امتلأت القاعة الصغرى للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، عن آخرها و جلس عدد من الضيوف، بينما وقف آخرون، من أجيال مختلفة و مستويات معرفية و اجتماعية متنوعة، ينتظرون قدوم عبد الله حمودي، الذي دعته منظمة حرية الإعلام و التعبير "حاتم" ليتحدث في لقاء مفتوح مع نخبة من الباحثين و الصحفيين و الطلبة و المهووسين بعلم اسمه الانثروبولوجيا. جلس محمد العوني، الوجه الأبرز داخل منظمة "حاتم" إلى ميكروفون التسيير، فقدم المفكر حمودي مستعملا لغة لا تخلو من السجع، راسما مسار ضيفه من خطوات الطفولة الأولى بقلعة السراغنة إلى مختبرات البحث بنيويورك و من مدرجات كلية العلوم الاجتماعية بالمغرب الى منابر التدريس بالهند و غيرها. استدار العوني يسارا جهة ضيفه فطلب منه، و الابتسامة تعلو محياه، اختزال مشروعه الفكري في 12 دقيقة، حتى يتسنى فسح المجال لأسماء منتقاة سلفا، طرح الأسئلة و التفاعل مع صاحب كتاب "الأضحية و أقنعتها". طَلَبُ العوني الموجه للمفكر و المتمثل في اختزال المشروع الفكري للضيف أضحك من في القاعة بمن فيهم الأنثروبولوجي و المسير نفسه. حمودي رد بأن المنظمين طلبوا منه إعداد ورقة في 20 دقيقة فاكتشف اختزالها الى ما هو أقل غير أنه ينوي استعمال الوقت المخصص له بمفهوم مغربي "الذي أشارك المغاربة فيه دون قدح" يقول المفكر و هو ما كان بالفعل. "السلام عليكم وعليكن أيها السيدات و السادة" هكذا بدأ ضيف "حاتم" ورقته التي تحدث فيها عن محورين أساسين أولها تجربته المعرفية و ما أحاط بها من ظروف و ثانيهما الآفاق النظرية التي وجهت عمله مقرونة بتطلعات المجتمع المغربي و شعوب المنطقة. تحدث حمودي عن الانثروبولوجيا التي ألهمته و الدرس الفلسفي الذي استهواه و اهتمامه بالتواصل مع المؤرخين و الوثيقة التاريخية. عبد الله حمودي قال أن تجربته كانت قاسية مع دوغمائية الستينيات خاصة تلك التي توصف بالوطنية و تحديدا ما وصفه المفكر بالدوغمائية الوطنية الاستقلالية التعادلية التي كانت تتحدث عن المغربة في وقت كان يسيطر فيه أعيان المدن الإقتصاد الوطني. من الحديث عن المدن انتقل عبد الله حمودي إلى القرى و خاصة قصور الجنوب الشرقي، على ضفاف واد درعة، حيث سرد الرجل بعضا من تفاصيل عمله في بداية مشروعه الفكري هناك و مخالط ته الناس بمختلف أعراقهم و لغاتهم و مستوياتهم الاجتماعية مكتشفا، كما قال، مساحات القصور في نظره و منهجه و عجزه إزاء تشخيص مفاهيم عديدة و تفسير ظواهر أكبر مما كان يتوفر عليه من أدوات. تحدث حمودي عن الثقافة و الرموز و أشار سريعا لموضوع الهويات و الدين و السياسة وابتسم أمام ذكريات الأبواب التي أُغْلِقت في وجهه و الصدور التي فُتِحت له ثم اختتم حضوره داخل قاعة، أضيق من مساره، بالتفاعل مع سؤال للصحفي محمد حفيظ حول حركة عشرين فبراير حيث قال حمودي "حركة 20 فبراير أظهرت شعبا أسميه شعب الشباب في المغرب .. شعب مختلف عن شعبنا، له مسارات و تطلعات مختلفة، توقعت منه شيئا، لم يكن بالدقيق، عندما كتبت أنهم شباب لن يقبلوا بالسلطوية و ذلك في خاتمة كتابي المعنون بالشيخ و المريد".