سعيا منا في ملحق «المساء التربوي» إلى الانفتاح على جميع الحساسيات النقابية المتواجدة بالساحة التعليمية، ونقل آرائها وتصوراتها لواقع المنظومة التربوية والقضايا المتعلقة بها، نلتقي في هذا العدد مع الأستاذة فاطنة أفيد الكاتبة العامة للمنظمة الديمقراطية للتعليم، المنضوية تحت لواء المنظمة الديمقراطية للشغل، التي تحدثت فيه عن مجموعة من القضايا الآنية في القطاع، وعن علاقة نقابتها بوزارة التربية الوطنية، وتصور نقابتها لإصلاح المنظومة التربوية . - بداية أستاذة نود لو تطلعونا على تقييمكم الحالي لواقع المنظومة التربوية، خاصة في مرحلة تدبير السيد رشيد بلمختار لوزارة التربية الوطنية، وباستحضار ما جاءت به آخر التقارير في المجال؟ يكفي الاطلاع على تقارير كل المؤسسات الوطنية والدولية لثقف على حجم الكارثة، فعلى سبيل المثال لا الحصر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2012، يصف واقع التعليم بالمغرب بأنه نظام تربوي ضعيف ينتظر الإصلاح. وأن المغرب سجل تأخرا في الترتيب حسب مؤشر التنمية البشرية المحدد من قبل برنامج الأممالمتحدة للتنمية، منتقلا من الرتبة 124 في 1980 إلى الرتبة 131 في 2005، ليصل إلى الرتبة 146. إن الاختلالات التي يعيشها قطاع التعليم يمكن إرجاعها لعدة أسباب، من بينها ربط إصلاح المنظومة التربوية بالولاية الحكومية، الشيء الذي يلغي منطق التراكمات الإيجابية، ويجعل مسألة الإصلاح مرتبطة بولاية وزير معين يبدأ من الصفر. هناك كذلك غياب المقاربة الشمولية والمندمجة للإصلاح، ووضع استراتيجيات إصلاحية قصيرة المدى، ما ينتج عنه عدم استقرار المنظومة التربوية، هناك غياب المقاربة التشاركية في وضع وتنزيل الإصلاح مثل ماحدث مع البرنامج الاستعجالي وبيداغوجية الإدماج وبرنامج مسار اليوم الذي سقط مثل الطائرة على رؤوس الجميع .هناك أيضا غياب تفعيل التعبئة الاجتماعية لإنجاح الأوراش الإصلاحية وضعف التواصل والتنسيق على المستويين العمودي والأفقي. وضعف القدرات التدبيرية للمسؤولين لمسايرة فلسفة وأهداف الإصلاح التربوي، وكذا محدودية آليات المواكبة والتأطير على المستويين الجهوي والإقليمي لتنفيذ أهداف الإصلاح وتنزيله على أرض الواقع، وغياب لنظام الأولويات الوطنية والجهوية والإقليمية ونظام تقييم وتتبع مسار الإصلاح التربوي. إن الهياكل التنظيمية للأكاديميات والنيابات والمؤسسات التعليمية لا تساير المشاريع المتضمنة في الإصلاح، كما أن وزارة التربية الوطنية تعتمد على أرقام المديريات التابعة لها والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات. علما أن الظروف والإمكانات والسياسة التي تشتغل في ضوئها لا تسمح بتزويد الأجهزة المركزية بتقارير ونسب دقيقة وموضوعية للإنجازات. الإغفال التام للدور الجوهري للمؤسسة التعليمية باعتبارها النواة الأساسية للتعليم، عدم انسجام وملاءمة المؤشرات الوطنية أو الغايات الكبرى من الإصلاح للجاهزية المادية، وتوفر الموارد البشرية والتركيز على الجانب الكمي على حساب الجوانب النوعية، غياب ربط المحاسبة بالمسؤولية. عدم إيجاد حل تربوي مناسب للإشكالية اللغوية القائمة بين التعليم الثانوي الذي تدرس فيه المواد العلمية بالعربية، وبين التعليم الجامعي الذي يلقن في جميع المواد باللغة الفرنسية. - كيف هي علاقتكم مع وزارة التربية الوطنية وماهي سبل تواصلكم معها؟ سبق ووضعنا ملفا كاملا بوزارة التربية الوطنية يتضمن تصورنا كنقابة تعليمية حول إصلاح المنظومة التربوية، وباشرنا الحوار مباشرة مع الوزير السابق حول الملف المطلبي في شموليته، وتمت تلبية بعض المطالب الجزئية، وبالمناسبة نستنكر لجوء الوزارة إلى منطق الإقصاء وعدم فتح حوار مع منظمتنا كنقابة قانونية مناضلة تتوفر على أطر وكفاءات علمية، ولها وصل إيداع وجددت هياكلها في الوقت القانوني، فلا يعقل أن نشتغل وفق مزاج الوزراء هناك من يستقبلنا وهناك من يتذرع بالتمثيلية، رغم أنه لا يوجد أي بند في القانون ينص على أن الوزارة ستستقبل من لهم تمثيلية فقط، فأين نحن من روح الدستور الذي ينص على اعتماد المقاربة التشاركية، بعيدا عن المنطق الأكثر تمثيلية المفترى عليه. ففي منظورنا لا يمكن معالجة مشكل التعليم بمعزل عن باقي المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن معالجته يجب أن تكون شاملة وواقعية ومتكاملة ومندمجة، بحيث تكون المدرسة في قلب المجتمع، والمجتمع في خدمة المدرسة، ضمن نسق تفاعلي تواصلي أفقيا وعموديا، بشكل يمكن المدرسة بأن تؤدي وظائفها التربوية والمجتمعية على أحسن وجه، وتحسين الظروف المادية والاجتماعية للشغيلة التعليمية ... - ما هي في نظركم الملفات التربوية التي تعتبرونها ذات أولوية ولا تحتمل التأخر من أجل إصلاح المنظومة التربوية، وكذا الملفات المطلبية العاجلة للشغيلة التعليمية؟ توفير بنيات استقبال كافية ذات جودة عالية، وتوفير العدد الكافي من الأطر الإدارية والتربوية، والعمل على ضمان الاستقرار الاجتماعي والنفسي للأسرة التعليمية، وتحسين أوضاعها الاجتماعية والمادية والمعنوية. والتركيز على واقع التعليم بالوسط القروي وشبه الحضري، لما يعرفه من اختلالات عميقة من قبيل ارتفاع ظاهرة الانقطاع وتناسل الأقسام المتعددة المستويات وتدني مستوى جودة التعلمات، وإحداث نظام للتكوين الأساسي والتكوين المستمر للجميع. وإقرار ترقية استثنائية لأفواج 2003 إلى 2014 مع اعتماد نسبة 50% بالنسبة للترقية بالاختيار، وتحديد 4 سنوات فقط لاجتياز الترقية بالامتحان، مع اعتماد النزاهة والشفافية، زيادة درجة إضافية في سلم الترقي بالنسبة لكل الفئات التعليمية عملا بمبدأ ثلاث ترقيات في المسار المهني، ترقية كل الأساتذة المستوفين لأقدمية 25 سنة من العمل إلى السلم 11 بأثر رجعي إداري ومالي لاقتراب أغلبهم من التقاعد. تمديد العمل بالترقية بالشهادة مع المطالبة بتغيير الإطار إلى أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، إحداث إطار لكل الأطر الإدارية مع الزيادة في التعويضات عن الأعباء الإدارية واحتساب التعويضات في معاش التقاعد وتعميمها لتشمل الملحقين، بالإضافة إلى خلق تعويض إضافي لمديري المؤسسات المتوفرة على الأقسام الداخلية، التراجع عن الساعات التضامنية وتقليص ساعات العمل، مع إحداث طاقم إداري بالابتدائي، وخلق منصب الناظر بالإعدادي، وتحديد عدد التلاميذ بالنسبة للحارس العام في 400 تلميذ و 200 للملحق التربوي. ولابد كذلك من تعميم التعويض عن العمل بالعالم القروي بالنسبة لجميع العاملات والعاملين به، بعيدا عن كل الإجراءات الإقصائية والالتفاف على هذا المطلب الذي يحفز الأسرة التعليمية على الاستقرار بالبوادي والقرى ...مع إعادة النظر في المذكرة الإطار للحركات الانتقالية، وخصوصا تلك المعايير المجحفة التي أعطت امتيازات كبيرة لفئات على حساب أخرى. - نود أن نعرف موقفكم من احتجاجات الأساتذة حاملي الشهادات، باستحضار أن الوزارة تشهر ورقة القانون في وجه الملف ؟ بعيدا عن الإشاعات والأكاذيب. فنحن في المنظمة الديمقراطية للتعليم وكذلك مركزيتنا النقابية المناضلة المنظمة الديمقراطية للشغل، تابعنا هذا الملف منذ اندلاعه مع التنسيقية الأولى سنة 2011التي سويت وضعيتها بعد سلسلة من النضالات في مدينة الرباط كذلك، إن التنسيقيتين الوطنيتين للأساتذة المجازين وحاملي الماستر المقصيين من الترقية بالشهادة، هما تنسيقيتان تضمان مختلف الأساتذة، سواء المنتمين للنقابات بكل أطيافها أو غير المنتمين، همهما الوحيد هو النضال من أجل استرجاع حق الترقية لفائدة الأستاذات والأساتذة حاملي الشهادات( الإجازة والماستر) .كما يعلم الجميع فالنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية (مرسوم رقم 2.02.854 يوم 10 فبراير 2003) خصوصا في جزئه الثامن وبالتحديد في المادة 108 جاء ليمدد الترقي بالشهادات بصفة استثنائية في غضون خمس سنوات ابتداء من تاريخ صدور المرسوم بالجريدة الرسمية، وبناء عليه لم تعد الوزارة تستقبل ملفات الحاصلين على الشهادات الراغبين في الترقية منذ 13 فبراير 2008 . لكنها تراجعت وفتحت الترقية بصفة استثنائية إلى غاية 31 دجنبر 2011، وفي 23 دجنبر 2011 جاء المرسوم رقم 2.11.672 في شأن إحداث وتنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والذي بموجبه أصبح المتخرجون من هذه المراكز يرتبون مباشرة في السلم العاشر ابتداء من 2014 ، مما يعني انقراض السلم التاسع من سلم الأجور بالنسبة لقطاع التعليم. - تعتزم الحكومة الحالية اتخاذ بعض الإجراءات لإصلاح منظومة التقاعد، وبطبيعة الحال، في حال تطبيقها سيكون نساء ورجال التعليم معنيون بها، ما موقفكم الحقيقي من وضعية صناديق التقاعد، وما السيناريوهات التي تقترحونها لإصلاحها وتجاوز وضعيتها الحرجة كما رصدها المجلس الأعلى للحسابات؟ إن الحكومة الحالية لا تتوفر على أي مقاربة اقتصادية ومالية شمولية تحقق مناعة الاقتصاد الوطني ضد التقلبات على المستوى الدولي. والهجوم على أنظمة الحماية الاجتماعية وعلى رأسها نظام التقاعد، الذي كان حريا بالسيد رئيس الحكومة أن يفتح تحقيقا حول الاختلاسات التي تعرضت لها كل الصناديق، والعمل على إرجاع كل الأموال المنهوبة عوض الهجوم مرة أخرى على الطبقة العاملة وعموم المأجورين بمحاولة الزيادة في سن التقاعد، والإجهاز على حقوق الموظفين والعمال، إن الحكومة الحالية انتهجت أسوأ الاختيارات وكرست ثقافة الريع واقتصاد الامتيازات والإعفاءات الضريبية والتملص الضريبي، فضلا عن ضعف الحكامة ومنهجية التدبير وغياب الشفافية في المعاملات وفي طريقة صناعة القرارات الاقتصادية والمالية، إضافة إلى التبعية المفرطة للخارج والخضوع إلى إملاءات المؤسسات المالية الدولية من قبيل البنك الدولي. لهذا فصندوق التقاعد لا يحتاج إلى إصلاح بل يحتاج إلى إرجاع الأموال المنهوبة وسيحل المشكل.