عن منشورات مكتبة سلمى الثقافية، صدر كتاب "الحرف والصنائع بتطوان خلال العقد الأول من القرن العشرين". العمل من تأليف ألكسندر جولي، وترجمة د.جمال الدين العمارتي، وتقديم د.نزار التجديتي. ويعد ألكسندر جولي (1870- 1913) ضابطا في الاستعلامات الفرنسية وصاحب تكوين علمي رصين؛ فهو أستاذ وأخصائي في الجيولوجيا والأركيولوجيا، وحائز على دبلوم في اللغة العربية ودبلوم في الدراسات التاريخية بمدرسة الآداب بالجزائر. وقد أنجز جولي دراسته حول الحرف والصنائع بتطوان أثناء مقامه بهذه المدينة بين سنتي 1904 و1906، بدعم من البعثة العلمية الفرنسية التي كان يشتغل في إطارها ولحسابها. وعليه، فإن النص المترجم رحلة علمية/ استكشافية اعتمد فيها المؤلف على الوصف الدقيق والقياس والمقارنة، واستثمر فيها مستحدثات العلم والتقنية (تحاليل مخبرية وأدوات القياس الحديثة ومعارف جيولوجية...). وترجمة هذا الكتاب إسهام في جمع شتات ذاكرة مدينة تطوان الجماعية وخطوة لامتلاك ماضيها، فالذاكرة تؤدي دورا كبيرا في ضمان الاستمرارية الثقافية بما يمكن جماعة ما من الحفاظ على إرثها الثقافي والمعرفي المشترك وصونه من الاندثار. وهي تندرج ضمن الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي باعتباره بوتقة للتنوع الثقافي وعاملا يضمن التنمية المستدامة، وباعتبار الدور القيم للغاية الذي يؤديه في التقارب والتبادل والتفاهم بين البشر؛ ذلك أن الحرف والصنائع ومنتوجاتها وخدماتها وأدواتها وتقنياتها ومفرداتها تراث ثقافي وفقا للتعريف الوارد في "اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي" التي اعتمدتها منظمة اليونسكو في 17 أكتوبر 2003 وصادق عليها المغرب في 6 يوليوز 2006، ونشرها في الجريدة الرسمية في 27 يوليوز 2009. وهي تسعى إلى الانخراط في مجهودات تحديد هذا التراث وتوثيقه والتعريف به وإبرازه ونقله إلى الأجيال الناشئة بما يساهم في الحفاظ عليه وصونه وحمايته وبالتالي في تنمية الإحساس بالهوية والشعور باستمراريتها، ومن ثمة تعزيز احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية. فضلا عن أن النص المترجم يقدم مادة علمية غنية وغزيرة يمكن استثمارها في العديد من مجالات البحث العلمي، خاصة في مجال التاريخ الاجتماعي والأنثروبولوجيا والدراسات الرحلية. قسم ألكسندر جولي كتابه إلى مقدمة وعشرة فصول. تطرق في المقدمة إلى المنهجية التي اتبعها في تقسيم الصنائع بالمدينة، ثم تناول بالدرس عبر الفصول صنائع الجلد وصنائع الطين المشوي والصنائع المعدنية وصنائع النسيج والملبوسات وصنائع الخشب والعظام وصنائع عمال المباني وحرف التغذية وصنائعها وحرف البحر وصنائعه، ثم أخيرا تعرض للحرف والصنائع الصغيرة ولبعض المهن الصغيرة المستقدمة من أوروبا. وختم جولي دراسته ببعض الخلاصات المهمة. ومن ثم، فإن المؤلف قدم مسحا كليا للحرف والصنائع بالمدينة، وجرداً لكل ما يتعلق بها من ورشات وصناع وأدوات وتقنيات ومواد أولية، ومنتوجات وأثمانها وطرق تسويقها. وعن الصورة التي قدمها عن المغرب والمغاربة من خلال حديثه عن الحرف والصنائع بالمدينة، يمكن القول بأنه جمع بين الإعجاب والنظرة الإيجابية الصادرة عن نزعته الرومانسية، والنظرة السلبية التحقيرية التي تصدر عن الإيديولوجيا الاستعمارية وعن الأفكار المسبقة والصور النمطية التي تراكمت عير الزمن في كتابات المستشرقين ونصوص الرحالة الذين زاروا المغرب، فهو إذن يجمع بين الصورة الاغتباطية والصورة المتأسية. وسعيا إلى الغرائبية، قدم جولي المغرب متمثلا في مدينة تطوان بشخصيات منغلقة غير قادرة على التجدد والتجديد والإبداع، وبزمن دائري مغلق غير منفتح على المستقبل، وبمكان مغلق متوار عن الأنظار عصي على الاستكشاف. جدير بالذكر أن د. جمال الدين العمارتي ألحق هذه الترجمة بالهوامش وإضافتها إلى هوامش الأصل، وقد وضح في بعضها ما استغلق في المتن من ألفاظ، خاصة ما تعلق بمصطلحات الكيمياء والجيولوجيا والرياضيات. كما أضاف في البعض الآخر معطيات تاريخية تفسر بعض المعلومات الواردة في المتن أو تضيء سياقها التاريخي، ووضع معجما مزدوج اللغة (عربي-فرنسي) للصنائع بتطوان، قسمه إلى تسعة أجزاء، كل جزء عبارة عن معجم خاص بالصنائع التي تشتغل بنفس المادة الأولية، ثم أنجز أربعة فهارس أو كشافات لتيسير البحث في الدراسة المترجمة: كشاف معجم الصنائع بتطوان، وكشاف الأشكال والرسوم، وكشاف الأماكن، وكشاف الأعلام.