تصدير: قد تجدني أشعر بغضب واستياء محددين تجاه المركزية الثقافية كما دوستوفسكي لكني أحترمك – إدريس الهبري "" ضمن العدد 151 من مجلة نيشان الصادر في 15 ماي من السنة الجارية، نشر أحد الصحفيين المبتدئين روبورطاجا عنونه بآش خاصك آحدكورت؟...مهرجان آمولاي !، صحفي جاء ليتعلم الحسانة فريوس ليتامه، روبورطاج من صفحتين لكن ينقصه الكثير من شروط وأوليات العمل الصحفي الموضوعي، ففضلت عدم الرد لأني اعتبرته صحفيا مبتدئا ينتظره الكثير كي يشرب الصنعة جيدا، فلم يستحق مني الرد، كونه لا يعلم أن الخاتم الذي تطلبه حدكورت الهامش من مولاها الذي لن يكون سوى المغرب المركز يمكن أن تبيعه كي تقتني لها قطعة ثوب تتدثر بها وتستر به عريها، ومع ذلك لن أعطيه أكثر من حجمه الحقيقي، يكفي أني اتصلت بمخرج مسرحية طيطوشة الفنان حفيظ بدري أستفسر حول صحة التصريح الذي أخذه منه هذا الصحفي الصغير ردا على سؤال صغير مفعم بالسخرية من جمهور المسرحية وسكان حدكورت قاطبة هاد الشي زوين ولكن واش كيلقى شي صدى فنفوس السكان؟، فزعم أن المخرج، الذي نفى لي أن يكون صرح له بمثل هذا الكلام، رد على سؤاله ضاحكا: حنا كنلعبو والناس تيشوفو فينا باستغراب بحال يلا جايين من كوكب آخر ما عرفنا واش عجبناهم ولا ما حامليناش، وكأن حدكورت بالنسبة لهذا الصحفي المبتدئ ما عمرها كْلاتْ المسرح. ودافع تذكر هذا الروبرطاج الذي تضمن الكثير من المغالطات والمعلومات غير الموضوعية هو عمود الصحفي رشيد نيني مدير جريدة المساء وصاحب عمود شوف تشوف الذي يدبج به الصفحة الأخيرة من نفس الجريدة التي يدريها، العمود حمل عنوان شاري الظلام، تناول من خلاله أزمة القاعات السينمائية بالمغرب، وفي سياق مقاربته لمسؤولية مدير المركز السينمائي المغرب في الأزمة تحدث نيني عن عدد المهرجانات الكبير الذي يلتهم، في نظره، ميزانية المركز، وأردف قائلا: آخرها مهرجان «حد كورت السينمائي». ولكم أن تتخيلوا كيف لمدينة صغيرة مهمشة لا تتوفر حتى على مكتبة بلدية أن يكون لها مهرجان سينمائي. بداية لابد من التنبيه إلى أن مسؤولية الأزمة التي تعيشها القاعات السينمائية بالمغرب لايمكن، بأي حال من الأحوال، أن نلقي بها على كاهل المركز السينمائي المغربي، هذا إذا كنا نريد اعتماد مقاربة عميقة وشاملة لبنية الأزمة، حيث ينبغي الاعتراف بأن الثورة التكنولوجية الإعلامية المعاصرة والتي أفرزت العديدة من وسائط وقنواتالاتصال، مثل الفضائيات، وأجهزة الديفيدي والفيسيدي، والأقراص المضغوطة المقرصنة، كلها ساهمت في إضعاف حضور القاعة السينمائية وفقدان جاذبيتها، هذا فضلا عن تدني القدرة الشرائية للفرد المغربي والارتفاع المهول للأسعار الذي شهده المغرب في السنين الأخيرة، وفي نظري، ولكي تستعيد القاعات السينمائية بريقها، لابد من الثورة على الثورة التكنولوجية الإعلامية والمعلوماتية، وهذا أمر غير ممكن التحقق. حتى وقت قريب، كان الطلبة المنحدرون من حدكورت وبمجرد أن تطأ أقدامهم أرض مدينة أخرى يتنكرون لانتمائهم، لا لشيء سوى لأنهم يحاولون تفادي النظرة الدونية للآخر، فقد كانت حدكورت، وحتى زمن قريب، مضرب أمثال في الجهل والبلادة والغباوة وكل صفة حقيرة، ولا أعرف ما مرد هذا الاحتقار العظيم الذي كان يكنه الآخر لحدكورت دون وجه حق. وقليلون هم سكانها الذين كانوا يفتخرون بانتمائهم إليها بين الآخرين، ويعلنون بكل فخر وتباه أنها أرضهم وانتمائهم الأصيل، لأن هذه الثلة من الناس كانت تؤمن بأن التهميش الذي ترزح تحت وطأته مدينتهم هو واقع مرير تتعدد أسبابه وتتوزع مسؤولية وجوده على العديد من الجهات، وكانوا يعتقدون اعتقادا راسخا أنهم يتحملون جزءا من مسؤولية وجودها على الهامش، الشيء الذي دفع بهم إلى الكد والاجتهاد سعيا وراء رفع هذا التهميش عنها. الصحفي رشيد نيني الذي أحترمه، على الرغم من اختلافي الكبير معه في كثير من الأفكار والمواقف التي يعبر عنها من خلال عموده شوف تشوف، خاصة ما يتعلق بخدمته المقصودة أو غير المقصودة لأجندة مرجعية بعينها ضدا على الحداثة وقيمها النبيلة، أحترم فيه موقفه ودفاعه عن قضايا الوطن وهمومه الآنية بجرأة كبيرة غير مسبوقة، الشيء الذي أكسب جريدة المساء صدارة الصحف الأكثر مبيعا بالمغرب، وإلى جانب نيني أحترم كل أقلام المساء الجادة المتمسكة بالموقف والملتصقة بهموم وانشغالات المغاربة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أليس لمدينة صغيرة مهمشة أن يكون لها ملتقى الشباب للسينما؟ وكأن لسان حال نيني يقول أن المدن المغربية الصغيرة المهمشة لا يحق لها الاستفادة من دعم المركز السينمائي المغربي، كما لا يحق لها تنظيم مهرجانات أو ملتقيات للسينما، فعلى الصغير أن يظل صغيرا دائما ولا يتطلع أبدا إلى التشبه بالكبير في كل شيء، على الصغير أن يظل دوما في خدمة الكبير، وأن لا يخرج عن دور البقرة الحلوب المستعدة دوما لمد ضرعها إلى كل فم كبير يبغي استنزاف حليبها. كأن السينما لم توجد للمدن المهمشة، وإنما هي فن سابع راق لا يليق بغير المركز، هذا العالم المتحضر جدا والمركّز لكل مقدرات العالم القروي وخيراته، التهميش حسب نيني واقع ملزمون، نحن المهمشون، بالاعتقاد به والإيمان بقدره خيره وشره والتسليم بهذا الوجود القسري وعدم التطلع للانعتاق منه، فقط لأننا الهامش الذي لا يصلح أن يستفيد سكانه من خدمات المركز السينمائي المغربي وميزانيته، كما لا يستحقون أن ينعم عليهم المسرح الوطني محمد الخامس ببعض العروض المسرحية التي يحاول المركز أن يحتكرها لنفسه، لأنه وحده المتفرج الحضري المتحضر الذي يفهم اللغة السينمائية والمسرحية ويلم بمناهج القراءة والنقد ويتميز بكونه متفرج جيد وذكي وقادر على الإلمام بكل تفاصيل العرض السينمائي أو المسرحي، أما المتفرج البدوي الذي كتبت تَمارة على جبينه، فليس له حق أن يشاهد عرضا سينمائيا أو مسرحيا مباشرا وينعم بعائدات خيراته ومقدراته، لأنه في نظر المركز متفرج بدائي جاهل بأدوات التفرج ولا تسعفه بلادته وغباوته في الإمساك بخيوط اللعبة السينمائية والمسرحية. لقد كان المركز السينمائي المغربي أكثر تعمقا في فهم الواقع المرير الذي يعيشه الهامش المغربي، وكان نور الدين الصايل رجلا شجاعا متمردا على منطق الهامش والمركز المجحف حين قرر دعم ملتقى السينما والشباب بحكورت في دورته الأولى، لأن غياب قاعة للسينما بحدكورت يمنحها أحقية أن تكون في مقدمة المدن المغربية المستفيدة من دعم المركز السينمائي المغربي، لا أن تنتظر حتى تنشئ مكتبة بلدية ليكون لها حق تنظيم مهرجان للسينما وفق مضمون دفتر التحملات الذي يفرضه رشيد نيني على المدن الصغرى المهمشة. هذا مع العلم أن مؤسسة حدكورت للثقافة والتنمية التي تشرف على تنظيم ملتقى السينما والشباب تستعد لافتتاح المركز الثقافي للشباب ودار الفتاة اللذان أنجزا بشراكة مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن والمجلس البلدي لأحدكورت ضمن الشطر الأول من مشروع المركب الثقافي – الاجتماعي الذي ينتظر إنجاز باقي مكوناته الأخرى، والمكتبة التي تحدث عنها نيني هي واحدة من البنيات الأساسية التي يشتمل عليها المركز الثقافي للشباب ودار الفتاة اللذين سيعلن عن انطلاقتهما في غضون الأيام القليلة القادمة، إضافة إلى قاعة متعددة الوسائط وقاعتين للإعلاميات ومحترف لتعلم الموسيقى ومكونات أخرى لا تخلو من أهمية. وتندرج الحركة النشيطة التي شهدتها حدكورت في السنين الأخيرة ضمن سياق البحث عن أسباب الخروج من الهامش والالتحاق بالمركز بعد أن تهدم جدار برلين الذي ظل، ومنذ الاستقلال، يفصل بينها وبين هذا المركز الذي يصر على أن يحافظ على مركزه ويمنع عنه طموح الهامش التي تهدده، لأنه ببساطة شديدة يخاف أن ينتفي الهامش فينتفي بالنتيجة هو كمركز. http://awraq-com.maktoobblog.com