تحت يافطة حماية مبدأ الاحترام الواجب للملك والدفاع عن المقدسات تم الحكم على تلميذ الثانوية التأهيلية أبطاح بأيت ورير بنواحي مدينة مراكش بسنة ونصف نافذة بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك والمس بالمقدسات، كونه قام بكتابة الشعار الوطني للمملكة على سبورة الفصل الدراسي واستبدل اسم "الملك" بإفسي برشلونة فريق كرة القدم الإسباني. "" لقد أضحى من الواضح اليوم هوس الشباب المغاربة بدوري كرة القدم الإسبانية، وخاصة مباريات فريقي ريال مدريد وإفسي برشلونة، سواء التي تجري ضمن البطولة الإسبانية أو التي تجمع الفريقين بفرق أوربية في إطار عصبة الأبطال أو غيرها من المنافسات الأخرى. هوس وصل حد الجنون، فغالبية البيوت المغربية ذاقت من طعم هذا الهوس، داخل نفس البيت يمكن أن تلتقي بمناصر للريال وآخر للبارصا، داخل نفس البيت يمكن أن تقع عينك على قميص ريالي وآخر برصاوي، ملخص القول أن البيوت المغربية التي فشلت الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في دخولها نجح الفريقين الإسبانيين في ولوجها ومن أبوابها الواسعة، حتى المقاهي لما تدخلها تصادفك صور الفريقين الإسبانيين ملصقة على الجدران رفقة شعاريهما ولا شيء غير ذلك. إن هذا العشق الجارف الذي يسكن قلوب الشباب المغاربة لكرة القدم الإسبانية، لا يمكن تفسيره، بأي حال من الأحوال، بالخيبات المتتالية لكرة القدم المغربية وانتكاساتها، وإنما بالانبهار غير العادي بالآخر الذي أضحى في ذهنية هؤلاء الشباب مرادفا للخلاص من انسداد الأفق وانحسار الطموح داخل جغرافية الوطن العاجز عن ضمان أدنى شروط العيش الكريم للمغاربة أجمعين، وهو نفس الانسداد والانحسار الذي يدفع كل يوم الشباب المغربي لركوب قوارب الموت ابتغاء الرسو على شواطئ الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط حيث الفردوس المفقود. لو أن هذا التلميذ كان ينتمي لجيل السبعينيات أو حتى الثمانينيات، حيث الفترة الموسومة بسنوات الجمر والرصاص، لكنا قلنا أنه ينتمي لتنظيم يساري سري خطير معارض للنظام ويهدد وجوده، ولاعتبرنا ما قام به جزء من فعل سياسي ممنهج وممتلك لخلفيات أيديولوجية تسعى للنيل من الملكية واستقرار المملكة السعيدة. ولو أن هذا التلميذ استبدل أحد أركان الشعار الوطني باسم زعيم سياسي مُعادٍ للنظام أو يسعى لقلبه أو ينتمي لمعسكر حركات التحرر العالمية في زمن المد الأحمر لتشي جيفارا ورفاقه، لاعتبرنا ردة الفعل هذه طبيعية بالنظر لضرورات الصراع وشروط لعبه التي تحتم الرد بقوة على كل المحاولات المستهدفة للنظام وأساساته المتجذرة. إن القضية لا يمكن أن تختزل في فعل منفرد ومعزول عن المحيط الذي يتحرك داخله التلميذ، حيث تتعدى حدود الجرم العادي والفردي، وأبلغ حجة يمكن الاتكاء عليها هو وقوع الفعل داخل مؤسسة تعليمية، في حجرة دراسية، على سبورة خشبية سوداء صُنعت وعُلقت هناك على أحد جدران الفصل الدراسي كي يتهجى التلميذ المغربي الحروف الأولى للوطن ويتعلم كيف يعشقه ويحبه حتى حدود الموت لأجله لا هربا منه. كيف نطالب تلميذا مغربيا، فتح عينيه على علم وطني مغربي ممزق فاقد للونيه الطبيعيين الأصليين لا زال يرفرف فوق سطح المؤسسة، بالإيمان بروح ومضمون دروس التربية الوطنية التي لقنت له؟ كيف نطالب تلميذا مغربيا، ينام على لعنات متتالية للوطن ويستفيق على وابل من الشتائم لنفس هذا الوطن، بأن يعشق شيئا آخر غير نادي برشلونة؟ بقليل من الجرأة يمكن أن نقول أن المسؤولية يجب أن تطال كل من يقف خلف هذه القضية، بقليل من الشجاعة يمكن أن نقول أن التلميذ وقع ضحية فشل منظومة تربوية برمتها، بقليل من الإحساس بالمسؤولية يمكن أن نقول أن من يقفون خلف برامج ومخططات الإصلاح هم من ينبغي تقديمهم للمحاسبة بدلا من هذا التلميذ الضحية. كل الذين تعاقبوا على حقيبة وزارة التعليم مسؤولون اليوم، كل الذين شاركوا في تردي مستوى التعليم والتربية عليهم أن يساقوا للمحاكمة، فعشرون عاما من التجربة تكفي لأن نعترف بأن من زرعوا بالأمس يحصدون ثمارا فاسدة اليوم. يعرف معجم روبير Robert التربية بأنها "مجموع الوسائل التي بواسطتها نوجه نمو وتكوين الكائن الإنساني، وكذا النتائج المحصلة بواسطة هذه الوسائل"، وحيث أن الوسائل والنتائج تقع ضمن مسؤوليات الدولة، فإن التلميذ لا يمكن أن يتحمل وزر آخرين، إن إميل دوركهايم E.Durkheim يعرف التربية بقوله "إنها العملية التي تمارسها الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد النضج اللازم للحياة الاجتماعية". أما موضوعها فيحدده في أنه "إثارة عدد من الحالات الجسمية والفكرية والأخلاقية التي يتطلبها منه المجتمع السياسي في مجمله، والوسط الاجتماعي الذي يهيأ له بوجه خاص"، فالأجيال الراشدة حسب تعريف دوركهايم هي المسؤولة مباشرة عن تربية الأجيال غير الناضجة بما يكفي للاندماج في المنظومة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وفشل الجيل الراشد في مهمته لا يمكن أن نسقطه على الجيل غير الراشد. وكي نستطيع أن نتلمس أكثر حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المؤسسة التربوية، نستحضر قول جان جاك روسو وهو يعرف التربية بالقول أنها هي "إعداد الطفل ليصبح قادرا على ضبط حريته وعلى استعمال قوته في التعلم، وتكوين عاداته الطبيعية ليصير قادرا على ضبط نفسه عندما يقوم بعمل من الأعمال التي يأتيها بحرية من إرادته". فهل نجحت مؤسستنا التربوية في تمكين التلميذ من القدرة على ضبط حريته واستعمال مهاراته وقدراته في التعلم؟ لقد كان حريا بالمؤسسة التعليمية التي كانت مسرحا لواقعة التلميذ الضحية أن تهب وعلى وجه السرعة إلى تنظيم جلسات إنصات لفائدة التلميذ توفر لها أطرا متخصصة في علوم الاجتماع والنفس والتربية بدل أن تقدمه للقضاء تحت يافطة الإخلال بالاحترام الواجب للملك أو المس بالمقدسات. هذا هو الدور الحقيقي الذي كان يتوجب أن تضطلع به بدل أن تتقمص دور المخبر وتتنصل من مسؤوليتها الكاملة في القضية مثار النقاش. http://awraq-com.maktoobblog.com