في الثالث من شهر دجنبر من كل سنة، تحتفل دول المعمور باليوم العالمي للأشخاص في وضعية إعاقة؛ وهو موعد سنوي يخصص لتعزيز مختلف حقوق هذه الفئة من الأشخاص وزيادة الوعي لدى المجتمع بأوضاعهم الخاصة، فضلا عن بحث سبل إشراكهم في العملية التربوية والتنموية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة وتعزيز مكانتهم وصون حقوقهم في تلقي الرعاية الطبية والنفسية والوظيفية مع تلقي التدريب المهني وإعادة التأهيل وخدمات التوظيف وغيرها من الخدمات التي تعينهم على الانخراط والاندماج ضمن مجتمعاتهم. وانخرط المغرب ضمن الآليات الدولية ذات الصلة عبر مؤسسات الدولة الرسمية والهيئات المدنية والمنتخبة، حيث عزز خلال العقود الأخيرة ترسانته القانونية لصالح هذه الفئة من المجتمع بغية مساعدتها على مواجهة الإكراهات والتحديات في مجال الولوج إلى العلاجات والتعليم وكذا اندماجهم الاجتماعي والمهني. ويعد الملك محمد السادس أكبر ضامن لهذا المسار، إذ قال في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 1999: "أم كيف يدرك تكافؤ الفرص وإتاحتها للجميع إذا كان المعوقون جسديا يهمشون ويبعدون عن الميادين التي هم لها مكونون ومستعدون؛ في حين أن الإسلام- هو دين التكافل والتكامل- يدعو إلى الاهتمام بالمستضعفين ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع والأخذ بأيديهم ليكونوا أعضاء فيه عاملين منتجين". وتعد تجربة إقليم اشتوكة آيت باها في مجال تدبير ملف فئة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وفي وضعية إعاقة رائدة في مجال العناية بهذه الشريحة، إذ تشكل وعي محلي بضرورة تجسيد العناية بالفئة بمختلف أعمارهم وأجناسهم؛ فجرى تأسيس جمعيات بمختلف المناطق السهلية منها والجبلية، قبل أن توحد جهودها واشتغالها ضمن "فيدرالية جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة"، التي جسدت كل مسارات العمل الميداني لصالح هذه الفئة المجتمعية؛ غير أن هذه الفيدرالية أضحت، في الآونة الأخيرة، تواجه إكراهات مادية جلية، أبرزها تقليص الدعم الممنوح إليها مما قد يؤثر على عملها وعلى الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة من نقل وإدماج مدرسي وتأهيل مهني وتربية خاصة وغير ذلك بالمراكز التي تسيرها الفيدرالية. وعن تلك الإكراهات، قال إبراهيم وجان، رئيس فيدرالية جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة باشتوكة آيت باها، إنها تعد "من الإطارات الجمعوية النشيطة في الميدان الاجتماعي بإقليم اشتوكة آيت باها، حيث باتت، منذ تأسيسها في ماي 2010 إلى اليوم، تسير أربعة مراكز متخصصة بمعية شركائها؛ كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ومؤسسة التعاون الوطني، والمجلس الإقليمي والمجالس الترابية، ووكالة تنمية شجرة الأركان والواحات، وبعض الشركات الخاصة، وبعض السفارات والمنظمات المحلية والأجنبية، إلى جانب السلطة الإقليمية". وأفاد رئيس فيدرالية جمعيات ذوي الاحتياجات الخاصة باشتوكة آيت باها بأن تلك المراكز، المسيرة في إطار اتفاقيات شراكة ووضع رهن الإشارة مع الجماعات الترابية، "تستقبل أزيد من 330 طفلا وشخصا في وضعية إعاقة بعموم تراب الإقليم، وتقدم خدمات التربية الخاصة وخدمات التأهيل الحرفي والمواكبة النفسية والاجتماعية والمواكبة النفسية الحركية والترويض الطبي وتقويم النطق، وكذا خدمة النقل من وإلى المراكز يقدمها أسطول مكون من 11 سيارة، وتسهر عليها ما يقارب 80 من الأطر الإدارية والتربوية والتأهيلية وشبه الطبية والمستخدمين". وأوضح المتحدث ذاته أن فلسفة الفيدرالية ترتكز في تسييرها لهذه المراكز على الإدماج العام للشخص في وضعية إعاقة بمحيطه الاجتماعي؛ وذلك من خلال ثلاثة محاور أساسية. يتجلى المحور الأول في الإدماج في المحيط العائلي والأسري، خصوصا للأطفال في وضعية إعاقة عميقة، بالاشتغال على تعديل السلوكيات السلبية وتعزيز السلوكيات الإيجابية لدى الطفل، وكذا العمل على استقلاليته في الأكل والملبس وقضاء الحاجة. أما المحور الثاني فيتعلق بالإدماج في المنظومة التعليمية، وخصوصا للأطفال في وضعية إعاقة متوسطة وخفيفة، بالاشتغال على تأهيلهم لكسب مهارات حركية وذهنية تمكنهم من الكتابة والقراءة، تساعدهم على ولوج المؤسسات التعليمية. وفي هذا الإطار، فقد تم دمج مجموعة من الأطفال في وضعية إعاقة في المنظومة التربوية بربوع تراب الإقليم، ولعل تجربة دمج ذوي الإعاقة السمعية لشاهدة على ذلك، حيث يواصلون دراستهم بمستويات الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي إسوة بزملائهم في الفصل نفسه وبمساعدة أطر متخصصة في لغة الإشارة تابعة الفيدرالية. أما المحور الثالث والأخير، فيتمثل في الإدماج المهني، ويخص الأشخاص في وضعية إعاقة خفيفة والبالغة أعمارهم فوق 18 سنة، حيث اعتمدت الفيدرالية منذ سنة 2018 على خلق ورشات للتأهيل الحرفي في مركزين في حرف الخياطة والحلاقة والطبخ والحلويات، التي مكنت من تخرج الفوج الأول والفيدرالية في صدد مواكبتهم لولوج سوق الشغل سواء من خلال الاشتغال لدى الغير أو من خلال خلق مشاريع ذاتية". ومن أجل بلوغ الأهداف المسطرة والتي تسعى الفيدرالية لتحقيقها، قال إبراهيم وجان إنه "لا بد من توفير الظروف الملائمة من موارد مالية كافية وموارد بشرية مؤهلة وكذا الوسائل اللوجستية الضرورية لإنجاح هذه المهمة الاجتماعية النبيلة". وتابع الفاعل الجمعوي ذاته قائلا إن "مركز ذوي الاحتياجات الخاصة ببيوكرى، والمركز التربوي للأشخاص في وضعية إعاقة بأيت اعميرة، ومركز ذوي الاحتياجات الخاصة سيدي بيبي، والمركز التربوي التأهيلي وشبه الطبي للأشخاص في وضعية إعاقة ببلفاع هي مراكز تستقبل هذه الفئة باستمرار وتؤدي لفائدتها أدوارا مهمة؛ غير أن الهاجس المالي يعد من أكبر المعيقات التي تقف حجرة عثرة أمام طموحات الفيدرالية". وسجل إبراهيم وجان: "تبلغ المصاريف السنوية لتغطية الأجور، والتغطية الاجتماعية (الصحية، الاشتراكات، الضريبة على الدخل، الوقود، التأمينات، المكتبيات، الإصلاحات (السيارات، البنايات)، والمواد الأولية للورشات، والأنشطة الموازية والتكوينات وغير ذلك ما يقارب 5200000.00 درهم يساهم فيها القطاع الوصي ب70 في المائة، وتساهم المجالس المنتخبة الإقليمية والترابية، وكذا بعض مساهمات الآباء السنوية ب20 في المائة، وتبقى 10 في المائة التي تساوي تقريبا 520000.00 درهم عجزا سنويا على عاتق الفيدرالية". وأرجع رئيس الفيدرالية هذا العجز إلى التراجع عن الالتزامات المالية للقطاع الوصي، حيث "تم خصم ما يقارب 10 في المائة من ميزانية السنة المقبلة، وكذا تملص بعض المجالس المنتخبة من أداء منح الدعم والتسيير لفائدة الفيدرالية؛ وهو ما جعل هذه المراكز تعيش وضعا غير مستقر ويحد من مردوديتها، كما وضع الفيدرالية في مواجهة مباشرة مع الأطر والمستخدمين وكذا الممونين، مما يهدد استمرارية خدمات هذه المراكز ويهدد معه حرية الممثلين القانونيين للفيدرالية أمام القضاء". عمل جبار إذن تبصم عليه فيدرالية ذوي الاحتياجات الخاصة باشتوكة آيت باها لصالح فئة هي على غرار باقي مكونات المجتمع، يتمتعون بكامل حقوقهم في الولوج إلى الخدمات الصحية والتعليم، وكذا الاندماج الاجتماعي، عبر المراكز الأربعة التي تسيرها الفيدرالية، منخرطة بذلك في مجهود الدولة لتفعيل كافة حقوق هذه الشريحة والتي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، ولن يتأتى ذلك إلا بتوفر موارد مالية ودعم القطاع الوصي والمجالس المنتخبة حتى تتحسن خدمات تلك المراكز عوض أن يتهددها من شبح التراجع عن خدماتها؛ وهو ما سينال من عزيمة مسيريها ويضر بمصالح الأشخاص في وضعية إعاقة بالإقليم.