تنفس المراكشيّونوالفاسيّون والرّباطيون الصعداء حين ثناء الملك محمد السادس على بعض منجزات مُسيّري مَجالس تلك المدن، بالمقارنة مع الدارالبيضاء، التي انتقد تدبيرها، في آخر خطاب له بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، وهو الخطاب/التأنيب الذي فاجأ المنتخبين الجماعيين بالعاصمة الاقتصادية، وحمل في طياته رسالة مستعجلة لباقي رؤساء المجالس الجماعية مفادها المثل المغربي القائل "الهضرة عليك يا لي حادر عينيك"، ويلوح بأن الدور لا محالة قريب منهم. بعد 3 أيام من الخطاب الملكي الغاضب، وفي محاولة لحفظ ماء الوجه، بادر عمدة المدينةالبيضاء محمد ساجد، اضطرارا، إلى فتح قنوات الحوار مع أعضاء مجلس المدينة، فيما عقد اجتماعا عاجلا وموسعا مع رؤساء 3 شركات لجمع النفايات وتنظيف الشوارع، بهدف إطلاق أكبر حملة للنظافة تشهدها جميع أحياء الدارالبيضاء والمناطق الصناعية. في الخطاب الملكي الغاضب، تسائل محمد السادس عن وجود حاد لتناقضات كبرى، تجعل منها "أضعف النماذج" في مجال التدبير الترابي رغم كونها من أغنى مدن المغرب، "تتعايش الفئات الغنية مع الطبقات الفقيرة.. وهي مدينة الأبراج العالية وأحياء الصفيح.. وهي مركز المال والأعمال والبؤس والبطالة وغيرها، فضلا عن النفايات والأوساخ التي تلوث بياضها وتشوه سمعتها". المدن الثلاثة التي ذكرتها الرسالة الملكي، هي الرباطومراكشوفاس، والتي نوه بالمنجزات المحققة بها في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية، ضاربا المثال بمجال التطهير (الربط بقنوات الصرف الصحي وتصفية المياه المستعملة)، "تم الإعلان عن التطهير الكامل لمدينة الرباط، بنسبة بلغت %100"، وهو الأمر ذاته بكل من فاسومراكش، على حد تعبير الخطاب، الذي أشار إلى أن تلك النسبة تبقى ضعيفة جدا في الدارالبيضاء "إذ لا تتجاوز 45%"، رغم أن ميزانية مجلس المدينة الجماعي "تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش". في المقابل، لا تجد تلك المدن الثلاثة لها مكانا ضمن قائمة المدن الأكثر ملائمة للعيش في العالم للسنة الحالية، وفق تقرير دولي صادر عن مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، حيث احتلت الدارالبيضاء لوحدها الرتبة 112 عالميا من أصل 140 دولة شملها التقرير، بمعنى أنها من أسوأ مدن العالم معيشة، فيما أعطت الصدارة لمدن استرالية وكندية، مثل ملبورن وفانكوفر وتورونتو وسيدني؛ وكان التصنيف قد اعتمد على 30 معيارا رئيسيا، مثل معدل الجرائم والخدمات الصحية والتعليم والبنية التحتية وظروف الحياة. وفي الوقت الذي سبق لوزير السكنى والتعمير وسياسية المدينة٬ نبيل بنعبد الله أن صرح بإعلان 62 مدينة بدون صفيح نهاية 2013، وأن 13 مدينة سيتم إعلانها خلال السنة الجارية بالصفة ذاتها، من ضمنها طنجة وتطوان وسطات وقلعة السراغنة والقصر الكبير وسيدي قاسم وسيدي سليمان والسمارة، لا تزال مدن أخرى كالدارالبيضاءوالرباط وسلا ومراكش والقنيطرة تأوي أُسرا وعوائل داخل مساكن صفيحية، هذا بالإضافة إلى هشاشة البنيات التحتية التي تفضح حقيقتها الأمطار التي تزور البلاد كل سنة. الغضبة الملكية لم تمر على على المجالس الجماعية المسؤولة عن تدبير الخدمات الأساسية للمدن، دون توجيه رسالة "تربوية" للمنتخبين الجماعيين تحوي دروسا في الانتداب الجماعي المحلي والجهوي، "إنها مهمة نبيلة وجسيمة، تتطلب الصدق والنزاهة وروح المسؤولية العالية، والقرب من المواطن، والتواصل المستمر معه، والإنصات لانشغالاته الملحة، والسهر على قضاء أغراضه الإدارية والاجتماعية"، مشيرة أن التسيير "اللامعقول" لبعض المدن يؤدي إلى معاناة الجماعات من اختلالات في التدبير، من قبل هيآتها المنتخبة. فيما انتفض الخطاب على ما يجري داخل دواليب تلك المجالس الجماعية، من صراعات "عقيمة" بين مكوناتها وكثرة مهام أعضائها وازدواج المسؤوليات، وهو الواقع الذي يلعب فيه "بعض" المستشارين الجماعيين دورا مهما، في مقابل "بعض" آخر يتمتع ب"الكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على المدينة".