الصويرة: التوقيع على أربع اتفاقيات من أجل هيكلة وتطوير منظومات للصناعة التقليدية    ترامب: لا حق للفلسطينيين للعودة وسأحول غزة إلى قطعة أرض جميلة (فيديو)    تفاصيل الهزة الأرضية التي وصل مداها إلى عدة مدن مغربية    هزة أرضية تتجاوز 4 درجات تضرب شمال المغرب    رمضان 1446 .. استقرار الأسعار وعرض وافر من المنتجات الغذائية بأكادير إداوتنان    هزة أرضية قرب القصر الكبير تصل درجتها 5.10 شعر بها المواطنون في عدد من المدن    عاجل | هزة أرضية تضرب شمال المغرب ويشعر بها السكان    سبعة مغاربة ضمن الفائزين ب"جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" برسم دورة 2024-2025    لفتيت يجري محادثات مع وزير داخلية إسبانيا حول قضايا الإرهاب والإجرام    التوفيق يربط فوضى الخطاب الديني بفوضى حرية التعبير    صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 3.9% سنة 2025    حماس تقرر تأجيل تسليم الرهائن الإسرائيليين المقرر الإفراج عنهم السبت والجيش الاسرائيلي يعلن استعداده لكل الاحتمالات    لاراثون الاسبانية: ملف الاعتراف بجمهورية القبائل على طاولة وزير الخارجية الأمريكي    ارتفاع يسم تداولات بورصة البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    المحكمة الابتدائية بطنجة ترفض تمتيع المدون رضوان القسطيط بالسراح المؤقت وتبقيه قيد الاعتقال الاحتياطي    تتويج الرامي بجائزة "بول إيلوار"    "بوحمرون" يستنفر السلطات الصحية باقليم الدريوش    مجلس المستشارين يختتم الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024 – 2025    الشراكة الأخلاقية بين الوضعي والروحي في المغرب..    توقيف شخص وذلك للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بالتخدير وإلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة    "خطة التشغيل" على طاولة المجلس الحكومي    تقرير: المغرب يبقى منفتحا على التنين الصيني في ظل إغلاق الأسواق الكبرى    سفير السعودية بالمغرب يستعرض إنجازات نوعية في خدمات العمرة والحج    فلسطين تثمن جهود الملك محمد السادس من أجل حل أزمة الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى "إسرائيل"    محمد زريدة يعزز صفوف الاتحاد الليبي    شاطئ الحسيمة يلفظ حوتًا ضخمًا    المغرب في شراكة للذكاء الاصطناعي    الأستاذ البعمري يكتب: "تهجير الفلسطينيين للمغرب.. الكذبة الكبيرة!"    بعد إدانته بالإعدام ابتدائيا.. تأجيل المحاكمة الاستئنافية لقاتل "بدر"    المستشفى الحسني يفرض الكمامة على المواطنين    أوزين عن التصويت لصالح قانون الإضراب :"نشرع للوطن وليس لموقع في الوطن"    الفنان عبد الحفيظ الدوزي يصدر أغنيته الجديدة "اش هدا"    نهضة بركان ينفرد بصدارة البطولة ويواصل الزحف نحو اللقب هذا الموسم    وفاة الفنانة السورية الشابة إنجي مراد في ظروف مأساوية    الندوة الدولية الثالثة حول مصطفى الأزموري (إستيبانيكو) في نيويورك تكرس الروابط الأطلسية بين المغرب وأمريكا    أرقام قياسيها تحققها الصناعة السينمائية المغربية خلال سنة 2024    من كازابلانكا إلى فاس.. أوركسترا مزيكا تُطلق جولتها الموسيقية في المغرب    ترتيب البطولة الاحترافية المغربية للقسم الأول "الدورة 20"    المغرب يشارك في المؤتمر العام الثامن للاتحاد العربي للكهرباء بالرياض    خبراء يحذرون من التأثيرات الخطيرة لسوء استخدام الأدوية والمكملات الغذائية    تصفيات كأس إفريقيا للريكبي…المنتخب المغربي يبلغ النهائيات بفوزه على نظيره التونسي    أسعار الغاز الطبيعي ترتفع بأوروبا    الذهب قرب ذروة مع تزايد الطلب على الملاذ آمن بعد خطط رسوم جمركية جديدة    علماء أمريكيون يطورون كاميرا فائقة السرعة تعالج الصور فور التقاطها    فيلم "دوغ مان" يواصل تصدّر شباك التذاكر في الصالات الأميركية    البرتغالي "ألكسندر دوس سانتوس" مدربا جديدا للجيش الملكي    إقصاء مبكر.. ليفربول يتجرع خسارة مُذلة على يد فريق في أسفل الترتيب    المغرب يقترب من التأهل التاريخي إلى مونديال 2026 بعد إقصاء هذا المنتخب    بكراوي يهدي "إستوريل" هدفين    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    دراسة: القهوة تقلل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني    الاتحاد الأوروبي يسمح باستخدام مسحوق حشرات في الأغذية    وداعا للشراهة في تناول الطعام.. دراسة تكشف عن نتائج غير متوقعة    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكومة بنكيران الثانية والردة الديمقراطية
نشر في هسبريس يوم 16 - 10 - 2013

خلّف حدث تشكيل الحكومة الثانية للسيد عبد الاله بن كيران، موجة من ردود الفعل والملاحظات والتساؤلات، بل وحتى موجة من الاستغراب والاستهجان وخيبة الأمل. ولعل مرد ذلك، إلى طبيعة التشكيلة الحكومية، وتضخم عدد الوزارات والمنتدبين لدي الوزراء، وأيضا للعودة القوية للتكنقراط ولسدنة المخزن القديم. بل إن الأمر المفاجئ هو توسع وزارات السيادة، فبعدما كان قطاع التعليم قطاعا يتحمل مسؤوليته الوزراء المنتمون لأحزاب سياسية، فقد أصبح هو الآخر قطاعا سياديا بامتياز، وما فرض اسم السيد "رشيد بلمختار" إلا مؤشرا على مرحلة جديدة في تاريخ هذه الوزارة. ولهذا يمكن أن نربط بين الخطاب الأخير للملك حول القضية التعليمية، وتحميل حكومة السيد عبد الاله بن كيران، تراجع المنظومة، وسوء التدبير الذي عرفه القطاع التعليمي، في عهد الوزير محمد الوفا، وبين الاستوزار الجديد.
ومن بين الملاحظات الأساسية التي يمكن أن يستخلصها المتتبع لتشكيلة الحكومة الحالية، هو الحضور القوي للوزراء التكنوقراط، ومنهم بطبيعة الحال بعض وزراء "السيادة "كوزير الداخلية، وهذا الحضور يذكرنا بالعهد السابق، حيث كما يعرف الجميع، أن المخزن يعيد إنتاج نخبه ويستطيع أن يتكيف بمرونة عالية مع السياقات والأحداث والمواقف مع الفاعلين –كيفما كانوا- بذهاء كبير". ولهذا نحن نتساءل: هل سيكون من مهام وزراء السيادة في هذه المرحلة، استرجاع الوهج المخزني المبدد؟ وهل سيكون من مهام وزارة الداخلية، في حلتها الجديدة، هندسة الاستحقاقات المقبلة والحاسمة في تاريخ المغرب؟ وهل لهذا التغيير من أجندات مضمرة أخرى، ستكشف عنها الأيام والسنوات المقبلة ؟ (ربما نترك الجواب عن هذه الأسئلة المحرقة إلى حين أن تتضح الصورة أكثر).
ثالث ملاحظة، يمكن أن يقرأها الجميع في الحكومة الجديدة، هو التفتيت الذي طال العديد من الوزرات،-"كوزراة السكنى والتعمير وسياسة المدينة"، والتي أصبحت وزارتان، واحدة في يد السيد نبيل بنعبد الله (وزارة السكنى وسياسة المدينة)، والثانية في يد السيد امحند العنصر (التعمير وإعداد التراب الوطني). أو من خلال تشظية وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة، إلى ثلاثة أقطاب، واحدة في يد السيد عبد القادر اعمارة، والثانية في يد السيدة المنتدبة (حكيمة الحيطي) مكلفة بالبيئة، والثالثة، عند السيدة (شرفات أفيلال) مكلفة بالماء.
وعموما فإن تضخيم عدد الحقائب الوزارية لم يخضع لمنطق الفعالية والنجاعة المطلوبين في عملية الهندسة الوزارية، بقدر ما تحكمت فيه الحسابات الحزبية الضيقة والانتهازية على حساب المصلحة الوطنية. وقد يتهمنا أحد بأننا نستبق الأحداث ونحكم على الشيء قبل بداية عمله، فإنني أذكر بما عرفته حكومة السيد عبد الرحمان اليوسفي في صيغتها الثانية، والتي ضمت العديد من الوزارات والمنتدبين لدى الوزراء، مما عطل فعاليتها وكان عائقا أمام سرعتها المطلوبة. وللتذكير فقط، فقد كان حزب العدالة والتنمية وهو في المعارضة، من بين الأحزاب الأكثر معارضة لهذا التوجه، بل إنه كان يعتبر أن من بين الأعطاب البنيوية للحكومات السابقة، هو كثرة عددها وإرهاقها لميزانية الدولة، بدون فائدة.
ولعل الخلاصة التي يمكن أن يستخلصها المتتبع، أن هناك خلفية تحكمت في عملية المفاوضات، وهي إضعاف صورة حزب العدالة والتنمية، ومن ثم بعض القطاعات الحيوية التي كان يشتغل عليها بمعية أحزاب أخرى، وقد نذهب أبعد من ذلك، في التماهي مع فكرة المؤامرة، عندما نلحظ كيف يتم الاستغناء على خدمات رجل مثل الدكتور سعد الدين العثماني، هذا الرجل الذي كان يتحرك بقوة سريعة بل وفائقة، فحركيته وفعاليته، وطريقته في تدبير الأمور تجعله بقوة المنطق، حاضرا في الحكومة الثانية، لكن استعمال المنطق في السياسة يصيب في بعض الأحيان بالوهم، وبالعمى المنهجي؟
لا نشك أن هذه الاعتبارات كانت حاضرة في تصور حزب العدالة والتنمية، وهو يباشر عملية المفاوضات الأولى والثانية، ونحن نقدر أن المفاوضات الأخيرة، لم تكن بالسهلة ولا بالهينة، بل إنها كانت معركة حقيقية، لأن الذي يديرها ليس هو حزب الأحرار، بل أطراف في الدولة العميقة التي لا زالت تمانع في تسريع وثيرة الإصلاحات، والتي تريد أن ترجع المغرب إلى مرحلة ما قبل 20 فبراير، وإلى عهد السلطوية البائد. لكننا بالمقابل نريد أن نتساءل ما الذي يدفع بحزب قوي كحزب العدالة والتنمية، وحزب له حضوره المجتمعي ورصيده النضالي وسمعته الأخلاقية، أن يقبل بهذه التراجعات؟ وما هي المسوغات أو الدفوعات التي يقدمها البعض لتبرير منطق الأمر الواقع، و"أنه ليس في الإمكان إلا ما كان"؟ وما هي السيناريوهات المستقبلية المحتملة في هذا المشهد الضبابي العصي على كل احتمال أو توقع؟
إن المطلع على الأحداث الجارية في منطقتنا العربية، وتعثر المسلسل الديمقراطي، وحالة التقاطب والتقاطب المضاد الذي ينخر الجسم العربي، خصوصا بعد الانقلاب العسكري على الحكومة المنتخبة في مصر، وفي ظل التجييش والعسكرة، وخلق أجواء مسمومة اتجاه بعض الأحزاب، وغيرها من الحيثيات... . ربما كانت أسبابا موضوعية أثرت بشكل أو بآخر في مجريات الأمور في المغرب. ولهذا فإن الشروط الإقليمية كانت لها تداعياتها في عملية تشكيل الحكومة، وقبلها في مسار انسحاب حزب الاستقلال. وعليه فقد كان الحزب (أقصد العدالة والتنمية)، واعيا بهذه التحديات، ويقرأ مآلاتها جيدا، فهو المعروف عليه استباقه للإشكاليات التي وقعت فيها الأحزاب "الإسلامية" في الوطن العربي، ولهذا كان دوما يقوم بمراجعات-بشكل ذاتي- وبتنازلات وبذهاء سياسي كبير، من أجل تجنيب التجربة الإصلاحية مطبات النكوص والتراجع.
لكننا بقدر ما نعتبر أن هذه الحيثيات كانت غير مساعدة للحزب في التفاوض، فإننا بالمقابل، كنا نود أن يتشبت الحزب –على الأقل- بمجموعة من المبادئ: لا لتفتيت القرار الحكومي، لا لتعطيل بعض الأوراش الإصلاحية الهيكلية، و التي انطلقت مع بعض الوزراء (سعد الدين العثماني ومحمد نجيب بوليف، عبد القادر اعمارة)، ولا للوزراء التكنوقراط. لكن بكل أسف، لم يستطع الحزب الصمود في وجه الاستفراد "المخزن-حزبي"، وفي ظل حالة التوتر التي أعقبت قرارات الحكومة الأخيرة حول صندوق المقاسة، كل ذلك وغيره، كان –ربما- أسبابا معاكسة للمضي في المفاوضات بشكل ندي وبما يخدم المصلحة العليا للوطن.
ربما إذا ما سمحنا لأنفسنا- ولو بنوع من المجازفة- بأن نفترض أنه لو كان حزب الاتحاد الاشتراكي، بقيادته الوطنية والغيورة على مصلحة البلد، والمنسجمة مع روح حركة 20 فبراير، ومع الزخم الشعبي المطالب بالكرامة وبالحرية وبالديمقراطية، لكان قام بدور آخر غير هذا الذي يقوم به الآن. فقد كان مكانه الطبيعي أن يسند حكومة السيد عبد الاله بن كيران، وأن يقدم أكبر خدمة للمشروع الإصلاحي في هذه المرحلة. وذلك لاعتبارات مبدئية: وهي أن الحزب يتقاسم مع العدالة والتنمية رؤيته في الإصلاح، وأنه يتوفر على أطر حزبية متمرسة بالعمل الإداري وبالعمل الحكومي، وأنه على الأقل حجم المسؤولية الأخلاقية مقدر في هذا الحزب. إلا أن مجريات الأمور لا تسمح بالحديث عن هذه الفرضية، والتي بهتت مع المسار التراجعي، الذي حصل مؤخرا لهذا الحزب، خصوصا في مؤتمره الأخير.
ولهذا إذا كانت هناك من خلاصة، يمكننا أن نستخلصها من هذا المسار التراجعي للتجربة الإصلاحية المغربية الوليدة، والتي انبثقت مع الانتخابات الأخيرة، فهي أن تحقيق الديمقراطية ودولة الحق والقانون وتخليق الحياة العامة، والقطع مع الاستبداد والتسلط واقتصاد الريع، وما إلى ذلك من تركة العهود السابقة، لا يمكن أن ينجزها حزب واحد مهما أوتي من قوة ومن نظافة اليد ومن سمعة أخلاق ومن تجرد نصالي، فالمسألة تتطلب جبهة وطنية إجماعية توافقية، أو بلغة الراحل "محمد عابد الجابري" كتلة وطنية تاريخية، تقوم بتحمل مسؤولياتها وتنجز مهام التحرر من التسلط الجاثم على نفوسنا، والمعطل للطاقات التي يزخر بها وطننا الحبيب.
فيما يخص السيناريوهات المحتملة، فإننا نتوقع أن موقع العدالة التنمية في الحكومة، سيعرف تراجعا كبيرا في الصلاحيات والمسؤوليات والقرارات الاستراتيجية وحتى الانية والمتوسطة، وربما سيعيق تحقيق برنامجه الحكومي، لأنه لا يستقيم الحال مع حكومة أغلب مكوناتها من التكنوقراك ومن النخب الفاسدة، أن تباشر عملية الإصلاح، إلا بما يخدم مصالحها وإعادة إنتاج نفس الأوضاع. وكنتيجة مباشرة لهذا الوضع، فإن الثقة التي كانت قد بدأت في البروز والتشكل، بين المواطن والدولة، قد تتراجع أو تفقد، وقد يتجلى ذلك في ضعف المشاركة في الاستحقاقات المقبلة –سواء الجماعية أو الجهوية أو البرلمانية- وهو ما سيفسح المجال لمزيد من الإفساد والمال الحرام. وفي هذه الحال سنعرف انتكاسة حقيقية للمسار الإصلاحي.
لكن هناك سيناريو آخر مطروح، وهو أنه في حال انتصار الشعب المصري على الاستبداد وعلى العسكر، وتم استرجاع الشرعية للمصريين من خلال رئيسهم المنتخب "محمد مرسي"، وفي حالة نجاح المسار التفاوضي في تونس، بما يعزز بروز نخبة سياسية شعبية، فإن ذلك ستكون له تداعيات سياسية على التجربة المغربية، وعلى مدى صمود الخط الإصلاحي وانتصاره على جبهة الفساد. إلا أن هذا الاحتمال يبدو أنه ضعيف في ظل التحكم الدولي في مجريات الأمور بالمنطقة العربية. وعلى كل حال، تبقى هذه مجرد سيناريوهات محتملة وقابلة للمراجعة وللنقد وللتفنيد، وكل أملنا أن تكذب هذه الاحتمالات، وأن تنتصر إرادة الشعوب مرة أخرى، لكن ذلك لا يتحقق بالأماني، بل إن الأمر يتطلب توفر شروطه التاريخية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.