قبل أن تلقى دفاتر التحمّلات الخاصّة بالقنوات التلفزيونية التابعة للقطب العمومي، معارضةَ مدراء هذه القنوات، الذين انتقدوها بشراسة بمجرّد الإعلان عنها، وهو ما أرغم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على نزعها من بين يديْ وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، ويضعها على مكتب وزير السكنى والتعمير (وسياسة المدينة آنذاك)، نبيل بنعبد الله، كانت دفاتر التحمّلات قد لقيت معارضة من داخل الحكومة، وتحديدا من طرف حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان ضدّ بعض مضامينها. هذا ما كشف عنه عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، محمد كرين، خلال الندوة الفكرية التي نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل صباح اليوم بالرباط، لتسليط الضوء على مشروع قانون المالية، مضيفا أنّ الحزب كان ضدّ بعض نصوص دفاتر التحملات، من قبيل ضرورة حضور رجل دينٍ في البرامج التلفزيونية المجتمعية. وعلى الرغم من أنّ قيادتي حزب التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية ما فتئتا تؤكّدان على وجود انسجام في الرؤى والمواقف بين الحزبين، وبين باقي مكونات الحكومة، إلاّ أنّ عضو مجلس رئاسة التقدم والاشتراكية أكّد على أنّ الأغلبية الحكومية، كما هو الحال بالنسبة للمعارضة، ليست منسجمة، ولدى أطرافها مقاربات مختلفة إزاء بعض القضايا. واستدلّ كرين بمشروع قانون المالية الذي يُناقَش تحت قبّة البرلمان، قائلا "قانون المالية ينطلق من خيارات فكرية ومشروع مجتمعي مشترك، ولن أخفي سرّا إن قلت إنّ حزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية لا يختلفان فقط في المقاربات، بل يختلفان حتى في تصوّر نموذج المشروع المجتمعي"، مضيفا "لا يجب علينا إخفاء الشمس بالغربال". الخطاب الذي تحدّث به محمد كرين، يكشف عن غياب الانسجام بين الحزبين، فعلى الرغم من أنّ الرجل ينتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية، أحد مكوّنات الأغلبية الحكومية، إلاّ أنّه أشار إلى أنّ مشروع قانون المالية لسنة 2014 "يتضمّن أشياء لا يجب أن تمرّ"، بل ذهب إلى المطالبة بتظافر جهود الجميع، من داخل الحكومة والبرلمان، للحيلولة دون مرور بعض مضامين المشروع، "لكونها تمسّ بالاستقرار الاجتماعي". ويبدو أنّ مشروع المالية للسنة القادمة، الذي ستتقدم به حكومة بنكيران إلى البرلمان للمصادقة عليه، لن يجد من يعارضه فقط في صفوف برلمانيي أحزاب المعارضة، بل حتى في صفوف برلمانيي حزب التقدم والاشتراكية، إذ قال محمد كرين إن أعضاء الحزب، سواء الذين في الحكومة أو المعارضة، سيحرصون على أن يكون قانون المالية في صالح الشعب، "ومن لم يدافع عن هذا الموقف، سواء كان في الحكومة أو البرلمان، عليه أن يتحمّل مسؤوليته خلال المؤتمر القادم للحزب سنة 2014"، واصفا مناقشة مشروع قانون المالية ب"المعركة". وأضاف "سنتقدم بمقترحات لتعديل مشروع قانون المالية، ونحن على استعداد، بالإضافة إلى المقترحات التي صُغناها، أن نناقش وننسّق مع كل القوى الحيّة في البلاد لكي نمنع دخول بلادنا في متاهات قد تؤدّي إلى المساس بالاستقرار الاجتماعي"، داعيا إلى عدم الانحناء أمام إملاءات المؤسسات الدولية، "صحيح أنّ هناك توازنات ماكرو-اقتصادية، لكن على الذين يوّجهون إلينا التعليمات من واشنطن أن يدركوا أنّ هناك توازنات أخرى، داخل بلدنا، يجب مراعاتها، قوامها الاستقرار الاجتماعي"؛ يقول كرين. إلى ذلك عادَ عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية للتذكير بأنّ الحزب عندما دخل إلى الحكومة وضع شروطا من أجل قبول الانضمام، من بينها "الوقوف ضدّ كل ما من شأنه أن يمسّ بالحريات الفردية والمشروع الحداثي"، مذكرا بالمعارضة التي أبداها الحزب تجاه مقترح كان قد تقدم به وزير العدل والحريات، على حدّ تعبيره، لتخفيض سنّ الزواج إلى 16 سنة، قبل أن يختم بالقول "نحن في نفس خندق القوى الحداثية والتقديمة، أينما كنّا، سواء داخل الحكومة أو المعارضة".