غدَاةِ تخليدِ اليومِ الوطنِي للإعلام، الذِي يصادفُ الخامس عشر من نوفمبر كلَّ عامٍ، قالَ وزيرُ الاتصالِ الناطق الرسمِي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، إنَّ الصحافتين الورقيَّة والإلكترونيَّة يجبُ أنْ تخضعَا للمعايير نفسها إذَا ما تمَّ استثناء جوانب الطباعة والورق لدى الجرائد، والإيواء بالنسبة إلى المواقع، متحدثًا عنْ عدَّة معايير فِي الدعمِ المنتظر تقديمه للمنابر الإلكترونيَّة. الخلفِي أردفَ، فِي حوارٍ لهُ مع هسبريس، أنَّه لا يمكن السعيُ إلى علاقةِ ودٍّ بين الصحافة وَالحكومة، إذْ "لا يجدر بنا أن نطمحَ إلاّ لعلاقةٍ يتفهَّمُ فيها كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر، بما يضمن احترام المقتضيات المؤطرة لأخلاقيَّات المِهنة القائمةِ على الدِّقةِ والإنصاف، لأنَّ الديمقراطيَّة تشترطُ وجودَ صحافةٍ حرة ومسؤولةٍ، تمارس الرقابة على الفاعل العمومِي" يقول الوزير. تزامنًا مع تخليد اليوم الوطنِي للصحافة، ما هو تقييمُكم العام لحريَّة الصحَافة اليوم في المغرب؟ أولًا، أغتنمُ هاته المناسبة لأهنئَ الصحفيِّين المغاربة بهذَا اليوم، لتجديد التعاقد على العمل بشكل جماعِي للنهوض بحريَّة الصحافَة، وكذَا الارتقاء بقيمِ وأخلاقيَّات المهنة، التي أعتبرها مسؤوليَّة ذاتيَّة للمهنيِّين، فاليوم الوطنِي للإعلام، نخلدهُ في سياقِ عدد من المنجزات، والتحديات، أيضًا، التي تجعلُ من ورش إرساء صحافَة حرَّة ومسؤولة ورشًا مفتُوحًا ومستمرًّا. أولًا، نحن على مشارف استكمَال صياغة مدونة الصحافة الجديدة، وفقًا للتوصيات التِي خرجت بها اللجنة العلميَّة، وقدْ تقدمنا في تنزيل توصيات الكتاب الأبيض الخاص بالصحافة الإلكترونيَّة، خاصة فيما يهمُّ قضيَّة الاعتراف القانُونِي الذِي تمَّ تجاوزه هذه السنة، وقضيَّة الدعم، وهي كلها معايير محددةوتم اعتمادها ضمنَ العقد البرنامج الذِي وقعَ في هذه السنة لدعمِ المقاولة الصحفيَّة، وفقَ قواعدِ الشفافيَّة والحياد.. هناك سؤالٌ يطرحُ حول المعايير التِي سيتمُّ اعتمادُها فِي تقدِيم الدعم، ومَا إذَا كانتْ أرقام "أليكسَا" ستكونُ فيصلًا فِي اختيار المواقع الوطنيَّة المستفِيدة، أمْ أنَّ الكلمة ستكون للكيف وجودة المنتوج الصحافي؟ بالنسبَة إلى دعم الصحَافة الإلكترونيَّة يقتضِي المبدأ خضوع الصحافة الإلكترونية لنفس الشروط التي تخضعُ لها الصحافَة الورقيَّة، باستثنَاء ما يهمُّ جانب الطباعة والورَق، الذِي يُعوضُ فِي المواقع الإلكترونيَّة بالإيوَاء والخدمات الإلكترونيَّة، في هذا الصدد تمَّ الاعتمادُ على تجارب دوليَّة، مثلَ التجربَة الفرنسيَّة، والتصنيف بالنسبة إلينا ليسَ المحددَ الأساسيَّ فِي الدَّعمِ. أليكسَا مؤسسة مجانيَّة، فيما هناكَ أيضًا مؤسسات متقدمَة ومتخصصَة تصدرُ شهاداتٍ موثقة ومحلَّفَةً تستخدمُ فِي مجال السياسَة التجاريَّة للمقاولَة الصحافيَّة الإلكترونيَّة، لكن ما يهمُّنَا نحن هُو شيءٌ آخر يتمثلُ في تعزيز المحتوَى الإخبارِي المتعلق بالمغرب على مستوَى الانترنت، وتعزيز التعدديَة والاستثمَار فِي القرب والتنوع الجهوِي الذِي تجسدهُ الصحافَةٌ الإلكترونيَّة الآن بمعيَّة الصحَافة الورقيَّة. الوعيُ بخصوصيَّة الصحافَة الإلكترونيَّة مسألةٌ مطلوبةٌ، وهو ما استدعَى وضع دعم الصحافة الإلكترونيَّة ضمن استراتيجيَّة المغرب الرقمِي، موازاةً مع إطلاقِ برامجٍ للتكوين لفائدة الصحفيِّين المغاربة، وإقرار شرطِ أداء التحملات الصحفيَّة للمهنيين على مُستوَى التحملات الاجتماعيَّة للصحفيِّين وإرساء لجان أخلاقيات، والعمل على احترام القرارات الصادرة عن الهيئة العليا للاتصال السمعِي البصرِي. عرفَ المغربُ فِي الآونة الأخيرة نقاشًا مستفيضًا حول الانتكاسة التِي تهددُ الجسم الصحفِي، مع اعتقالِ الصحافيٍّ علي أنوزلا ومحاكمته بقانون الإرهاب بدل قانون الصحافة، ألمْ تنل الحادثة من تقدم الصحافة كسلطة رابعة فِي البلاد؟ أولًا؛ الملف في يد القضاء، وبالتالِي لا يمكنُ التدخل فيه، ولكن نسجل أنَّ قاضِي التحقيق تعاملَ بإيجابيَّة مع طلب الدفاع من أجل المتابعة فِي حالة سراح، كما نسجلُ أيضًا أنَّ هذه السنَة لمْ تشهدْ إغلاقَ أيِّ موقعٍ إلكترونِي بقرارٍ إدارِي، والحالة الوحيدة التي سجلت كانتْ بقرارٍ إرادِي وبعد مسطرة قضائيَّة. كما نسجلُ عدم مصادرة أيِّ منبرٍ صحفِي وطني، وصدور الأحكام الماليَّة بصيغة معتدلة، لمْ تكن هناك أحكامٌ نهائيَّة بالسجن وإنْ كانتْ هناك قضيَّة لا تزَال معروضَةً الآن على القضَاء، تجدرُ الإشارة أيضًا إلى أنَّ القضايا التِي حركتْ بطريقةٍ تلقائيَّة من طرف النيابة العامة، خلال 2013، ظلتْ فِي حدودِ خمسِ قضايَا من أصلِ 61 ملفًا، وعدد من الملفات تمَّ حفظها. تبعًا لما ذكر، نكون إزاء مؤشراتٍ ملمُوسة تقول بوجودِ تحسن في حرية الصحافة، حتَّى وإنْ كانت هناك تحدياتٌ لا تزال قائمة، والنقابة الوطنيَّة للصحافة المغربيَّة أثارت موضوع الاعتداءات التي تطالُ الصحفيين، وتمَّ الاتفاق على إرساء آليَّة بين وزارة العدل ووزارة الاتصال ووزارة الداخليَّة، ووزارة العدل عبرت عن استعدادها لفتحِ تحقيقٍ فِي أيَّة شكاية تقدم. والأكثر من ذلك أنَّ العدد رغم محدوديته، 14 حالة اعتداء، بالنظر إلى أنَّ المغرب يعرفُ أزيد من 20 ألف وقفة احتجاجية في السنة، يستدعِي القول إٍنَّ هذا الأمر غير مقبول، ويمثل بالنسبة إلينا تحديًا، لكن هناك إرداة فِي الوقت الحالِي لمعالجة الإشكال. علاوةً على ذلك، هناك تحدٍّ مرتبط بالوصول إلى المعلومة، فالصحفِي يعانِي من هذا الإشكال فِي المغرب، إلى جانب التحديات المرتبط بتعميقِ التكوين، بالنسبة إلى الصحفيِّين.. نشتغل على هذه المستويات ونأمل أنْ نتقدمَ فِي المعالجة.. غالبًا ما نسمعُ حزبكم، المتزعم للائتلاف الحكومِي، يشكُو تحامل الصحافة ويقولُ إنهَا لا تتعامل بمهنيَّة معه، ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يتحدثُ عما يسميه "تشويشًا" في أكثرمن مناسبة.. لا يمكن أنْ نتوقع وجود الصحافة فِي علاقةِ ودٍّ مع الحكومة، ولا ينبغِي أن نسعى إلى تلك العلاقة أصلًا، إذْ لا يجبُ أنْ نطمحَ سوَى إلَى علاقةٍ يتفهَّمُ فيها كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر، وأنْ يتمَّ فيها احترامُ المقتضيات المؤطرة لأخلاقيَّات المِهنة، القائمةِ على مراعاةِ الدِّقةِ والإنصاف، لأنَّ الديمقراطيَّة تشترطُ وجودَ صحافةٍ حرة ومسؤولةٍ، تمارس الرقابة على الفاعل العمومِي. أنا استفدتُ شخصيّا من مجموعة ملاحظاتٍ وردت في الصحافة، وكانتْ حافزًا لديَّ لتجاوز عددٍ من الإشكالاتِ. لكنْ على أنْ تكون تلك المرجعيَّة النقديَّةُ موضوعيَّةً، ولهذَا يصعبُ الحديث عن وجود الصحافة فِي مشكلةٍ مع الحكومة.. لكن ألَا تضيقُ الحكومة ذرعًا بما يوجهُ إليهَا من نقدٍ؟ ينبغِي أنْ نميزَ بين نوعين من الانتقادات، هناك نوعٌ من الانتقادات لا تكون فيها الصحافة إلَّا بمثابة وسيطٍ لأنها تنقلُ آراء فاعلِين آخرين، وهناك انتقاداتٍ تصدرُ عن الصحافة، وهذه الانتقادات لا تلقى ترحيبًا فِي بعض الأحيانِ، ولكنْ هذَا ليسَ شرطًا ولا مشكلة، وإنمَا الشرطُ أنْ تكونَ هناكَ علاقةُ حوارٍ، وحرصٌ على التثبت من الأخبار قبل نشرها، وأنْ يكونَ هناك استعدادٌ لنشرها، ونشر الرد عليها، وعرض كافَّة وجهات النظر المرتبطَة ببعض القضايَا، لأنَّ العلاقة الطبيعيَّة المطلوبة هيَ علاقةُ نقدٍ ومراقبة، ولكن فِي إطار ما هُوَ متعارف عليه عالميًا. يثار الكثير اليوم فِي الإعلام حول زيادةٍ مرتقبة فِي أسعار الخبز وأسعار مواد أخرى، هل ترون أنَّ الحكومة تتواصل بشكلٍ جيد مع المواطن لإحاطته بكلِّ مستجد؟ لا يمكنُ أنْ تكون هناك أيَّة زيادةٍ فِي أسعار الخبزِ دونَ إذنٍ من الحكومة التِي تتواصلُ، فِي الوقتِ الحالِي ،مع الجامعة الوطنيَّة لأرباب المخابز، بشأنِ كثيرٍ من الجوانب، التي أثيرَ حولها موضوعُ الزيادة.