يتفق المغاربة على اختلاف مستوياتهم التعليمية، والثقافية، وحتى الفئة الأمية منهم على ضرورة تتبع خطابات الملك محمد السادس، باعتباره رمز الدولة ومصدر القرارات العليا لصالح الشعب، وإن تقاسم حسب مقتضيات الدستور المسؤولية مع أعضاء الحكومة الجديدة إلا أنه يبقى المسؤول الأول والأخير عن تشكيل ملامح المشهد السياسي المغربي. وقد ألف المواطن المغربي بأن الخطاب الملكي يأتي بالجديد. لذا تجده متأهبا للإنصات دائما لما يخطُب به ملك البلاد وغالبا ما يكون على وفاق مع خطبه، غير أنه في الآن نفسه هناك من لا يتفق مع بعض ما يخطب به العاهل المغربي، ولا يتفق مع أسس مضامينه. من بين من يخالف "الإجماع" حسب منطوق دار البريهي، هناك بعض الشباب المغربي المُلم بالثقافة السياسية العالمية، والمواكب للتطورات القانونية والديمقراطية، ممن استفسرتهم هسبريس عن مدى توافقهم مع الخطابات الملكية، حيث عبّر العديد منهم على أنهم ليسوا دائما على وفاق مع خطابا الملك. ولعل أبرز خطاب أثار الجدل الكبير بين هذه الفئة المُستفسَرة هو خطاب الملك الذي انتقد فيه النظام التعليمي بالمغرب وحمّل جزء منه للحكومة الحالية، ولوزير التربية الوطنية السابق، محمد الوفا، وهو ما اعتبره العديد من المستفسرين خطابا غير "واقعي" وغير مُنصف نظرا لأن القصر يتحمل مسؤوليته أيضا في فشل المنظومة التعليمية بعد العديد من التجارب التي أشرف على صياغة أهم ركائزها مستشارو الملك، ووافق عليها الملك نفسه. الفئة المستفسرة عشوائيا من طرف هسبريس والتي عبّرت عن مواقفها الصريحة تجاه الخُطب الملكية، دفعت الجريدة الالكترونية للاتصال ببعض الباحثين السياسيين لمعرفة ما طرحه المغاربة من انطباعات عن الخطب الملكية، وما تمثل بالنسبة لهم، وكيف يتابعون مضامينها، ورأيهم في الجيل الجديد من خطب محمد السادس. اسليمي: خطب الملك لها ثلاث دلالات دستورية من جانبه يرى رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، عبد الرحيم منار اسليمي أن "الخطب الملكية تتميز بثلاث دلالات منصوص عليها دستوريا: الأولى مؤسساتية، تكون بمناسبة افتتاح عمل المؤسسة البرلمانية في الدورة الخريفية، والثانية توجيهية، وتتم في نفس لحظة افتتاح البرلمان حيث يستعمل الملك بصفته رئيس الدولة الخطاب لتوجيه عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، والثالثة، هي مرتبطة بحدوث أزمة دستورية كالحالة المنصوص عليها في الفصل 96 لما يعمد الملك إلى حل المجلسين معا أو احدهما ويكون الحل مسبوق بخطاب موجه للأمة". وأضاف اسليمي في اتصاله ب"هسبريس" أنّ "الزاوية الثانية تاريخية - سياسية، وهي الخطابات التي توجه إلى الأمة في الأعياد الوطنية، وهي غالبا ما تكون فيها إشارات مرتبطة بالذاكرة التاريخية ودعوات إلى التعبئة ورسائل سياسية إلى الفاعلين في الداخل والخارج". وأردف رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات قائلا: "الخطب الملكية يعتمد عليها الفاعلون في بناء حجج للمرافعة في قضايا معينة، وتعتمد من طرف الباحثين لمحاولة فهم وشرح بعض القرارات الإستراتيجية في الدولة". أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، اكد أيضا أن "الخطب الملكية تغير مضمونها وزمنيتها إذا ما قارنا بين الملك محمد السادس والملك الحسن الثاني. فالأخير كان يعتمد على الخطب كثيرا كآلية للتواصل، بينما محمد السادس يعتمد آليتين للتواصل: خطب مرتبطة بمناسبات دستورية أو أعياد وطنية أو أحداث إستراتيجية، الآلية الثانية هي التواصل الميداني التي تظهر من خلال الزيارات وإطلاق المشاريع في العديد من المناطق المغربية". وذهب اسليمي في ختام حديثه لهسبريس إلى كون "الخطب الملكية تغيرت من حيث القوة في تشخيص وانتقاد الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنها باتت ذات مضمون يقدم تقييما للسياسات العمومية المتبعة من طرف الحكومة (التعليم) وانتقلت إلى تقييم السياسات التدبيرية المحلية (الدارالبيضاء)، مضيفا أنّ الخطاب الملكي بات مقرونا بالمعاينة الميدانية المتبوعة بزيارات لتقييم طريقة تعامل الفاعلين السياسيين والحكوميين مع التوجيهات الواردة في الخطاب، كما أنها خطب معتمدة على تقارير (المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي)، وهي خطب من المتوقع أن تستمر في الجمع بين ثنائية تقييم السياسات الحكومية والإعلان عن مشاريع إستراتيجية مرتبطة بالدولة وليس الحكومة". الدراردري: الخطب الملكية ثورة هادئة مجددة للوحدة من جانبه يرى أحمد الدرداري الأستاذ المتخصص في تحليل الخطاب بجامعة عبد المالك السعدي أن "الخطب الملكية هي مصدر أسمى للتعبير عن إرادة الشعب، وثورة هادئة مجددة للوحدة وآلية إنزال الممارسة السياسية من التنظير إلى الواقع ومطابقتها لهموم المواطنين، وتتبع الرأي العام لايجابياته، خطاب متسم بالاعتدال والمصداقية والتسامح والانفتاح". واعتبر ذات المتحدث في تصريح لهسبريس أن "الخطب تصريف لمضامين الدستور وصيرورة لمسار الاعتزاز بالخصوصية المغربية، ببنية قوية ومعاني متعددة تتعلق بالشأن العام والتصدي للقضايا ومواكبتها باليات جديدة والتطلع للجديد والتركيز على العمل دون نسيان". وزاد الدكتور الدراردي أن "خطب الملك مفعمة بعبارات ومفاهيم من الجيل الجديد بدءا من المفهوم الجديد للسلطة إلى الطابع الإنساني للدولة، خطب بحمولات دلالية قوية ومواكبة ومجددة لكل مجالات العمل الشبابي والنسائي.. ومجددة لاهتمامات الدولة العمودية والأفقية والقطاعية". بودن: الخطب الملكية محور الحياة العامة في المغرب في هذا السياق، قال محمد بودن الباحث في القانون العام إن "الخطب الملكية تشكل محورا للحياة العامة في المغرب، فهي غير خاضعة لا للترتيب ولا للتصنيف مع باقي الخطابات الأخرى أو المواد الإعلامية علاوة على كونها شبكة مهيكلة، وبناءا فكريا لملك البلاد، وبقيمة دستورية محصنة. فهي حسب بودن ليست مجرد خطابات أو منجزات لفظية، وإنما بنيانا مرجعيا لكل الفاعلين وخارطة عمل لكل المتدخلين ورسائل صريحة وضمنية لكل المعنيين. الباحث في القانون العام أكد أيضا للموقع أنّ "الخطب الملكية تمثل بالنسبة له شخصيا حدثا وطنيا بالغ الأهمية سواء كانت خطبا معتادة بحكم المناسبة أو خطبا استثنائية أو خطبا ملقاة في المحافل الدولية". ويرى بدون في تصريح لجريدة "هسبريس" الإلكترونية أن "خطب الملك محمد السادس تتميز في مبناه ومعناه ومحتواه بجملة من الخصائص وهي: خطاب يذكر بأسس التعاقد خطاب، وبروافد ثقافية تعكس التنوع المغربي، وخطاب غير متسامح مع من يحاول النيل من ثوابت المغرب ومقدساته، أو خطاب استشرافي للتحديات، وخطاب بخطط تنموية للمستقبل وحصيلة لأوراش الماضي، وتقييما مرحليا للحاضر، وخطاب يعكس السمات الموطناتية والنفسية والعاطفية والشخصية للملك، وخطاب مستحضر للأبعاد الإقليمية والقارية والعالمية، وخطاب ذكي يستحضر ما كان وما هو كائن وما يجب أن يكون، وخطاب يصنع الحدث ويجني ثماره، وخطاب يركز على الفعل بذل رد الفعل وفي النهاية خطاب بحكامة زمنية ولفظية". وأضاف الباحث في العلوم السياسة أن "مضامين الخطاب الملكي هي تعبير عن متطلبات يمكن إجمالها في ما يلي: متطلب مؤسسي، متطلب ثقافي، ومتطلب اجتماعي، ومتطلب اقتصادي ومتطلب أمني ومتطلب جيواستراتيجي". وتابع ذات المتحدث أن "الجيل الجديد من خطب جلالة الملك محمد السادس ثار فيها على الفجوة التي كانت بين المعلن والمسكوت عنه، حيث تتميز الخطب الملكية بالصراحة والمكاشفة وديمقراطية اللغة في تناغم بين الخطاب كنص ديمقراطي والممارسة الملكية الرشيدة كفعل".