إذا كان المطر يرتبط في ذهن الإنسان منذ القدم بالخير واليمن والبركات ، ويشار إليه على أنه نعمة مهداة من السماء ، ورحمة منزلة على العباد من طرف الله الغني الكريم ، فإنه حتما سيرتبط في أذهان المغاربة بالكوارث والفضائح وانعدام الثقة في المسؤولين ، فالأمطار التي تساقطت مؤخرا على مناطق المغرب كشفت حقائق سوء التخطيط وضعف الإستعدادات والإمكانات لتصريف مياه الأمطار ، وهشاشة البنى التحتية للمدن المغربية ، وفضحت مسلسلات الغش والتقصير المتكرر في كل عام على هذا الصعيد من قبل الجهات المسؤولة، الأمر الذي أدى إلى استياء شعبي ترافقه علامات استفهام تبحث لها عن جواب مسؤول . "" أول الغيث ... خسائر
الراشدية ، فكيك ، الدارالبيضاء ، وجدة ، طنجة ، الناضور ، تطوان ، إيمنتانوت ، ... مدن وأقاليم مغربية تحولت بعد ساعات من المطر إلى مناطق شبه منكوبة ، فالبنايات القوية غرقت في بحيرات آسنة ، والمنازل العشوائية انهارت في دقائق معدودات ، والشوارع أتلفت على بكرة أبيها مخلفة حوادث سير قاتلة ومعطلة كل حركة للمرور ، والأنفاق سجنت بكل وحل ثقيل وخفيف ، وقنوات الصرف الصحي ضاقت بنفسها على نفسها لتنفجر دون سابق إعلام في وجوه المواطنين ولتشكل بؤرا مثالية لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى كارثة بيئية خطيرة ...
ساعات المطر المتفرقة على مدار الأسبوعين الماضيين كانت كفيلة بقتل ما يزيد عن خمسين مواطنا مغربيا وتشريد مئات الأسر وإغلاق العشرات من المصانع والشركات وإحالة الآلاف من العمال والمستخدمين إلى عوالم البطالة والضياع .
ووسطه ... فضائح
وحتى الآن لا توجد أرقام حقيقية ودقيقة لحجم الخسائر التي خلفتها التساقطات المطرية على مختلف المدن المغربية ، لكن وإن إنعدمت الأرقام أو تباينت نسبتها وحدتها ما بين مدينة وأخرى ، فالحقيقة المتفق عليها من لدن الكل هي أن الأمطار أمست أكبر شاهد على ما يتميز به المسؤولون المغاربة من لا مبالاة وغش وسوء تدبير لمرافق الحياة العامة ، فمئات الملايين التي دخلت على مدى السنوات الأخيرة إلى خانة المليارات وأنفقت على ما يسمى بمشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول تبخرت مع أولى قطرات الغيث التي كشفت للكل خلل ما في تلك المشاريع من معايير مغشوشة وجودة لم تسجل إلا على الأوراق ومتطلبات لم تراعى من ألفها إلى يائها ومواصفات تفتقر إلى أسس قويمة ، كما كشفت وبالواضح والملموس غياب استراتيجية مسؤولة فعالة وناجعة للتعامل مع مثل هكذا أحداث ، وفشل الوسائل البدائية في التخفيف من وطأة الخسائر المادية والبشرية ، واستمرار تهميش المدن والقرى النائية باعتبارها مغربا لا ينفع ، وانهيار شعارات التنمية البشرية والقرب من المواطن ، وركون أغلب المسؤولين إلى الصمت والتهرب من تحمل المسؤولية فيما يخص الفضائح السالفة الذكر .
ولعل خبر تسرب المياه إلى المقر الجديد لمجلس المستشارين ( الغرفة الثانية في البرلمان المغربي) أياما معدودات بعد تدشينه من طرف العاهل المغربي يبقى خير دليل على تعرية المطر للواقع المغشوش الذي ينخر كل المشاريع الحكومية بالمغرب .
وآخره ... استياء شعبي
مفردات اللغة لا يمكن حشدها للتعبير عن سخط وغضب واستياء الشارع المغربي أمام ما وقع عقب التساقطات المطرية الأخيرة ، فالمطر الذي كانت تقام لأجله صلوات الإستسقاء بالمساجد في السنوات الأخيرة ، ويستبشر به الكبير قبل الصغير ، أمسى اليوم شبحا مخيفا وزائرا غير مرغوب فيه بسبب الإهمال الرسمي العاجز عن تقديم يد العون والمساعدة لضحايا ومتضرري الأمطاروالسيول الجارفة وبسبب إخفاق المسؤولين في توفير مشاريع حقيقية للبنية التحتية وباقي المشاريع الخدمية الضرورية ، الأمر الذي دفع بالعديد من المواطنين إلى القيام بمسيرات إحتجاجية بعدد من المدن والمناطق المغربية للتنديد بسياسات الحكومة ومطالبتها بإيجاد حلول سريعة لمشاكل الأمطار التي تغرق المدن وتعطل المصالح وتدمر الممتلكات العامة والخاصة .
وتجدر الإشارة هنا أنه في الوقت الذي كانت فيه فئات عريضة من المواطنين تنتظر بفارغ الصبر إعلان الحكومة للحداد تضامنا مع أهالي المناطق المنكوبة كانت قنوات المغرب وفضائياته تنقل للعالم بأسره مجريات الملتقى الأول للفرس بمدينة الجديدة ضاربة بعرض الحائط مشاعر الأسر والعائلات المكلومة وموضحة في ذات الوقت مدى اهتمام المسؤولين بمصلحة الشعب أولا وأخيرا .
على سبيل الختم
إنه من غير المعقول أن يشتغل مسؤولوا هذا الوطن ووسائل إعلامه بحديث الإنجازات وترديد أسطوانات الشعارات الفضفاضة في الوقت الذي لا يزال فيه عدد كبير من المواطنين يبحثون عن ملاذ آمن كلما لاحت لهم في الأفق سحابة عابرة أو قطرة غيث تحوم فوق مدنهم وقراهم .
وإنه من الخزي والعار على بلد منحه الإتحاد الأوروبي وضعا متقدما في علاقات الشراكة معه أن تظل جل مدنه حبيسة الأودية الآسنة والمستنقعات الملوثة والبرك النتنة كلما جادت عليه السماء بزخات مطرية .
فأين الاستعدادات التي يفتخر بها مسؤولونا قبل دخول موسم الأمطار؟
وهل هذه المناظر تجمع المياه وإغلاق الطرق في المدن الرئيسية والمدن النائية مع ما يرافق ذلك من معاناة ومآسي ... يناسب سمعة وتطور المغرب ويجعله ضمن الدول المتقدمة ؟
وأين تذهب المليارات التي تصرف على مشاريع تصريف مياه الأمطار؟
ومن الجهات المسؤولة عن تلك المشاكل المصاحبة لسقوط الأمطار؟
عبارت وجمل وأسئلة يتداولها المغاربة اليوم ، تبحث لها عن آذان صاغية وأجوبة مقنعة وتدابير ملموسة ، وقد حان الوقت ليجيب عنها كل واحد من موقع المسؤولية الملقاة على عاتقة .