 - 02 - 2022


بدايات تشكل مجتمع مدني افتراضي بالمغرب
لا شك في أن قيم التضامن والتعاون والتكافل هي قيم راسخة في المجتمع المغربي، وتعتبر جزءا لا يتجزأ من هويته، ومن ثقافته وتقاليده، باستحضار الأدوار التي لعبتها مختلف التنظيمات الاجتماعية داخله منذ القدم، سواء من خلال المؤسسات التقليدية المتمثلة في الزوايا والجماعة والتويزة والرباطات والأوقاف، أو من خلال المؤسسات الحديثة المتمثلة في الجمعيات والمنظمات والتنسيقيات واللجان...أو من خلال ما استجد الآن وما سنتطرق له في هذه الدراسة بالكثير من التفصيل، والمتجلي في المبادرات التي تنطلق من العالم الافتراضي لتطبق في الميدان، والتي قد يكون من ورائها تنظيم محلي أو دولي أو مجرد فرد واحد يتمتع بالرأسمال الرمزي الذي يسمح لمبادرته بالنجاح.
من جهة أخرى، تعتبر تنظيمات المجتمع المدني أساسا تنظيمات تطوعية ينضم إليها الأفراد لتحقيق غاية تنموية أو تحصيل مكتسبات ثقافية أو إشباع حاجة اجتماعية، تبدأ من المصالح المادية أو المهنية انتهاء بالرغبة في الانتماء وفرض الوجود وتحقيق الذات.
وفي هذا السياق يرى محمد عابد الجابري أن المجتمع المدني يرتبط بتصفية مجتمع القبيلة، ومجتمع الحزب الرائد القائد، وبالتالي لابد من فسح المجال لقيام مجتمع المؤسسات القائمة على التعبير الديمقراطي الحر. لذلك، فإن ميزة تنظيمات المجتمع المدني أنها لا تخضع للمساحات المكانية، ولها الإمكانية للقفز على المجال، ونستحضر هنا وفي باب المبادرات التي انطلقت أول الأمر عن بعد، أو من العالم الافتراضي ووجدت صدى لها في الميدان، الشعارات والمطالب التي رفعتها حركة 20 فبراير عبر مختلف الوسائط الاجتماعية بالتزامن مع ما عرف بموجة "الربيع الديمقراطي"، والتي ترجمت إلى حركات احتجاجية ميدانية، تجلت في خروج عشرات الآلاف من الشباب في يوم 20 فبراير 2011 في 54 مدينة مغربية استجابة للنداءات التي أطلقت عبر العالم الافتراضي.
هذه الاحتجاجات التي أسفرت فيما بعد عن استجابة سريعة لملك البلاد، نتج عنها الإعلان عن تبني دستور جديد والقيام بانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وتشكيل حكومة جديدة على إثر نتائجها، وإقرار مجموعة من السياسات العمومية التي ابتغت إحداث تأثير وتغيير إيجابي وسريع على وثيرة التنمية الشاملة للبلد.
نلاحظ إذن أن مجال المبادرة المدنية (بصفة عامة) في المغرب قفز من المجال الميداني الذي كان يحتويها بشكل حصري إلى المجال الافتراضي أيضا. علما أن المبادرات التعبوية الناجحة التي أطلقت أول الأمر عن بعد أو عبر واسطة إعلامية في المغرب الحديث لها جذور تاريخية ضاربة في القدم. كما أن الفعل التطوعي والتضامني فعل راسخ في تقاليد وأعراف المجتمع المغربي منذ زمن طويل جدا.
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء، بالوصف والدراسة والتحليل، على نماذج تنموية إبداعية فريدة، انطلقت من مجرد أفكار على شبكات التواصل الاجتماعي لتجد صداها عند جمهور كبير من المتلقين، بشكل تحولت معه الفكرة التنموية من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، لتترجم إلى مبادرات حقيقية ووقائع تنموية أثرت بشكل مباشر على أفراد محددين (المستهدفين من المبادرة التنموية)، وبشكل غير مباشر على جمهور عريض من الذين شملتهم آثار الفعل التنموي، بالإضافة إلى ردود الفعل الكثيرة التي خلفتها هذه المبادرات لدى شريحة واسعة من المتتبعين.
ولا بد لنا ونحن نغوص في صلب هذا الموضوع، أن نتردد على حقول معرفية عدة، بالعبور الموجز عليها حينا، وبالاستفاضة فيها حينا آخر، وخصوصا على ثلاث حقول نراها أساسية لفهم العلاقات المتشابكة بين المجتمع المدني الافتراضي والمجتمع المدني الواقعي من جهة، ومن جهة ثانية بين المجتمع المدني الافتراضي والتنمية المحلية. وهذه الحقول هي:
حقل التنمية، بأوجهها التي تستهدف تنمية الفرد والجماعة، من خلال قيم التطوع والتضامن والتعاون.
حقل المبادرات التي تنطلق عن بعد أو عبر واسطة افتراضية بالمغرب الحديث.
حقل التنظيمات والشخصيات القيادية.
التطوع والتضامن في خدمة التنمية المحلية والتنمية النوعية.
عرف المجتمع المغربي كما ذكرت سابقا بقيم الخير والعطاء والتآزر، والتعاون والمساهمة الجماعية من أجل التنمية المحلية والنوعية، فمجموعة من أوقاف المغرب التي أرساها الأجداد لا زالت إلى يومنا هذا قائمة بكل من القدس ومكة والمدينة وإسطنبول باسم المغاربة، كما أن العمل الإنساني والاجتماعي ترسخ بشكل كبير عبر التاريخ في مجموعة من المدن والقرى العريقة، من قبيل فاس ومكناس وطنجة وتطوان والرباط ومراكش وتارودانت، إلى درجة أن فاس مثلا سبق أن شهدت أوقافا خصصت للحيوانات، مثل الحمير التي أصبحت عاجزة عن أداء مهامها، أو اللقلاق الذي أصيب جناحه، والذي يطبب على حساب وقف المغاربة، كما خصصت أوقاف معينة لتزويج العميان والتكفل بهم اجتماعيا.
وفي مراكش، لا زالت هناك مجموعة أوقاف تعرف باسم أبي العباس السبتي، وهي أوقاف مخصصة لدعم الفقراء، كما سبق للسبتي أن أسس مستشفى مجانيا، يتضمن مختلف التخصصات الطبية بالإضافة الى صنع وتوزيع الأدوية مجانا على المحتاجين.
إن قيمة التطوع قيمة مغربية بامتياز، إذ عرف المغاربة بالتضامن مع بعضهم البعض، كما عرفوا بالتطوع خدمة للغير، ويذكر المغرب الحديث كيف ساهم آلاف الشباب تطوعا في بناء سد الوحدة بتاونات بإشراف من القائد السياسي المهدي بنبركة بغية الربط بين شمال المغرب وجنوبه مباشرة بعد الاستقلال، كما تشهد القرى المغربية إلى حدود اليوم أنماطا متعددة من تطوع سكانها خدمة للفقيه وللمعلم وللمحتاج وللمريض وللزائر. بل هناك منهم من يخصص مقدارا سنويا من راتبه لقضاء حاجة الآخرين أو للمساهمة في النهوض بأوضاع قريته أو محيطه. ولعل التنامي الكبير للجمعيات التنموية والتعاونيات لخير دليل على مقدار ترسخ قيم التضامن والتعاون والتطوع لدى المغاربة، مما ينعكس إيجابا بطبيعة الحال على التنمية المحلية والجماعية.
ولأن هذه الدراسة تركز على الفعل التنموي الذي تنطلق فكرته عن بعد أو من خلال العالم الافتراضي، فما هي الجذور التاريخية لمثل الأفكار والمبادرات بالمغرب الحديث؟
نماذج من المبادرات التعبوية التي أطلقت عن بعد في المغرب الحديث.
المبادرات التي تنطلق من مصدر واحد وتنتشر وسط الجموع ليست بجديدة على المجتمع المغربي بتاتا، وحتى لا نرجع إلا الدعوات النبوية، أو تلك التي قام بها من كانوا يدعون الناس إلى أنظمة دولتية جديدة، أو إلى التمرد لتغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القرون الوسطى وما تلاها... سنكتفي هنا بذكر بعض المحطات الوطنية الحديثة التي انطلقت فيها المبادرات من شخص واحد أو مؤسسة واحدة، لتجد لها أصداء على أرض الواقع:
خطاب السلطان محمد الخامس بطنجة سنة 1947 والذي دعا فيه الى ضرورة التحرر والاستقلال من نظام الحماية الفرنسي وما تلاها من انتشار سريع للخطاب وردود فعل متباينة.
نداء الزعيم السياسي علال الفاسي من إذاعة صوت العرب بالقاهرة سنة 1953 الذي دعا عبره الى الثورة، عقب إقدام سلطات الحماية الفرنسية على نفي السلطان الشرعي محمد الخامس من البلاد.
خطاب الملك الحسن الثاني لسنة 1975 والذي دعا فيه إلى التطوع والتنظيم في مسيرة خضراء من مختلف أقاليم المملكة نحو الأقاليم الجنوبية للبلاد.
هذه المبادرات على سبيل الذكر لا الحصر، تجمعها قواسم مشتركة، يمكن إجمالها في التالي:
مصادر المبادرات عبارة عن شخص واحد أو مؤسسة واحدة.
المبادرات مرت عبر قنوات اتصال عن بعد (إذاعة أو تلفزيون)، ولم تكن مباشرة، باستثناء خطاب محمد الخامس بطنجة الذي كان إثر تجمع جماهيري، ولكن صداه وصل إلى عموم ساكنة الشعب المغربي ولم يقتصر على ساكنة طنجة لوحدها. (أليس هذا الحدث شبيه بما نراه اليوم من تجمعات نصف حضورية ويتتبعها الآخرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي؟؟؟)
المبادرات جميعها دعت إلى إحداث دينامية وتغيير.
نستحضر كذلك أن المغاربة سبق لهم أن تابعوا عبر القناة الثانية المغربية وبالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة داء الإيدز، تجربة الجمعية المغربية لمحاربة السيدا «L'ALCS» التي أطلقت قبل سنوات حملة وطنية ودولية لجمع التبرعات والإعانات والمساهمة عن بعد في تمويل أنشطتها في مجال مكافحة السيدا ومكافحة تهميش الأشخاص المصابين بالفيروس.
هذه الحملة التي تميزت بطابعها المفتوح، وبالتالي عدم خضوعها لمجال مكاني معين أو لفئة محددة من المتطوعين، كما أنها كانت ممتدة على المستوى الزمني لمدة شهر، انطلاقا من فاتح دجنبر إلى متمه من كل سنة.
هذه المبادرة التي استطاعت أن تجمع ملايين من الدراهم طيلة سنوات عديدة من العمل، مكنت الجمعية المعنية من تطوير أساليب الوقاية والمساعدة الاجتماعية والرعاية الطبية لضحايا السيدا (قرابة 20000 شخص)، والقيام بعدة أنشطة وخطوات من أجل الحد من هذا الفيروس بالمغرب.
المبادرة التنموية بصيغ الفرد والجمع المحلي والجمع الدولي
في مجتمعنا المغربي الآن، وبعدما عرفته البلاد من تغيرات على مستويات عدة، انعكست كذلك على منظومة الاتصال، التي غزتها وسائط جديدة، تعرف إقبالا كبيرا جدا من مختلف شرائح المجتمع العمرية وفئاته الاجتماعية، أصبحت مجموعة من العمليات والعلاقات الاجتماعية تقام عن بعد، خصوصا إبان فترة الطوارئ الصحية التي فرضها انتشار وباء فيروس كوفيد 19، بشكل أنتج لنا مؤسسات قائمة الذات على المستوى الافتراضي، وخلق لنا نوعا من التماهي والتبادل والتعاون والتنسيق بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي.
وفي هذه الدراسة، سنسلط الضوء بالذات على ثلاث تجارب تنموية حديثة وفريدة، انطلقت كالشرارة، مباشرة من وسائل التواصل الاجتماعي، وبدون واسطة تلفزية أو إذاعية. لتجد صداها في العالم الواقعي. وهذه التجارب هي:
تجربة جمعية عطاء الخيرية.
تجربة مؤسسة عطاء الدولية.
مبادرات جلال اعويطا الرمزية.
فكيف إذن انتقلت المبادرات التنموية المدروسة من الشبكة العنكبوتية ومن وسائطها الاجتماعية لتجد لها أصداء وآثارا على المستوى الواقعي؟ وهل يمكن الحديث بصدد هذه النماذج عن بدايات تشكل مجتمع مدني افتراضي بالمغرب؟
للإجابة عن هذا الإشكال الرئيس، لا بد من الإحاطة بمجموعة من الأسئلة الفرعية من قبيل:
كيف يؤثر الافتراضي في الواقعي؟ وكيف يؤثران معا في التنمية المحلية؟ وإلى أي حد؟
هل عملية التأثير بين الافتراضي والواقعي تقع من جانب واحد؟ أم هي علاقة تأثير متبادل؟
هل كل من يقوم بمبادرات من هذا النوع ينجح في تحقيق هدفه أم أن الأمر يتطلب معايير وشروط معينة؟
ما هو القاسم المشترك بين مختلف النماذج المدروسة؟
هل يمكن ضبط المبادرة الافتراضية والتحكم فيها؟ كيف ذلك؟
ما هي التقنيات التي استعملها المبادرون في تنزيل مخططاتهم التنموية؟
ما هي نتائج النماذج التنموية المدروسة وآثارها؟
فرضيات الدراسة:
لعل تطور وسائل التواصل التكنولوجية والإقبال الكبير للناس عليها، جعل منها منصات تتجاوز التواصل الصرف فقط، لتعدو منصات للتلقين والتجارة والتسويق والتعبئة، وكذلك للتضامن المجتمعي والمساهمة بشكل أو بآخر في التنمية المحلية.
إذا كانت النقاشات والمبادرات التي تعرفها منصات العالم الافتراضي تشكل انعكاسا في أغلبها لما يقع في الواقع، فإن كثير من الوقائع الاجتماعية هي كذلك ثمار مبادرات وقرارات اتخذت من العالم الافتراضي.
إن العالم الافتراضي اليوم لم يعد متأثرا فقط، بل أصبح كذلك مبادرا وخلاقا ومؤثرا في العالم الواقعي.
الرساميل الثقافية والاجتماعية والرمزية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في نيل ثقة زبناء العالم الافتراضي، وفي التجاوب مع مختلف المبادرات التنموية لصاحبها.
أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي تشكل سلطة على المستوى العالمي، وكذلك على المستوى الوطني.
الحركية التي تشهدها مختلف مكونات الوسائط الاجتماعية وتجلياتها وآثارها تدفعنا إلى الحديث عما يمكن وصفه ببداية تشكل مفهوم "المجتمع المدني الافتراضي" بالمغرب.
المجتمع المدني الافتراضي له القدرة على المساهمة في التنمية المحلية.
إشكالية فريدة تتطلب تقنيات وأدوات بحثية فريدة:
قبل أن نشرع في البحث وتفسير النتائج والتعليق على نتائجها لابد أن نمر أولا من مرحلة تحديد نوعية الأدوات التي يجب توظيفها في جمع البيانات، لأن ذلك يعد إحدى الخطوات المنهجية الأساسية في البحث، سيما و أنها تؤثر على قيمة العمل العلمي، أو على عمق أو سطحية الخلاصات التي ينتهي إليها.
وبناءا على ذلك، كان التفكير في أدوات البحث يتم بشكل متوازن مع الجانب النظري للبحث، وعن أكثرها ملائمة لتحقيق الأهداف المتوقعة، ومسايرة طبيعة الإشكال المطروح ونوعية الفرضيات المطروحة. خاصة وأن الغاية من البحث تكمن في رصد ودراسة بعض النماذج التنموية التي انطلقت من العالم الافتراضي لتتحقق على العالم الواقعي. والتعرف على طبيعة الخطوات التي واكبت هذه المبادرات التنموية وكيف تم تنزيلها، وهذا ما قادنا إلى اعتماد تقنية الملاحظة مع جمع المعطيات والوصف معتبرا إياها التقنية الأمثل للبحث.
وتقتضي عملية جمع المعلومات الرجوع إلى كل ما كتب ونشر عن النماذج التنموية المدروسة والمؤسسات التي بادرت اليها، بما يتطلب ذلك من دراسة الأنساق التي تشتغل فيها هذه المؤسسات، والاطلاع على مختلف التقارير والمتابعات التي تطرقت لها، وكافة الحوارات الصحفية التي أجراها جلال اعويطا، وكذلك اللجوء إلى تقنية السيرة الذاتية، واستنطاق الصور وتفريغ أشرطة مسجلة على اليوتوب تناولت مواضيع الدراسة.
جمعية عطاء الخيرية: الماهية والأهداف.
جمعية عطاء الخيرية التي أسسها جلال اعويطا كما تم تقديمها في الموقع الالكتروني لاتحاد الجمعيات المغاربية، هي مؤسسة خيرية مغربية غير حكومية، تعمل على تحقيق التنمية المجتمعية والمساهمة في تأهيل الإنسان، وتعنى برفع المعاناة عن كل محتاج، مستنيرة بالقيم المستمدة من الدين الإسلامي. كما تسعى لتقديم خدمات متميزة للمستفيدين، بقيادة فاعلة وبيئة تنظيمية محفزة.
ونجد تعريفا آخر لها على صفحتها الرسمية على الفايسبوك، بأنها جمعية خيرية مكونة من أفراد جمعت بينهم الرغبة في العطاء والعمل التطوعي الذي لا ينتظر مقابلا، بل ينبع من رغبة الإنسان وإحساسه بالمسؤولية تجاه محيطه ووطنه وإيمانا منه بأسمى أشكال التكامل والتآزر الإنساني، فتتعدد المجالات من الصحي إلى التربوي مرورا بالتعليمي والاجتماعي والبيئي، ليبقى الهدف الرئيسي هو الرقي بمجتمعنا.
اشتهرت الجمعية التي تأسست في مارس 2013 بإنجازها للعديد من الأنشطة التطوعية والإغاثية وكذلك العديد من المبادرات التنموية التي استفادت منها ساكنة دواوير وقرى في مناطق مختلفة من المملكة. ولعل أنشطة هذه الجمعية كانت غير معروفة لدى عموم الناس قبل تسليط الأضواء عليها إبان حالة الطوارئ الصحية، حيث تضاعفت مبادرات الجمعية وانشطتها، وازداد اهتمام الناس بالعمل الاجتماعي والتنموي والتضامني.
وكانت جمعية عطاء قد أعطت في أبريل من سنة 2020 الانطلاقة لمبادرة تضامنية فريدة، تجلت في "بطاقة عطاء" وهي بطاقة مسبقة الدفع معبأة بقيمة 700 درهم، كما أنها بطاقة لا تماسية، أي خاضعة لظروف السلامة الصحية خاصة مع ظروف انتشار فيروس كوفيد 19، مكنت 300 أسرة من الأسر المحتاجة من اقتناء مستلزمات شهر رمضان وفق اختيارها ومن جميع نقاط البيع.
سبق للجمعية كذلك عبر رئيسها جلال اعويطا أن أعلنت عن إطلاق تطبيق "يتيمي"، وهو أول تطبيق إلكتروني على مستوى العالم -حسب زعمه- مهمته كفالة الأيتام وخدمتهم ورعايتهم. ويمكن هذا التطبيق من اختيار وكفالة المستخدم ماليا (ما يفوق 240000 درهم تخصص كل شهر للأيتام)، لعدد من الأيتام ومتابعتهم والتدخل في عملية التربية والتوجيه فيما يخص المسار الدراسي والرياضي والثقافي. ولكل يتيم يكفله المستخدم صفحة خاصة على التطبيق، فيها كل المعلومات اليومية عنه في شكل شريط أخبار يشبه التايم لاين في شبكات التواصل الاجتماعي.
جمعية عطاء الخير الوطنية تم اكتشافها من مغاربة الداخل والخارج بشكل واسع، عندما حظيت بتغطية ومشاركة حية من طرف الناشط والمدون مصطفى اسوينكا الذي خصص برنامجا من برامجه المرئية على قناته باليوتوب وببقية وسائط التواصل الاجتماعية لنشاط إنساني واجتماعي نظمته جمعية عطاء بمنطقة بويبلان بإقليم تازة وسط شمال المغرب.
تستثمر جمعية عطاء في العالم الافتراضي من أجل تسويق مشاريعها وأنشطتها، ومن أواخر هذه الأنشطة التي روجتها الجمعية بقناتها على اليوتوب هي مبادرة أعضائها في قضاء أوقات في ضيافة عمال النظافة، طيلة شهر رمضان من سنته 2021، في محاولة من الجمعية لإعادة الاعتبار لعمال النظافة ولأدوارهم البارزة في المحافظة على نظافة شوارع البلاد.
مؤسسة عطاء: من العمل الوطني إلى العمل الدولي
يعتبر جلال اعويطا بأن المجتمع المدني المغربي لا زال عاجزا عن أداء أدواره المنوطة به، على غرار الدول المتقدمة التي يساهم المجتمع المدني داخلها في لعب أدوار طلائعية، تنهض بالمجتمع وتسهم في تحقيق التنمية الشاملة.
ولتحقيق الأهداف المتوخاة من المجتمع المدني، اشتغلت جمعية عطاء الخيرية على عدة برامج تضامنية وتنموية، تجلت أساسا في توزيع أضاحي العيد مجانا على المعوزين، وإقامة عمليات إفطار في كل أيام رمضان ابتداء من سنة 2013 في الأماكن التي يصعب على الناس فيها إدراك وجبة الإفطار، كالطرق السيارة والمستعجلات الصحية...، تجاوزت في مجملها عتبة 15000 وجبة إفطار في سنة واحدة.
كما قامت الجمعية ابتداء من موسم 2017 بإنجاز برنامج لحفر الآبار وبناء خزانات الماء وإيصال الماء الصالح للشرب في الأماكن القروية المعزولة، والتي لا تتوفر على ماء صالح للشرب، ولا على منابع قريبة للماء، وهي المناطق التي تعتمد على "المطفيات" للحصول على ماء الشرب والتنظيف، فقامت بحفر أزيد من مئة بئر بمناطق متنوعة ومتعددة بمختلف أقاليم المملكة، استفاد منها أزيد من 30000 مستفيد ومستفيدة من ساكنة تلك القرى والبوادي البعيدة.
نجاح عمل جمعية عطاء المغربية، دفع بجلال اعويطا رفقة رفاقه في العمل التطوعي إلى تأسيس مؤسسة عطاء الدولية، والتي أنجزت عدة مشاريع تنموية وخيرية بدول افريقية وأسيوية عدة، ومنها قيامها بحفر مجموعة آبار بدولة مالي، ثم حفر 30 بئر بدولة غانا، بمعدل بئر واحد في كل يوم طيلة أيام شهر رمضان لسنة 2019، حيث تم إطلاق حملة جمع التمويلات عن طريق وسائط التواصل الاجتماعية وعن طريق أعضاء ومتعاطفين مع الجمعية بكندا، أسفرت عن جمع ما يكفي لحفر أزيد من 113 بئر. مما دفع مكتب مؤسسة عطاء الدولية إلى توزيع قفف غذائية ومساعدات لفائدة جزء من شعب الرولينغا ممن غادروا بلادهم بورما نحو بنغلاديش.
يتوفر المغرب على عشرات الآلاف من الجمعيات، وبطبيعة الحال، ليس بمقدور كافة الجمعيات حذو نفس مسار مؤسسة عطاء الدولية، بحيث أن هناك نقاط قوة تميز هذه الأخيرة وهي التي جعلتها تتميز على بقية الجمعيات وتتفوق عليها في تحقيق الإشعاع والأهداف، وبالتالي الحصول على مقدار أكبر من المصداقية، وانعكاس هذا على أعضائها، وخصوصا قائدها جلال اعويطا، الذي أصبح يتمتع بمجموعة من الرساميل الرمزية والاجتماعية زادت من شهرته ومن مصداقيته لدى الرأي العام وجمهور المتتبعين.
وحول السر وراء هذا التميز، يعتبر جلال بأن الصدق في العمل ضروري جدا، ولكنه غير كاف، وأن مسألة التسويق هي مسألة مهمة جدا في العمل التضامني، إذ يتوجب الأمر إعداد مشروع متكامل وتسويقه كما ينبغي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال الغايات من المشروع لأكبر عدد ممكن من الناس ومن المهتمين، حتى تحصل المؤسسة على أكبر قدر ممكن من التبرعات المادية. ويقول جلال بأن حملة المؤسسة أدت إلى مساهمة عدد كبير من المتبرعين، مسلمين وغير مسلمين، كما يصرح بأن نسبة عالية جدا من التبرعات في مؤسسة عطاء الوطنية هي تبرعات من داخل المغرب وليست من خارجه، مما يعكس روح التضامن والإحسان والتعاون التي يتمتع بها الشعب المغربي.
نبذة تعريفية عن رئيس الجمعية جلال اعويطا:
هو جلال اعويطا، من مواليد مدينة الرباط سنة 1985، حاصل على شهادة الإجازة في الإعلاميات، اهتم بالعمل الجمعوي ومارسه على المستوى المحلي والوطني في الفترة ما بين 2005 و2010، اشتغل فيما بعد موظفا في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لكنه ما لبث أن قدم استقالته منها، ليشتغل مديرا لقناة قرطبة بطنجة، وهي قناة خاصة تستهدف تنوير الإسبان وساكنة أمريكا اللاتينية وتقريبهم من القيم الإسلامية وأخلاق الإسلام. وقد اختار جلال العمل في القطاع الخاص عوض الاستمرار في الوظيفة العمومية -حسب تصريحه- ليتمكن بالموازاة من الاشتغال في العمل التطوعي والإسهام في تنمية المجتمع والفرد كما أحب وخطط. انطلقت أعماله التطوعية والتنموية على المستوى الدولي ابتداء من سنة 2010.
استفاد من عديد من الدورات التكوينية داخل وخارج أرض الوطن، كان أهمها دورة "تأهيل القيادات المجتمعية" التي ينظمها مركز "جيمي كارتر" بسويسرا لمدة زادت عن الستة أشهر من التكوين.
ساهم في تأسيس مجموعة من التنظيمات الجمعوية بالمغرب، منها "مؤسسة عطاء" في العاصمة الرباط، وجمعية "إنسان" في طنجة، وجمعية "سوس الخير" بأكادير.
وسبق له أن أسس تطبيق "يتيمي" لمساعدة الأيتام، كما قام بمبادرة مماثلة لقيت صدى كبيرا، عندما نجح في بيع زربية صنعتها فتاة يتيمة في مزاد علني على صفحته الخاصة بالأنستغرام بعشرين ألف درهم. بالإضافة إلى قيامه أيضا بعدة مزادات أخرى من قبل، كجمع تبرعات لمسنين أحبوا القيام بحج أو عمرة قبل وفاتهم.
زاوج جلال بين الممارسة التطوعية وتأسيس الجمعيات التنموية والتضامنية من جهة، وبين البحث النظري والفكري من جهة أخرى، حيث خصص فترة طويلة من التأمل في المصادر الشرعية الإسلامية، وفي سيرة الرسول محمد (ص) والصحابة والسلف، ليؤلف كتاب "متطوع مكة" الذي صدر عن مركز يقين، والذي يسلط الضوء على محطات ومواقف من تاريخ رسول الإسلام وصحابته في التطوع والتضامن والإيثار والبذل من أجل الآخرين ومن أجل تنمية المناطق المحتاجة.
ولعل هذا المسار الغني لجلال اعويطا هو ما أهله للحصول على ثقة مبادرة "صناع الأمل" التي تشرف عليها مؤسسة "محمد بن راشد آل متكوم العالمية" بالإمارات، التي اختارته عن عمله التطوعي ضمن مبادرات إنسانية، كان آخرها تطبيق "يتيمي" المتخصص في كفالة الأيتام، ضمن الشخصيات العشرين الأولى عالميا في العمل التطوعي الإنساني، وذلك من أصل 92 ألف مشارك من 38 دولة عبر العالم.
جلال اعويطا: رساميل متعددة في خدمة التنمية المحلية
دينامية هذا الشاب الفاعل الجمعوي من داخل جمعية عطاء الوطنية ومؤسسة عطاء الدولية، ونشاطه الدائم والمتواصل على مختلف وسائط التواصل الاجتماعي (فايسبوك، انستغرام، يوتوب..) مكنته من التوفر على مجموعة من الرساميل الثقافية والاجتماعية والرمزية، على حد تعبير بيير بورديو، ومتابعة الناس لأنشطته ومجهوداته الفكرية والتنموية مكنته من شهرة واسعة، وأحاطته بقدر عال من المصداقية، بشكل خلق نوعا من الإقبال على صفحاته بمختلف وسائط التواصل الاجتماعية، والتواصل الايجابي المكثف مع ما ينشر من خلالها.
هذه الشرعية استثمرها الفاعل الجمعوي جلال اعويطا إيجابا في العديد من المناسبات، فبغض النظر عن الأعمال التي يقوم بها ويروج لها في إطار مسؤولياته سواء في جمعية عطاء الوطنية أو مؤسسة عطاء الدولية، فقد استغل صفحته الرسمية على الإستغرام لتنظيم مزادات علنية المراد منها خدمة أشخاص محددين، وهي الفكرة التي انطلقت بإقامة مزادات علنية لجمع التبرعات لفائدة مسنين لديهم الرغبة في القيام بالحج أو العمرة قبل وفاتهم، وقد استطاع أن يجمع من خلالها الكثير من الأموال التي مكنتهم من رغباتهم.
إلا أن المزاد الذي سلطت عليه الأضواء بشكل كبير، هو ذاك الذي قام من خلاله جلال بتاريخ 23 نونبر 2020 بنشر صورة لزربية صغيرة تقليدية الصنع (1.30/0.90 متر) لفتاة يتيمة متفوقة دراسيا (حصلت على معدل 17.99 في السنة السابقة) تسمى سعاد تنتمي لإحدى قرى أزيلال، وجمع من خلاله مبلغا وصل إلى مليوني سنتيم، في ظرف 24 ساعة وذلك عبر تقنية الستوري. هذا المزاد الذي اعتبر اعويطا أن الهدف الأساسي منه ليس فقط القيمة المادية للزربية، بل تكريس ثقافة دعم الأيتام والإحسان إليهم وتقديم يد العون لهم داخل المجتمع المغربي.
هذا المزاد، تبعه مزاد آخر، بتاريخ 16 أبريل 2021، حيث طرح اعويطا عبر صفحته على الأنستغرام دائما كيلوغراما واحدا من منتوج "سلو" التقليدي للبيع وقدمه بأن صاحبته سيدة من نواحي مراكش، تشتغل في بيع هذه المادة لتعيل زوجها المصاب بالسرطان، فما كان من زبناء صفحته ومتتبعيه إلا ان شاركوا في المزاد، حيث أرسى الثمن النهائي على مبلغ 47700 درهم. وهو بهذا يعتبر أغلى ثمن لكيلوغرام من هذا المنتوج في العالم.
وتتجلى رسالة اعويطا للمجتمع المغربي أنه بتظافر الجهود يمكن صنع أشياء مفيدة، وأن المنتوج الوطني مثل "سلو" يلزمه تسويق من أجل تثمين المنتوج. وأن كل امرأة تشمر على ذراعيها من أجل أسرتها، لا مناص من أن يكون الجميع سندا لها، حيث إن العمل الإنساني هو سلوك يومي يتجلى في الممارسات كيفما كان. وشدد على ضرورة بناء ثقافة تضامنية قوية في المجتمع قبل أن يشير إلى معضلة عدم الاستثمار في مواسمنا بشكل جيد، وهو يعطي مثالا على الحركة الاقتصادية في أمريكا أيام الهالويين.
بعد نجاح المزادات المذكورة، وفي نفس شهر رمضان من سنته 2021، أعلن جلال عويطة مرة أخرى عبر صفحته الخاصة بالأنستغرام (تقنية الستوري ل24 ساعة) عن إطلاق مزاد لبيع 150 غرام من الزعفران، استقر ثمنه في الأخير في 150.000 درهم (15 مليون سنتيم).
وتميز هذا المزاد بربح فريق تقني متطوع بخبرة عالية (مهندس فلاحي، شركة تواصل، شركة تسويق...) لمساعدة سعيدة صاحبة الزعفران على تطوير مشروعها والارتقاء به وأن يصبح زعفران سعيدة من أفضل الزعفرانات على مستوى العالم (جودة وتسويقا)... وأن يفخر المغاربة بمنتوج قوي ينافس بقية دول العالم في إنتاج الزعفران.
هذه المبادرة الرمزية وإن ظهرت في الشكل بسيطة، إلا أنها من ناحية الموضوع عميقة جدا، حيث سلطت الضوء على مادة الزعفران وعلى منطقة إنتاجها بتاليوين نواحي تارودانت، وقامت بنوع من الإشهار والتسويق المجانيين لكليهما، بما ينعكس إيجابا لا محالة على كل العاملين في إنتاج هذه المادة الحيوية والمتاجرة فيها، وبالتالي المساهمة في التنمية المحلية لمنطقة تاليوين بطريقة غير مباشرة.
خلاصات الدراسة:
تقوم صفحة جلال اعويطا الشخصية على الأنستغرام وجمعية عطاء الخير الوطنية ومؤسسة عطاء الدولية بعمل تضامني وتنموي مهم، ينعكس إيجابا على الفئات المستفيدة، ويعتبر من الأعمال الرائدة على مستوى إسهامات المجتمع المدني في التنمية المحلية بالمغرب.
من الأشياء التي ميزت النماذج العملية المدروسة أن القاسم المشترك بينها هو شخص جلال اعويطا، الذي استطاع برساميله المتعددة التي حصل عليها طيلة مدة اشتغاله في العمل الجمعوي والتنموي، أن يكون عصب الرحى وقائد الأفعال والمبادرات التطوعية والتضامنية والتنموية، سواء تلك التي تقوم بها جمعية عطاء الخيرية الوطنية، أو مؤسسة عطاء الدولية أو تلك التي يقوم بها بشكل فردي عبر صفحته الخاصة بالأنستغرام.
جميع النماذج المدروسة تستعين بالعالم الافتراضي في البدء وعند الانتهاء، يعني من صياغة المشروع والتسويق له، مرورا بجمع التمويلات وقبول لائحة المتطوعين، وصولا إلى إعلان النتائج والحصيلة والترويج للعمل التنموي المنجز.
صدقية عمل جلال اعويطا وشخصيته الإسلامية المحافظة واهتماماته الفكرية والعقائدية تساهم جميعها بشكل مباشر أو غير مباشر في تشكيل نوع من الشرعية التي بموجبها يتحصل على التبرعات ويضمن ثقة زبناء مبادراته بسلاسة.
جلال اعويطة كون بأعماله المذكورة أعلاه، ومن خلال مختلف المبادرات والإطارات التي شارك فيها، رساميل متعددة جعلت منه شخصية محورية واسما بارزا في العمل التنموي التضامني بالمغرب، بشكل أسس له شرعية خاصة ومصداقية كبيرة، تساهمان في إنجاح جميع المبادرات التي يكون فيها طرفا مشاركا.
المجتمع المغربي مجتمع متضامن، وحريص على الإسهام في التنمية المحلية وعلى التطوع والمشاركة في مختلف المبادرات ذات الطابع الإنساني والاجتماعي، سواء داخل المغرب وخارجه.
مساهمات مغاربة العالم (خصوصا بكندا) حاضرة في عمل جمعية عطاء الدولية على وجه الخصوص، مما يعني أن إسهام المجتمع المدني المغربي لا يقف عند حدود المغرب الجغرافية، وإنما قد يتجاوزها إلى افريقيا جنوب الصحراء أو آسيا.
المصداقية والشخصية القيادية الجذابة والتسويق الجيد، تشكل جميعها معايير لنيل ثقة الناس وجمع التبرعات، وبالتالي هي معايير وشروط ضرورية لإنجاح مختلف المبادرات التنموية.
المجتمع المدني الافتراضي يؤثر في عالمنا الحالي بشكل قوي في المجتمع الواقعي وبإمكانه المساهمة في التنمية المحلية إن أحسن المبادرة.
يمكن بالتنظيم والنظام ضبط المبادرات التي تنطلق من العالم الافتراضي والتحكم فيها وفي مخارجها.
آن الآوان لإعلان بداية تشكل "مجتمع مدني افتراضي" بالمغرب قائم الذات، يشتغل وفق شروط ومعايير خاصة، يؤثر في العالم الواقعي ويتأثر به، إن بالإيجاب أو بالسلب، ويمكن ضبطه لو حسنت مقومات دراسته وتحليله وفهمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.