برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    الحكومة تعفي استيراد الأبقار والأغنام من الضرائب والرسوم الجمركية    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية        إسرائيل: محكمة لاهاي فقدت "الشرعية"    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله        بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية تسوية الحدود المغربية - الجزائرية
نشر في هسبريس يوم 02 - 11 - 2013

- قراءة في موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية 1961-
منذ احتلال منطقة المغرب الكبير، عمدت الدول الاستعمارية إلى خلق مشاكل حدودية بين هذه الدول، ولم يسلم المغرب والجزائر من هذه المشاكل، بحيث أن فرنسا وبعد دخولها للمغرب والجزائر عمدت إلى تقسيم أراضي التابعة للتراب المغربي وإلحاقها بالجزائر.
وفي هذا السياق قامت الحكومة المغربية (الحسن II) والحكومة الجزائرية المؤقتة (فرحات عباس) إلى عقد اتفاقية لتسوية الحدود المغربية الجزائرية (9 شتنبر 1961). فقد نصت هذه الاتفاقية على أن المغرب سيساند الشعب الجزائري في معركته ضد الاستعمار، والدفاع على وحدته الوطنية، وسيعارض أي تقسيم للتراب الجزائري، وبالمقابل تعترف الحكومة الجزائرية بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة سيوجد لها حلا بواسطة المفاوضات بين الطرفين لكن بعد استقلال الجزائر ظهرت مجموعة من التطورات على أرض الواقع، بحيث قامت الحكومة المغربية بمطالبتها بتنفيذ الاتفاقية المبرمة بين الجانبين، لكن تعذر عليها ذلك، بسبب تغير المواقف الجزائرية التي أصبحت ترى أن الاتفاقية المبرمة لم تعد صالحة، وبالتالي أقرت الجزائر بأن المغرب تجاهل مجموعة من الحقائق باعتبار أن الحقوق التاريخية لمغربية الأراضي قد تجاوزها الزمن، إضافة إلى أن منظمة الوحدة الإفريقية اعتمدت مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار...
بعد أن أصبحت الجزائر تتمسك بالأراضي التي تركتها فرنسا باعتبارها الحدود الأصلية، متجاوزة الاتفاقية المبرمة ليتشبث المغرب بدوره بحقه التاريخي في الأراضي المقتطعة.
من هنا برز بشكل جلي هذا النزاع ، خصوصا بعد هجوم القوات الجزائرية على مناطق تابعة للتراب المغربي (الصحراء الشرقية) ليدفع الحسن الثاني إلى إرسال برقية إلى بن بلا : يقول فيها ".... ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات، وجميع الأوضاع بجميع الوسائل اللازمة." لتتطور الأوضاع وتنشب ما سمي بحرب الرمال.
فإلى أي حد كان موقف الحسن II صائبا ؟ وهل كانت أمامه خيارات أخرى ؟.
ستنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها أن الموقف الذي اتخذه الحسن II لم يكن في محله من جانب، بحيث اثر على العلاقات المغربية الجزائرية لينتقل التأثير إلى وحدة المغرب العربي، وبالتالي وضع عائق أمام بناء الوحدة المغاربية، ومن جانب آخر كان موقفه ضرورة ملحة، وهذه الأخيرة نابعة من الدستور المغربي، الذي ينص في الفقرة الأخيرة من الفصل 19 ( هدا الفصل الذي استنسخ في الفصلين 41 و 42 من دستور 2011 ) أن الملك هو : "الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ليعطي للصراع أبعاد أعمق من هذا كان سببه الاختلاف الاديولوجي للنظامين، لأن العالم في تلك الفترة كان عالما ثنائي القطب، فإن المغرب القوي بدولته وشرعية التاريخية، وكقوة إقليمية، ذات توجه ليبرالي، اصطدم بالجزائر ذات التوجه الاشتراكي التي أصبحت تتطلع إلى الزعامة والقيادة في المنطقة المغاربية.
ومن هنا يمكننا أن نطرح مجموعة من الأسئلة الفرعية نحاول من خلالها الإجابة على الإشكال المطروح.
1- ما هي بوادر بروز هذا الصراع ؟
2- ما هي الخلفيات السياسية التي أطرت موقف الحسن II ؟
3- ما هي أبعاد التي خلفها هذا النزاع ؟
أولا : بوادر بروز النزاع المغربي الجزائري:
منذ القرن الرابع عشر، بدأت منطقة المغرب العربي تتعرض للتجزئة اثر الهجمات الأيبيرية على سواحله، خصوصا منها الاحتلال البرتغالي لشواطئ المغرب، ثم الاسباني فيما بعد، كما أن الاستعمار العثماني زاد من تعميق هذا التقسيم، وذلك بتقنينه للحدود في مفهومها السياسي. الشيء الذي ترتب عنه تمزيق الوحدة الوطنية للمغرب العربي وأبعد الاندماج بين مكونات هذا القطر.
وعلى أساس هذه التطورات، ركز المغرب على ضرورة وحدته الترابية، تلك الوحدة التي لم تستطع الدول المتعاقبة على حكم المغرب (الدولة المرينية، الدولة الوطاسية) أن تحافظ عليها بسبب الصراعات الداخلية والخارجية. وضمن هذا السياق المتسم بتمزيق الإطار الجغرافي للمغرب العربي، سلكت السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر منذ أواسط القرن 19 منهجية الاقتطاع والضم، وبمحاولة منها (فرنسا) خلخلت توازنات دول المغرب العربي، محاولة بذلك زرع بذور الصراع على المدى البعيد، بحيث عمدت إلى اقتطاع بعض الأراضي المغربية وإلحاقها بالجزائر.
فقد كانت هناك خلفيات وأبعاد إستراتيجية، دفعت فرنسا لتنهج هذه السياسة (سياسة الضم) معتبرة أن الجزائر ستظل تحت سيطرتها، بل أبعد من ذلك اعتبرتها مقاطعة تابعة للأراضي الفرنسية، وان كل اقتطاع من أراضي المغرب وضمها للجزائر ستصبح أراضي تابعة لها، في حين كانت تدرك أن المغرب سيستقل يوما، لتعطي المقاومة المغربية أكلها ويستقل المغرب سنة 1956، وليظل يساند المقاومة الجزائرية بكل الوسائل. وقد كانت فرنسا تقترح على المغرب بين الفينة والأخرى، تسوية مشاكله الحدودية مع الجزائر، إلا أنه كان يرفض الخوض في الموضوع، مرجئا ذلك حتى حصول الجزائر على استقلالها. بعد ذلك يمكن تسوية خلافهما الحدودية بطريقة ودية. في سياق محاولة المغرب استكمال وحدته الترابية، طالب الحكومة الجزائرية تسوية مشكل الحدود بتنفيذها لمقتضيات الاتفاقية المبرمة بين الحسن II وفرحات عباس (رئيس الحكومة المؤقتة أنداك) (2/9/1961) – اتفاقية سرية طفت بعد حرب الرمال 1963) لكن هذه الأخيرة طالبت الإمهال بعض الوقت إلى حين تخلصها من الاستعمار...
وبعد الإعلان عن استقلال الجزائر 5/7/1962 واصلت الحكومة المغربية مطالبتها للمسؤولين الجزائريين بهدف الإسراع بفتح مفاوضات حول الموضوع الحدودي، وتكررت هذه المطالب في عدة مناسبات، كاللقاء الذي جمع الحسن II بالرئيس بن بلا خلال مارس 1963، إلا أن الرد الجزائري الدبلوماسي جاء منافيا لالتزامات الجزائر اتجاه المسألة الحدودية مع المغرب، وذلك بتسويتها مباشرة بعد الاستقلال.
وفي هاته الفترة (فترة حكم بن بلا) حاولت الحكومة الجزائرية إفراغ المطالب المغربية من مشروعيتها رغم وجود أدلة دامغة بحق المغرب في أرضه، لتلجأ الجزائر إلى وضع تبريرات لإخلالها بتنفيذ مقتضيات الاتفاقية : كالظروف التي أبرمت فيها الاتفاقية باعتبارها ظروف خاصة، وأن الحكومة المؤقتة لم تكن تمارس سوى اختصاصات محدودة، لتتمادى في إعطاء تبريرات أخرى معتبرة أن المجلس الوطني للثورة الجزائرية لم يصادق على هذه الاتفاقية.
ومن هنا يتضح أن الجزائر كانت لها إستراتيجية واضحة بحيث اعتمدت سياسة منع الوعود والإمطال في الوفاء بالتزاماتها لمنع المغرب في الدخول في مفاوضات مباشرة مع فرنسا على حسابها – فربما قد كان المغرب سيسترجع على الأقل جزء من أرضه – الشيء الذي لم يخدم هذه الأخيرة التي ورثت جزائر أخرى غير التي كانت قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي هذا السياق أدرك الحسن II أن الجزائر غيرت موقفها بتملصها من تنفيذ الاتفاقية، وأصبحت تتمسك بالحدود المورثة عن الاستعمار معتبرة إياها الحدود الشرعية للدولة الجزائرية. ومن جهته فالمغرب أيضا ضل يتمسك بأطروحة الحق التاريخي لمغربية الأراضي المغتصبة.
ثانيا : الخلفيات السياسية للحسن II
إن الخلفيات السياسية للحسن II كانت تختلف على حسب الوضع السياسي القائم، والمحدد للنزاع، فحينما كانت الجزائر تحت الاستعمار وتتلقى الدعم الرسمي والشعبي من المغرب، برزت خلفية الحسن II الوحدوية وهي من بين الأسباب التي جعلته يوقع على هذه الاتفاقية، وظهر هذا جليا من خلال خطبه وندواته ، في حين تغيرت هذه الخلفية بعد تغير موقف الجزائر من قضية تسوية الحدود بعد هجومها على الأراضي المغربية والتي حملت طابعا دستوريا دفعته إلى تبنى استراتيجية الدفاع على حوزة الوطن.
في الوقت الذي أبدى فيه الملك نيته مع بن بلا، باعتبار أن الجزائر لا يمكن أن تتنصل من التزاماتها اتجاه المغرب فيما يخص مشكل الحدود خصوصا بعد المساندة الرسمية والشعبية للمقاومة الجزائرية.
فقد بدأت تتلاحق الإنباء الواردة من الجزائر بشن الحكومة الجزائرية حملة تشهير وقذف على المغرب متهمة إياه بدعم ثورة القبائل الجزائرية وبالسعي بإخلال التوازن داخل البيت الجزائري.
وتعامل الحسن الثاني مع هذه الاتهامات بتعقل ورزانة سياسية لتفادي نشوء الصراع بين الدولتين واحتواء الأزمة، ليتم التوصل إلى بلاغ مشترك أطلق عليه بلاغ الوفاق. ينص به عدم التدخل في شؤون بعضهما.
في هذه الظروف استيقظ المغرب على مهاجمة الجيش الجزائري غدرا لمركزي "حسي بيضا" و"تنجوب" على الحدود المغربية الجزائرية، ولم يكن حولهما نزاع، بل كانا خاضعين للتراب المغربي.
وبعد هذا الهجوم عقد الحسن الثاني مؤتمر بمراكش بين فيه ظروف هذا الاعتداء فقال : "لم يترك المهاجمون الجزائريون للمغاربة الموجودين بالمركزين المعتدى عليهما أي حظ للخروج قبل قصفهما واحتلالهما وفعلوا ذلك بدون إشعار مسبق..." وأضاف أيضا :"أمام هذا الهجوم الغادر لم يكن لدي سوى خيارين : أن يتسم رد فعلي بالقلق والانفعال أو بالتعقل والاتزان ووضعت راسي بين يدي متسائلا : من المستفيد من هذه الجريمة ؟ هل يعقل أن يعمد بن بلا إلى القيام بهذا الهجوم وهو يعاني من مشاكل داخلية".
و قد اتضح من خلال هذا المؤتمر أن الحسن الثاني وضع أمام خيارين إما أن يبادر بالرد أو يتزن، ويحاول معرفة من المستفيد من هذا الهجوم، خصوصا أن الجزائر كانت تعيش صراعات داخلية على السلطة وان اتخاذ الخيار السريع (الحربي) قد يؤدي إلى إدخال العلاقات المغربية الجزائرية خندق ضيق قد يؤدي إلى خلخلة التوازنات في منطقة المغرب العربي.
وقد تكررت الهجومات مرة أخرى، وهذه المرة على مركز "إش" ليصل الأمر إلى الجزائر إلى استعراض عضلاتها داخل التراب المغربي مخترقة السيادة المغربية. الشيء الذي دفع الحسن الثاني إلى إرسال برقية للرئيس بن بلا يحتج فيها عن العدوان ومخاطبا بذلك الضمير الجزائري بقوله : "بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن تقدروا حجم العدوان المرتكب، وان لا تحسبوا عواقبه. أن الاتجاه الذي يبدوا أن الجزائر تسير في وجهته لن يساعد بالتأكيد على خلق جو ملائم للبحث عن حل مشاكلنا عن طريق التفاوض والحوار... ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل اللازمة"
لكن الجانب الجزائري لم يكترث ولم يقدم على أي خطوة سوى تعنته وإصراره على المواجهات الحربية، ليجد الحسن الثاني نفسه مضطرا إلى الدفاع على حوزة التراب المغربي، وهذا الاضطرار نابع من مرجعية دستورية.
ومن جهة الجزائر وبعد استقلالها نفت أي وجود لأراضي مغربية "الصحراء الشرقية" في الجزائر معتبرة أن الملف طوي نهائيا. وان مشكل الحدود هو ذريعة اتخذتها السلطات المغربية لشن هجومها العسكري واحتلال الجزائر.
وقد أكد الباحث الجزائري الدكتور محيي الدين، أن المغرب تجاوز ثلاث حقائق دامغة :
الأولى : أن الحقوق التاريخية نظرية تجاوزها الزمن واتبتت كاريتيتها في الصومال والكويت، والثانية : أن منظمة الوحدة الإفريقية التي كان المغرب عضوا مؤسس لها اعتمدت مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستقلال، والثالثة : هي أن المغرب وقع مع الجزائر اتفاقيتين لترسيم الحدود النهائية بينهما كانت أولها اتفاقية للامغنية 1845 والتي استكملت باتفاقية الرباط 1972 وشهد توقيعها أكثر من 40 رئيس دولة.
ونتيجة للموقف الجزائري تطورت الاشتباكات المسلحة الجزئية التي بدأت بين قوات البلدين منذ غشت 1962 إلى حرب رمال فعلية خلال شهر أكتوبر 1963 دارت على حدود فكيك إلى بشار شمال تندوف.
فما هي الأبعاد الذي خلفها هذا النزاع ؟
إن الملاحظ لتطورات الأحداث بين المغرب والجزائر سيعير اندلاع حرب الرمال إلى مشكل الحدود، لكن هناك متغيرات اخرى مفسرة :
يرى بعض الباحثين الجزائريين أن من الأسباب الجوهرية لاندلاع هذا النزاع هو التعارض في شكل الأنظمة السياسية والتوجه الإيديولوجي للبلدين.
هل هذا معناه أن التوجه الليبرالي المغربي كان مدعو للتصادم والصراع مع الإيديولوجية الاشتراكية الجزائرية ؟ أو العكس ؟.
مبدئيا يمكن الجواب بنعم لأن العالم في تلك الفترة كان عالما تنائي القطب، فإن المغرب القوي بدولته وشرعيته التاريخية، وكقوة إقليمية ذات توجه ليبرالي ناشئة بالمنطقة أو على تعبير الحسن الثاني : "لم أكن أسعى إلى مزاحمة الجزائر، ولكن لم أكن أقبل أن تزاحمني، إني أريد أن يقوم بيننا تعاون...".
وعلى الواجهة الأخرى فإن الجزائر التي لم تولد إلا من خلال 130 سنة من الاحتلال الفرنسي، من خلال حرب تحريرية وطنية قادتها إلى الاستقلال، متباهية برصيدها النضالي التحرري وخطها الاشتراكي. فقد أصبحت تتطلع إلى قيادة المنطقة المغاربية.
إن هذه المعادلة العلائقية التي تغذيها اعتبارات الزعامة واختلاف اللون الإيديولوجي ولد لدى الطرفين شعورا مرهفا بالمزاحمة والتخوف المتبادل، كان كفيلا بدفع الطرفين إلى المواجهة المسلحة. وهكذا وبعد الضربة العسكرية التي تلقتها الجزائر والتي دفعتها إلى الاستعانة عسكريا بمصر ليخوض الطرفان بتزامن مع هذه الحرب العسكرية حربا إعلامية وإيديولوجية ، لينكشف بعد ذلك بعدا آخر من أبعاد النزاع توج الصراع إلى مستوى أعلى. فالمغرب غدا إلى الجزائر دعمها الفعال لمنفذي انقلاب صيف 1963، واعتبر الحسن الثاني إن الذي يهم بن بلا ليس "حاسي بيضا" ولكن النظام الذي اختاره المغرب.
أما من جهة الجزائر فقد ذهبت وسائل إعلامها إلى التأكيد أن الاشتراكية هي التي تقلق ملك المغرب.
إن عمق الاختلاف الذي وصل إليه الطرفين جعل أسلوب التفاوض الجدي غائبا إن استثنينا بعض اللقاءات الجافة، وخصوصا ان الجزائر تعمد دائما على محاولتها لإعادتها هاته العلاقات إلى النفق المسدود (إغلاق الحدود).
ثالثا : تقييم الموقف
إن هذا الموقف الذي اتخذه الحسن الثاني لم يكن سليما، بالرغم من جميع التبريرات التي يمكن أن يقدمها (الدوافع الدستورية – أسبقية الهجوم) لأن الخاسر الأكبر في النهاية هم الشعوب المغاربية بحيث اثبت التاريخ بأن الصراع الدائم في هذه المنطقة هو صراع انظمة سياسية وليس صراع شعوب، المتطلعين إلى الوحدة في زمن يغلب عليه طابع التكتلات الاقتصادية والسياسية.
ومما لا شك فيه بأن هاته الصراعات أثرت سلبا على وحدة المغرب العربي، وساهمت في خلق التجزئة في هذا الكيان ، وجعلت الدولتين تستبعد قيام مغرب عربي فعال.
فإنهاء الصراع بين المغرب والجزائر هو رهين بأن تعمد النخبة المثقفة من مغاربة وجزائريين إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية، بالاعتماد على الحوار الفعال لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الأزمة التي أخرت مسيرة البلدين الإنمائية وأضرت بالوحدة المغاربية.
فلابد من قراءة نقدية وتحليلية لمخلفات الماضي، والأحداث التاريخية التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة خصوصا أن الدول العربية جميعها تسعى إلى تحقيق حد أدنى من التضامن العربي، للرد على التحديات التي يتعرض لها امنها القومي .
*باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.