أصبحت بعض وسائل الإعلام العربية متخصصة في نشر الأخبار الكاذبة والقصص المفبركة من أجل تزييف الوعي وتضليل الرأي العام العربي، خدمة لأجندات خارجية مشبوهة، الهدف من ورائها تشويه صورة الثوار والمجاهدين. منذ اليوم الأول من انطلاق ثورات الربيع العربي، شن الإعلام العربي الرسمي حربا إعلامية على الثوار المنتفضين ضد الاستبداد، ونشر الإشاعات والأخبار الكاذبة لشيطنتهم وتشويه صورتهم، ليخمد تلك الثورات في مهدها، فكان يروج عنهم أوصاف قدحية من قبيل الخونة والمخربين والمندسين وغيرها، بل الكل يذكر كيف أن هذا الإعلام الدجال سمح لقادة الاستبداد المطاح بهم من ترويج أكذوبة أن بين المتظاهرين إسلاميين متطرفين وعناصر من القاعدة، حتى يبرر جرائمهم، ولكن تلك الحرب لم تفلح في النيل من مصداقية الثوار ونبل قضيتهم، بفضل الإعلام المضاد الذي أداره باقتدار نشطاء الأنترنيت، والذي كشف كذب تلك الشائعات، وكذلك لوجود جبهة موحدة ومتماسكة مكونة من جميع القوى والتيارات السياسية. بعد سقوط قادة الاستبداد في بعض الدول العربية، وتنظيم انتخابات حرة عبرت لأول مرة في التاريخ عن إرادة الشعوب، التي اختارت التصويت لفائدة التيار الإسلامي، نظرا لما تعرّض من إقصاء وحصار لعقود طويلة، وبالتالي لم يحظ بفرصة تدبير الشأن العام، لكن هذا الفوز خلق صدمة لدى النخبة العلمانية والليبرالية واليسارية، التي لم يرقها أن يتصدر الإسلاميون المشهد السياسي، ويجني ثمار الربيع العربي، فتحالفت مع أنظمة الاستبداد، لإبعاد التيار الإسلامي من صدارة المشهد السياسي، وهكذا انخرطت في الحرب الإعلامية ضد الإسلاميين، وقد تجلى ذلك بوضوح في مصر وتونس مع فارق بسيط، حيث تحولت بعض أذرعها الإعلامية إلى أبواق تمجّد الاستبداد وتقدم الغطاء السياسي للانقلاب على الديمقراطية، وتشن حملة تحريض على الكراهية والإقصاء، أما في سوريا فالأمر مختلف قليلا، لأن رأس النظام لم يسقط، ولذلك فهو لا زال يعتمد على شبيحته في حربه الإعلامية على الثوار، من خلال فبركة الأخبار الكاذبة وترويج الإشاعات المضللة. وللوقوف على بعض فصول الحرب الإعلامية التي تشنها شبيحة الأسد الإعلامية ضد الثوار، نذكر على سبيل المثال الخديعة الإعلامية التي سميت ب"جهاد النكاح"، والذي أثار ضجة كبيرة في الإعلام العربي، وأحدث صدمة لدى الرأي العام العالمي، وأضرّ كثيرا بسمعة الثوار في سوريا، لكن بعد تحقيق صحفي قامت به كل من قناة "فرانس24" وصحيفة "لوموند" الفرنسيتين، أثبتا بالدليل بأنه مجرد "فبركة" إعلامية صنعتها شبيحة الأسد الإعلامية. فقد نشرت القناة المذكورة مقالا بداية الشهر الجاري بعنوان: "خدعة جهاد النكاح في سوريا"، أكدت فيه أن اتهام الثوار السوريين بممارسة "جهاد النكاح" هو مجرد أكذوبة، كما انتهت "لوموند" إلى نفس النتيجة، عندما نشرت مقالا نهاية شتنبر الماضي بعنوان: "ستصابون بخيبة الأمل: جهاد النكاح في سوريا لم يكن أبدا موجودا"، موضحة أن هذا "الجهاد" اخترعته الآلة الدعائية للنظام السوري، كما اخترعت مصطلحات تسيء للثوار مثل "التكفيريين والإرهابيين" لخلع أي شرعية عن الثوار بحسب الصحيفة. ولكي يًُضفي النظام الأسدي المصداقية على خدعته الإعلامية توضح "لوموند"، لجأ إلى اتهام الداعية محمد العريفي بالوقوف وراء فتوى "جهاد النكاح"، حيث ظهر هذا المفهوم أول مرة في نهاية 2012 على قناة "الجديد" الموالية لنظام الأسد، والتي زعمت بأن الداعية السعودي أصدر فتوى خاصة "تُحِلّ المشاكل الجنسية للمجاهدين" وأنه أجاز "زواج المقاتلين في سوريا ساعات معدودات من سوريات كي يفسح المجال لآخرين..". لكن العريفي نفى نفيا قاطعا أي علاقة له بتلك "الفتوى"، ومع ذلك ظلت الإعلام العربي ينشرها مع الإحالة على مصدر مجهول بحسب الصحيفة، وهو ما يؤكد تواطؤ هذا الإعلام ورغبته في ضرب مصداقية الثوار وتلطيخ سمعتهم، وقد ألمح المفكر المصري فهمي هودي إلى ذلك في مقالة له بعنوان : "أكذوبة جهاد النكاح"، عندما اعتبر أن الذراع الإعلامية للأسد تمتد إلى خارج سوريا بالقول: " إن الشبيحة في سوريا ليسوا فقط أولئك الذين ينقضّون على المعارضين ويفتكون بهم على الأرض، لأن لهم نشاطا آخر يمارسونه في الفضاء الإعلامي، من خلال إطلاق مختلف القذائف الملوثة والمسمومة من قبيل القصة التي بين أيدينا.. إلا أننا ينبغي أن نعترف بأن نشاط شبيحة الإعلام أكبر وأوسع نطاقا، ليس فقط لأن مشاهدي التلفزيون أكبر بكثير من قراء الصحف والكتب، ولكن أيضا لأن ذلك الصنف من الشبيحة ليسوا موجودين في سوريا فحسب، بل يوجد أمثالهم في مختلف أنحاء العالم العربي، وقد انجذبوا إلى ممارسة المهنة بعدما أدركوا أن الإعلام صار في زماننا ضمن أسلحة الدمار الشامل...". ومن أجل خداع الرأي العام العالمي، قامت "شبيحة الإعلام" بفبركة شهادات لسوريين قدّمتهم على أنهم من الثوار الذين وقعوا في الأسْر، و"اعترفوا" بأنهم أجبروا زوجاتهم على ممارسة "جهاد النكاح"، وشهادات أخرى لسوريات قدمهن الإعلام المخادع على أنهن ضحايا هذا "الجهاد"، وبحسب "لوموند" فإن انعدام المصداقية لدى الشهود، وضعف شهاداتهم جعل العديد من الناس لا يثقون بها. وكمثال على تلك الشهادات المزورة، ساقت الصحيفة الفرنسية شهادة الطفلة روان قداح (16 سنة) التي ظهرت على قناة "الإخبارية" في 22 شتنبر الماضي، وتتهم أباها باغتصابها وتسليمها للثوار لاغتصابها، وقد علقت "لوموند" على ذلك بالقول " إن العديد من الذين شاهدوا البرنامج صدموا، واستغربوا أن تظهر الطفلة بثياب شتوية مع العلم أن درجة الحرارة كانت مرتفعة، وقد استقصت الصحيفة المذكورة رأي ناشطين سوريين في الموضوع، فأخبروها بأن تلك الطفلة هي ابنة أحد قادة الجيش الحر، وأن النظام اختطفها قبل أشهر وهي في الطريق إلى المدرسة، وهو ما يفسر سبب ظهورها بلباس شتوي، وأن النظام أراد من خلال تلك الخديعة الإعلامية الإضرار بسمعة أبيها خاصة وبسمعة الثوار عامة. وقد تناولت قناة "فرانس 24" بعض جوانب التضليل والتزوير الذي تمارسه الآلة الإعلامية لشبيحة الأسد، فأعطت مثالا على ذلك ب"صور لمجاهدات شيشانيات تم تصوريهن في الشياشان لتقدمهن على أساس أنهن تونسيات ذهبن لمكافأة المجاهدين السوريين بمنحهم أجسادهن"، وأكدت القناة أن عمليات التزوير هاته كانت وراء استقالة صحافية تونسية من قناة "الميادين" التابعة لنظام الأسد، لأنهم طلبوا منها نشر خبر كاذب عن سفر تونسيات إلى سوريا لممارسة "جهاد النكاح". وإمعانا من شبيحة الأسد في الخداع، قامت أذرعها في كل من قناة "الجديد" اللبنانية وقناة "العالم" الإيرانية، باختلاق قصة لطفلة تونسية، اختفت عن منزل أبويها في ظروف غامضة، حيث ادعتا بأن الفتاة سافرت إلى سوريا تلبية لنداء "جهاد النكاح"، ليتبين فيما بعد أن القصة مُختلقة، بعد عودة الطفلة إلى بيتها وتكذيبها للخبر.