نوقشت أمس الأربعاء بكلية الاداب والعلوم الانسانية، أطروحة دكتوراه تقدم بها الأستاذ جمال الدين العمارتي، تمثلت في ترجمة وتقديم والتعليق على كتاب ألكسندر جولي المعنون ب "الحرف والصنائع بتطوان خلال العقد الأول من القرن العشرين ". وبعد مناقشة استغرقت زهاء ثلاث ساعات نوهت لجنة المناقشة المكونة من الدكاترة مصطفى الغاشي ونزار التجديتي ومحمد حاتمي ووفاء بوعصاب بالمجهود الجبار والعمل المتميز الذي أنجزه الطالب الباحث جمال الدين العمارتي ومنحته ميزة مشرف جدا. وتتمثل الأطروحة في ترجمة مونوغرافيا أنجزها ألكسندر جولي خلال مقامه بتطوان بين 1904 و1906 أثناء عمله في إطار البعثة العلمية الفرنسية، ونشرت في "الأرشيفات المغربية" ما بين 1906 و1912 على أربع حلقات، والموسومة ب «l'industrie à Tétouan»، ذيلها الطالب الباحث جمال الدين العمارتي بالعديد من الهوامش التي تفسر ما استغلق في المتن من ألفاظ، خاصة ما تعلق بمصطلحات الكيمياء والجيولوجيا، وأضاف في البعض الآخر معطيات تاريخية تفسر بعض المعلومات الواردة في المتن، ثم وضع معجما ثنائي اللغة لمفردات وألفاظ كل صنعة على حدة، ثم وضع أربعة فهارس أو كشافات تيسيرا للبحث في ثنايا النص المترجم. وهكذا خلص الباحث إلى أن جولي أنجز دراسته في سياق التجاذبات بين القوى الاستعمارية، وصراعها المحموم من أجل الحصول على مستعمرات جديدة وضمنها المغرب. وكان جولي يتلقى الدعم والتمويل، أثناء مقامه بتطوان، من البعثة العلمية الفرنسية التي كان يشتغل في إطارها ولحسابها والتي كانت مهمتها تتمثل في استكشاف المغرب بغية تحقيق التغلغل السلمي فيه تمهيدا لاحتلاله. كما كان جولي موظفا استعماريا عسكريا، برتبة ضابط، يشهد على ذلك اشتغاله مترجما للجيش الفرنسي بالجزائر، وحصوله على "الميدالية الكولونيالية" الفرنسية التي تمنحها فرنسا مكافأة على الخدمات العسكرية في المستعمرات. وأنجز جمال الدين العمارتي دراسة من جزءين، عنون الجزء الأول ب "الأدوار السوسيو اقتصادية للصنائع الأساسية بتطوان"،وعنون الجزء الثاني ب "صورة الآخر (المغرب والمغاربة) في مؤلف "الحرف والصنائع بتطوان""، وقام من خلاله باستجلاء الصورة التي قدمها جولي عن المغرب والمغاربة عبر حديثه عن الحرف والصنائع بمدينة تطوان، متوسلا إلى ذلك بمنهج الصوريات، مصدرين في الجزأين عن إشكالية صورة الآخر. ومن خلال دراسته للصنائع الأساسية بتطوان، اتضح للباحث أن استعمار المدينة في الفترة الممتدة بين 1859 و1862 كان له انعكاسات وخيمة على اقتصاد المدينة بصفة عامة، وعلى الصنائع بصفة خاصة. ورغم أن هذه الصنائع استعادت حيويتها في أواخر القرن 19، إلا أن الصناع لم يتمكنوا من مراكمة الرأسمال الضروري والكافي، ولم يستفيدوا من التقنية الحديثة التي أضحت متاحة، لتجديد أدوات عملهم وتحديثها، وتوسيع إنتاجهم، ولم يتمكنوا بالتالي من مواجهة منافسة البضائع الأوروبية التي غزت السوق المغربية. وبين العمارتي من خلال الجزء الثاني، بأن الدراسة التي أنجزها جولي يمكن إدراجها ضمن المؤلفات التي ساهمت في بلورة صورة الفرنسيين الحديثة عن المغرب. وعن الصورة التي شكلها جولي عن المغرب والمغاربة، يقول العمارتي، إنه "جمع بين الإعجاب والنظرة الإيجابية الصادرة عن نزعته الرومانسية، والنظرة السلبية التحقيرية التي تصدر عن الإيديولوجيا الاستعمارية"، وعن الأفكار المسبقة والصور النمطية التي تراكمت عبر الزمن في كتابات المستشرقين ونصوص الرحالة الذين زاروا المغرب.