لم يكن ذبح السيد عبد الإله بنكيران لأضحيته الحيوانية، تقربا لله، صباح العيد الكبير إلا مشهدا يخفي ذبحا أكبر وضع فيه "صاحب السبحة" سكينه على أضحية بشرية إسمها علي أنوزلا تقربا لإله آخر اسمه السلطة. قدم الإنسان البدائي قربانا للكائنات الخفية أو للآلهة قصد جلب استعطافها أو تهدئة غضبها أو طمأنتها منذ الأزل فكان تقديم القربان البشري من الطقوس التعبدية التي لم يستغني عنها الإنسان القديم و التي ظهرت بين ظهرانينا من جديد بعدما قدم زعيم جماعة المصباح رقبة الصحافي علي أنوزلا لتقطع في معبد العفريت الأول الذي يهابه رئيس الحكومة حيث لا يجرأ على ذكر إسمه أو حتى الإشارة بالبنان لمغارة نومه. تماما كقصة ابراهيم مع ابنه اسماعيل وتفسيرها على أنها محطة مفصلية في تجاوز القربان البشري (إسماعيل) الى القربان الحيواني (الكبش) كعلامة على تقدم الفكر الإنساني، قدم لنا القصر دستوره الجديد\القديم كمحطة مفصلية يخرج بها المغرب من الظلمات الى النور كما قَدَم لنا بنكيران نفسَه في ثوب نبي يحمل رسالة أنجتنا من أنهار الدم التي كانت ستسيل شلالا في شوارع المملكة قربانا للديمقراطية قبل أن يظهر رئيس الحكومة على حقيقته في صورة كبير الكهنة، الشبيه بوصف الكاتب فراس السواح في "لغز عشتار"، حيث يذبح الكاهن قربانه البشري و يرش دمه على تمثال الهة الذرة و يخرج للمشي منتشيا في موكب صاخب على أنغام الطبول. إن قضية علي أنوزلا، الذي لم يستطع التضحية بمبدأ الانطلاق من المعلومة كأساس للخبر و صياغتها بمداد الاستقلالية بعيدا عن قرطاس السلطة، تُظهر (أي قضية انوزلا) أن علاقة المخزن ببنكيران تشبه الى حد كبير علاقة إبراهيم بابنه إسماعيل. فالمخزن جاء الى أمين حزب العدالة و التنمية فقال له: إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى؟ ليرد بنكيران: يا أبتي إفعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين. إن بنكيران يذبح نفسه من خلال ذبح أحرار الوطن و من خلالهم الوطن نفسه و ذلك هو الذبح العظيم. الأكيد أن الذبح قد بدأ و أن رؤوس الديمقراطيين بالمغرب ستسقط متدحرجة، تباعا، كما رؤوس القرابين الآدمية زمن الحضارات الغابرة، في مشهد رهيب تؤثثه تعويذات كهنة العهد الجديد و على رأسهم المُصْطَفَيَيْن الخلفي و الرميد و الذين يصبغان لبوسا قانونيا و أخلاقيا لفعل الذبح المتواصل في "كْرْنَة" الاستبداد. في الأخير لا أجد خاتمة أعمق مما كتبه مختار الخلفاوي في مقالته الرائعة التي عنونها ب "عن العيد تحدثني نفسي"، حيث يقول: في ذكرى أبينا الذي خلّفنا بوادٍ غير ذي زرع، أقف، كلّ عام، مستذكرا صوتا هائما في البرّيّة، صوت الشيخ الأكبر محي الدين بن عربيّ متحيّرا في إله مكفهرّ قاس يمتحن الآباء بنحر الأبناء، وفي حدَث إبراهيميّ أوشك، نتيجة خطإ تأويليّ، أن يجعل من التضحية ضربا من القتل، وأتفكّر في الأنساغ التي تمدّ هذه المَسْرَحَة الدوريّة لفعل الذبح بأسباب الاستمرار. جريا على "السنة الابراهيمية" أقول لكم : عيد مبارك