يمكن القول أن الإسلام باعتباره "دينا" هو مجال العقيدة بمفهومها العام، المتمثل في العبادات والمعاملات محكوما بقواعد السلوك والأخلاق، أما الإسلام باعتباره "سياسة" فهو المبادئ الضابطة للسياسة الشرعية المعتمدة على البيعة كآلية للسلطة، الشورى كأداة لممارسة السلطة، والشريعة كمرجعية معيارية ضابطة لسلوك السلطة. ولعل التلازم بين مجال العقيدة ومجال السياسة الشرعية ما يدفع للتساؤل حول العلمانية المولودة في أنساق مسيحية، لذلك كان الفصل بين الدين والسياسة مفهوما باعتبار فهم كون المسيحية عقيدة وليست شريعة، ولكوننا أمام ممارسة علمانية حين ينضبط الدين بالسياسة. "" في المغرب تأسس النظام السياسي على مشروعية دينية وتاريخية، حيث الإسلام والملكية من صنعا المغرب، وهكذا باتت الإستراتيجية الدينية بالمغرب تعتمد كامل الاعتماد على وحدة الأمة والمذهب كلبنتين لها، ولذلك جسدت الملكية السلطة الدينية العليا بالبلاد، والتي تِؤمن استقرارها بسبب مشروعيتها (التاريخية والدينية)، وبالتالي عملت على انتقال هذه المشروعية من دائرة المفكر به إلى دائرة المسلم به، ولا يمكن لأي نسق أن يضمن للسلطة التي يرتكز عليها الاستقرار إلا إن أدخلها في دائرة المسلمات. إن النسق السياسي بالمغرب يبرز مفارقة بين منظومتيه، منظومة التدبير التي تختزل إطار إدارة الشأن العام، والمتأسسة على ممارسات علمانية حيث الإسلام يحضر باعتباره دينا لا سياسة شرعية، عقيدة لا شريعة، ومنظومة الفلسفة العامة المعتمدة لتغذية السلطة السياسية، فكيف تتمثل العلمانية في منظومة التدبير بالمغرب ؟. إذا كانت العلمانية ترتكز على دعامة معيارية وأخرى سوسيولوجية، فإن القانون الوضعي كدعامة معيارية للعلمانية يعتمد وحدة المنظومة القانونية، فحتى مدونة الأسرة، الإرث، والإعدام...جزء من القانون الوضعي، لأن ما يحدد طبيعة القاعدة القانونية "الوضعية" ليس مضمونها أو مرجعيتها حسب د محمد ضريف وإنما المسطرة المتبعة في اعتمادها. ومن الناحية السوسيولوجية فإن تقوية حضور "النخبة السياسية" التي ارتبط ظهورها حسب M.weber بتطور الدولة الحديثة على حساب "النخبة الدينية" التي همشت بدعوى التمييز بين مجال الدين والسياسة، دعوة لفصل الدين عن السياسة. هكذا تم تصريف الخيار العلماني المستوحاة سياقاته من التجربة الفرنسية انطلاقا من مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي. فعلى مستوى مؤسسة الدستور مثلا، هل تكفي الإحالة على الإسلام للقول بأن السلطة بالمغرب غير علمانية ؟.. إن الإحالة على الإسلام في "الديباجة" لا تطرح سوى دلالة الانتماء لمنظومة ثقافية حضارية، و"الفصل 6" يطرح الإسلام بمفهومه العلماني كمجموع عبادات شخصية، أما "الفصل 19" فلم يتحدث قط عن الإسلام وإنما عن حماية "الدين" كبعد وظيفي في إمارة المؤمنين تتحدد في حماية عقائد المواطنين سواء كانوا مسلمين أو يهود، و"الفصلان 39 و 106" فينصان فقط على عدم إمكانية مراجعة النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي، فما الغائب للقول بأن المغرب دولة إسلامية ؟؟.. إن الغائب بالفعل هو التنصيص على الإسلام كشريعة ومصدر للتشريع؛ وأيضا كقاعدة ناظمة لسلوك السلطة السياسية..بل إن الدستور بالمغرب ذهب لجعل "الدين" في خدمة "الدولة" باعتبار الإسلام دينها الرسمي، وهذا شأنه شأن البروتستانتية في بريطانيا، والأساس المركزي للعلمانية هو إطلاقية الدين وجعل الكل في خدمتها حتى هو، وما صون حرية العبادة في الدستور إلا تمثل للنظام الألماني العلماني الذي يمول ويدعم العبادات . هكذا إذن هي بنية الحقل السياسي بالمغرب في علاقته بالإسلام، إمارة مؤمنين تمنح الأولوية للمشروعية الدينية، رفض للفصل بين الوظائف الدينية والزمنية للملك، وتأكيد للمرجعية الإسلامية للنظام السياسي، دلالات تلتقي لخدمة هدف مركزي هو "دولنة الدين" وجعله عنصرا في بنية الدولة. وبالتالي فالقول بكون المغرب دولة إسلامية ليس إلا أحد أمرين، إما القصد بانتمائه لمنظومة حضارية ثقافية، وهذا أمر مقبول، وإما خلط أكيد وفهم غير دقيق لبنية النظام السياسي بالمغرب، الذي بالفعل استطاع أن يعمق وجود الخطاب الديني في المجتمع، ويعمل على إنتاج "إسلام رسمي، تعبدي، طقوسي، وشعبي" لا يمكن البتة القول معه بكون المغرب بلدا إسلاميا بالفعل.