نستقبل سنة 2022، وكلنا أملٌ في مستقبل مشرق لمنظومتنا التربوية وبالنجاح والتوفيق لكل الفاعلين في القطاع، نظرا لإيماننا بقدرة المدرسة العمومية المغربية على القيام بدورها، ليس التعليمي فقط، ولكن التربوي والتثقيفي والاجتماعي وكذا الاقتصادي. في تقييمنا التربوي لسنة 2021 سنقف على عناوين كبرى خصوصا ما شكل إكراها في المنظومة، بغية الدفع بعجلة الإصلاح، باعتبار المدرسة شأنا مجتمعيا وأن الإعلام فاعل لا يمكن تجاهله خصوصا المتخصص في الشأن التربوي. أول ما كشفته لنا سنة 2021 وقبلها 2020، إن كان ذلك يحتاج إلى كشف وتأكيد، هو الحاجة إلى دخول التعليم المغربي العالم الرقمي، وأول الآلام هو إرغامنا من طرف جائحة كورونا على برمجة واتباع "التعليم عن بعد"، وما خلفه وما يمكن أن يخلفه من "ضحايا" في صفوف الناشئة، نظرا لعدم تحقيقه للأهداف المرسومة مقارنة مع التعليم الحضوري، وهو ما ذهبت إليه تقارير رسمية كتلك الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط وكذا تصريحات المسؤولين. ورغم أن الوزارة كانت سباقة إلى الأمر باعتماد ما جاء يه برنامج "جيني" كتجسيد للاستراتيجية الوطنية لتعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال في مجال التربية والتكوين في كافة المدارس المغربية، وكانت انطلاقته الفعلية من خلال مخطط عمل يمتد من سنة 2006 إلى 2008، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: البنيات التحتية والتجهيز، تكوين المدرسين والموارد الرقمية بإحداث مختبر وطني للموارد الرقمية وإنشاء بوابة رقمية وطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصال في المجال التربوي. ورغم كل هذا كشفت مختلف الدراسات، وكذا بعد تعاطينا للتعليم عن بعد خلال الجائحة، أن جل أهداف المخططات العملية لبرنامج جيني لم يتم تحقيقها وتظل ضعيفة جدا كما وكيفا. وبعيدا عن مستجد "ألم" الجائحة على المستوى التعليمي، فالسؤال الذي يستوجب طرحه اليوم وأكثر من أي وقت مضى، ودون الخوض في التفصيل أكثر عن الآلام والآمال بمعنى الحديث عما تحقق وما لم يتحقق هو: ما الذي يقع في ملف التربية والتكوين؟ بمعنى آخر الإجابة عن أسئلة متفرعة عن هذا السؤال من قبيل: ماذا تحقق من مشاريع الرؤية الاستراتيجية التي تروم مدرسة جديدة من أجل مواطن الغد؟ كيف تم تنزيل الرافعات والمشاريع المندمجة للمجلس الأعلى للتعليم وكذا الأحكام والمراسيم التنظيمية للقانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي؟؟ وأيضا ماذا عن تقييم بعض المشاريع التي بدأ تنزيلها منذ 2015؟ هناك أيضا المشاريع السبعة الملتزم بها أمام صاحب الجلالة، إذن ماذا تحقق منها؟ هذه بعض الأسئلة التي "تؤلم" لأن انتظارنا انتهاء 2030 ثم نبدأ في التباكي والتقويم، كما جرى في تجارب سابقة، لا شك سيرهن مستقبل المغرب بكامله وليس فقط الأجيال المعايشة لهذه المرحلة. موضوع آخر يؤلم هو عدم إخراج نظام أساسي منصف وعادل كفيل بامتصاص الاحتقان الذي تعرفه الساحة التعليمية، أيضا ألم كبير يتجلى في موقع المغرب في الاختبارات الدولية المتعلقة بالقراءة والعلوم والرياضيات، كذلك الجرح العميق الذي يخلفه انتشار بعض السلوكات المشينة كالاعتداءات على الشغيلة وعلى التلاميذ ثم انتشار المخدرات بالمؤسسات التعليمية ومحيطها، كما أبرزت الأمر الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي خلال 30 من نونبر الماضي، هناك كذلك عدم تقييم تجربة البكالوريا المهنية والدولية التي راكمت ما راكمت وحان الوقت لبسط ومعرفة المخرجات. هذه الآلام لا شك تحولت عند الكثيرين إلى آمال فتحت أفقا للتفكير من أجل الخوض فيها ليس تشخيصا وإنما علاجا لها ولمجموعة من المؤشرات المهمة التي ما زالت تراوح مكانها إن لم تكن تراجعت، وهي محط متمنياتنا وآمالنا جميعا لسنة 2022: كمؤشرات تحسين مردودية وجودة نظام التربية والتكوين والمردودية الداخلية للمنظومة وتحسين، إصلاح ملف التوظيف والترقيات، الإسراع بإخراج المراسيم التنظيمية للقانون الإطار، تعميم التسجيل في التعليم الأولي وتبسيط شروط فتح مؤسسات هذا النوع من التعليم وإشراك الجماعات المحلية، إقرار مبدأ تكافؤ الفرص ليس كشعار ولكن كإجراء عملي، مراجعة نظام التقويم والامتحانات، إصلاح نظام التوجيه، خلق مرصد وطني للقيم يسهر على تتبع مختلف الإشكالات المرتبطة بالقيم، وضع ميثاق أخلاقي لمهنة التدريس... كما يمكن أن نجزم أنه في مقابل هذا، مؤشرات تحسنت كنسب النجاح وعتبات الانتقال ومراجعة البرامج والمناهج والاهتمام بالتميز وفتح ملف التوجيه وملف الفرصة الثانية والجيل الجديد وتعميم برنامج "تيسير". ودون الدخول في تفاصيل كثيرة يمكن الجزم على أن سنة 2022 يجب أن تكون سنة الحزم والتفعيل الحقيقي لمجموعة من الالتزامات والإجراءات بعيدا عن لغة الخشب، وذلك بتفعيل الحكامة التربوية واتباع تدبير استراتيجي يرقى من مستوى التشخيص والتصور إلى مستوى الأجرأة والتنزيل الأمثل، وهذا لن يتأتى إلا بتوفر أربعة شروط لا محيد عنها: أولا انخراط الدولة بجميع القطاعات والمؤسسات، ثانيا إشراك مكونات المجتمع في هذا الإصلاح وفي تفعيله، ثالثا توفير الموارد المالية والبشرية الضرورية لتحقيق الأهداف، رابعا تحفيز جميع مكونات المجتمع المدرسي على الانخراط في هذا الورش.