من الواضح ان السيد بنكيران ساء تدبير المرحلة في عدة محطات بعد مجيء شباط أمينا عاما لحزب الإستقلال فارتكب عدة أخطاء توالت الواحدة بعد الأخرى، كانت البداية لما لم يتعامل السيد بنكيران مع شباط كحليف في الحكومة بشكل مؤسساتي بل تعامل مع تصريحاته وخرجاته وكأنه في حملة إنتخابية فبدأ يحسبه على من يسميهم المشوشين وبعدها رفض مذكرة حزب الإستقلال الداعية إلى تعديل جزئي في الحكومة ورفض فتح حوار جدي مع الأمين العام الجديد، حتى يضمن السير العادي لحكومته والحفاض على تماسكها، فآثر العناد وشخصنة الخلاف، مما أدى إلى إنسحاب الحليف الرئيسي في الحكومة. لكن لم تنتهي أخطاء بنكيران هنا بل حرص على تشكيل حكومته الثانية بأي ثمن حتى لا يحسب لغريمه شباط أنه أرغمه على إنتخابات سابقة لأوانها مما جعله يقبل بالتحالف مع من كان يصفه بالإختلاس والفساد ويرضخ لإبتزازاته فيرفع عدد حقائب الحليف الجديد صاحب 52 مقعد إلى ثمانية حقائب، بعدما كان للإستقلاليين ستة حقائب وهم الحاصلون على 60 مقعد. أما اللامنتمون أو "تيكنوقراط" الذين كان حزب العدالة والتنمية يحتج على وجودهم أيام كان في المعارضة فقد رفع عدد حقائبهم إلى ثمانية رضوخا لما يسميه الدولة العميقة أو الذين يصفهم بنكيران بالمتحكمين و الذين قال عنهم أثناء حملته للتصويت للدستور أن هذا الأخير جاء يضع حدا لهم ولتحكمهم. كما حافظ على حقيبة صديق العمر عبد الله بها الذي ليست له مهام محددة يمكن للناخبين أو لأعضاء حزبه محاسبته عليها في تناقض سافر مع ما كان يطالب به حزب العدالة والتنمية وهو مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ومما يدل على أن السيد بنكيران إنساق وراء شخصنة صراعه مع الأمين العام لحزب الإستقلال احتفاظه بالسيد محمد الوفا لا لكفائته ولكن ليغيض به غريمه شباط الذي كان سيعفيه من مهامه لو إستجاب بنكيران للتعديل الذي إقترحه حسب ماجاء في عدة مصادرإعلامية، وذلك للعلاقة السيئة بين شباط ومحمد الوفا، فما كان من هذا الأخير سوى التقرب من بنكيران والثناء علية في وسائل الإعلام الشيء الذي أصاب بنكيران في مقتل فهو رجل يحب الثناء و الزعامة ولا يطيق الإنتقاد ولو تلميحا فهو يدعو الصحفيين لإستضافته ثم يريد التكلم لوحده. فلو حافظ على الرجل –إفتراضا- أنه أبلى البلاء الحسن في وزارة التربية والتكوين لكان حافظ عليه في نفس الوزارة، لا أن يجعله على رأس وزارة الشؤون العامة والحكامة والتي أُسند لها ملف صندوق المقاصة الذي تورط فيه حزب العدالة والتنمية لحساسيته الإجتماعية فأعفى وزيره نجيب بوليف منها وأسندها لرجل ليس له إنتماء حزبي ولا إلتزامات مع الناخبين، محاولا بذلك دفع الكرة الحارقة خارج الملعب. إن رفض الوفا الإنسحاب صحبة فريقه الإستقلالي ليس بطولة أو شهامة بل لأن الرجل أدرك أن شباط سينهي له مستقبله السياسي فعزف على الوتر الحساس لذا بنكيران. أين الحكامة عند السيد بنكيران وحزبه، لما يقضي وزير في وزارته قرابة سنتين وفي التعديل الحكومي تُسند له وزارة أخرى فيَلزمه بذلك من الوقت الشيء الكثير للتعرف على الوزارة الجديدة ومؤسساتها ومرافقها وميزانيتها وملفاتها وكيفية تنزيل البرنامج الإنتخابي أو الحكومي على إفتراض أنه موجود، غير أن قائلا سيقول إن منصب وزير في حكومة هو منصب سياسي وليس ثقني وهذا فيه قفز على الحقيقة إذ كيف يمكن تنزيل برنامج إنتخابي في غياب كفاءة ميدانية. حزب العدالة والتنمية الذي كان يستنكر إرتفاع عدد وزراء الحكومات السابقة والذي وعد الناخبين أثناء إنتشاءه بالفوز بأن حكومته ستكون في حدود 14 إلى 20 وزير على أبعد تقدير، جعل النسخة الأولى للحكومة حملت 30 وزيرا فيما النسخة الثانية حملت 39 وزيرا وكل ذلك سيكلف ميزانيات وسيارات خدمة وإمتيازات في عز الأزمة التي يشتكي منها بنكيران. لكن الغريب أن تقسم الوزارة الواحدة على ثلات وزراء، فهناك وزير الطاقة والمعادن والوزيرة المنتدبة لديه المكلفة بالماء والوزيرة الثانية المنتدبة لديه المكلفة بالبيئة. ووزير الصناعة والتجارة والوزير المنتدب لديه المكلف بالتجارة الخارجية والوزير الثاني المنتدب لديه المكلف بالمقاولات الصغرى، هذا فضلا عن الوزارات التي إنقسمت إلى إثنين. إن الشكل الذي وزعت به هذه الحقائب وشكل تسميتها يصيب الإنسان بالقرف والإشمئزاز بالإضافة إلى جعله يفقد الثقة وينفر من كل ما هو سياسي. أما بنكيران وعبد الله بها وعدد من حاملي الأقلام داخل العدالة والتنمية الذين لهم نصيب من الكعكة أو ينتظرون أن يصلهم جزء منها فقد حاولوا تبرير هذه التشكيلة الحكومية السريالية بما وقع في مصر وعدد من دول الربيع العربي على إعتبار أن إنسحاب شباط كان في سياق الإنقلاب على تجربة حكم الإسلاميين في المغرب. والواقع أن حزب العدالة والتنمية ركب على موجة الربيع العربي فكان يحذر من أن يقع في المغرب ما وقع في دول أخرى وكان له بهذا التحذير رسالة مزدوجة، الأولى للمواطنين حتى يصوتوا له وهو الرافع شعار محاربة الفساد وللحفاظ على الأنفس والممتلكات والرسالة الثانية لأصحاب القرار أنه عامل إستقرار ولذلك عليهم جعل الإنتخابات ذات مصداقية تفتح للمواطنين باب الأمل في مستقبل أفضل بأقل الخسائر. والآن يريد الحزب الركوب على الخريف العربي وإقناع أعضاء الحزب والمواطنين أن تشكيل هذه الحكومة إنتصار كبير للعدالة والتنمية لأنهم تجنبوا مأزق إنتخابات سابقة لأوانها يمكن أن ترجعهم لنقطة الصفر. وقد ساق عبد الله بها أمثلة من مصر كإعتقال محمد مرسي وفض إعتصام رابعة، ومن يسمع هذا الكلام يظن أن الإسلاميين في حكومة بنكيران كانوا يصنعون مجدا فيحققون الإنتصار تلو الإنتصار مما إضطر الآخرين لتوقيفهم حسدا من عند أنفسهم، والحال أنه كل ما كانوا يطالبون به الحكومات السابقة لم يفعلوا منه شيئا وفعلوا كل ما كانوا يستنكرونه على الآخرين. إن المزاجية والشخصنة والعناد لدى بنكيران التي تعامل بها مع شباط وعدم الرجوع إلى المؤسسات الحزبية أوصل الطرفين إلى مستوى متدني أدى فيه حزب العدالة والتنمية من رصيده لدى المواطنين والمراقبين والمتثبعين الشيء الكثير، فإنتصار شباط على بنكيران ليس في دائرة مولاي يعقوب بقدر إنتصاره عليه بدفعه للتحالف مع من كان يصفهم بالمفسدين والتحالف كذلك مع من كان يصفهم بالدولة العميقة. كما أضفى السيد بنكيران طابع الدستورية على إقحام القصر الملكي في مشاورات تشكيل الحكومة وجعله طرف في ذلك، مبررا ذلك بتجنب الذهاب والمجيئ إلى القصر. وحتى لما أراد التواصل مع المواطنين عبر القنوات الوطنية رفض الحوار مع الصحفيين لأنهم لا يمثلون الشعب ولا يتكلمون باسمه وهو المخول له ذلك بصفته رئيسا للحكومة والذي يملك صلاحية محاسبته هو البرلمان، فأراد بذلك صحفيين كراكيز يأتثون المشهد ويوهمون المشاهد بأن هناك حوار صحفي. إن الخاسر الوحيد في تشكيلة هذه الحكومة هو حزب العدالة والتنمية فرغم إستفادة كل الحلفاء من رفع عدد الوزراء والتمكين للدولة العميقة، لم يتغير عدد وزراء الحزب الحاكم وبهذا يكون حزب العدالة والتنمية خان المواطنين الذين صوتوا له، بالتمكين لمن عاقبهم الشعب فلم يصوت لصالحهم.