للرأي القائل إن حكومة بنكيران في طبعتها الثانية تشكل انتكاسة، نسوق الملاحظات الأولية التالية: • احتفظ حزب العدالة والتنمية بالعدد نفسه من الوزراء، واحتفاظه بوزارة العدل ووزارة التجهيز والنقل يعكسان تشبت الحزب بخيار محاربة الفساد، فكلتا الوزارتين تشرفان على القطاعات الأكثر فسادا بالمغرب، كما أن حصول مصطفى الرميد على وسام ملكي يعد اعترافا واضحا بجهود هذا الرجل، الذي قيل من قبل إن الدولة كانت ترفض رفضا قاطعا توليه منصب العدل قبل تشكيل الحكومة الأولى لمواقفه المتصلبة. • شكلت الثقة الملكية بالحكومة الثانية التي يقودها بنكيران قطعا للطريق أمام أمين عام حزب الاستقلال حميد شباط، والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، اللذان كانا ينويان بدء معركة حجب الثقة من هذه الحكومة. • ترميم الحكومة من جديد يُحسب للعدالة والتنمية، الذي أكد أنه حزب عصي عن الكسر والابتزاز، أو الاحتواء من قبل أركان الدولة العميقة. الخيارات الممكنة • ربما كان من المهم أن نتحدث عن الخيارات التي كانت مطروحة أمام بنكيران. هل كان حريا به أن يدفع باتجاه خيار الانتخابات المبكرة بدل التحالف مع جزء من الفساد لإسقاط الجزء الآخر؟ أم أن هذا الخيار مكلف للجميع مادامت الساحة العربية تعج بالانقلابات والتوترات والمواجهات المسلحة؟ • وفي هذا السياق لو تم الذهاب رأسا إلى انتخابات مبكرة، فإنه لن يجزم أحد بإمكانية توفر الضمانات الكافية بأن تمر هذه الانتخابات في أجواء نزيهة، مثلما حصل في الانتخابات الأخيرة. ويغذي هذا التخوف عودة الممارسات غير المشروعة في الانتخابات الجزئية بدائرة مولاي يعقوب من جهة، ومن جهة ثانية تبدل الأوضاع السياسية بالمنطقة، حيث يشهد المراقبون توجها قويا للارتداد والانقلاب عن الخيار الديمقراطي. • وحتى مع فرض توفر جو إيجابي، فلن يحصل حزب العدالة والتنمية على عدد مقاعد أكبر مما حصل عليه، وسيضطر دائماً إلى التحالف مع الأحزاب التي تحالف معها. فما الفائدة المرجوة إذن من هذا المسار الطويل إن كنا سنعود إلى نقطة الصفر؟ • ربما كان علينا أن نسلم بأن السياسة ليست ربحا وخسارة وتبدلا في المواقف فحسب، بل هي أيضا فن الممكن، وهذه الحكومة ضمن هذا الممكن. أسئلة استشرافية • كان أكثر ما أثار المراقبين وأزعج المحبين خروج الدكتور سعد الدين العثماني من وزارة الخارجية.. هل هو خسارة؟.. نعم خسارة، لكن هذه نتيجة طبيعية للمفاوضات، وربما شكل خروجه طريقا ممهدا نحو ترؤسه مجلس النواب. بالنتيجة عادت وزارة الخارجية إلى قلعة الدولة مع مزوار، ليعود معها ملف الصحراء والحكم الذاتي إلى أحضان المقاربة الرسمية التاريخية بعيدا عن اجتهادات العثماني. • تقلص الوزارات السياسية في مقابل توسع نطاق التكنوقراط والوزارات السيادية ، ومنح وزارة التربية الوطنية لوزير سابق في مرحلة ما قبل الانتقال الديمقراطي، يحمل على القول بأن نتجه بالنقاش العام صوب ضرورة تغيير القوانين الانتخابات، ليكون باستطاعة الحزب الفائز أن يشكل الحكومة بالأريحية المطلوبة. في الأخير.. سنظل نتشبث بالأمل في الإصلاح، لأنه لا خيار أمامنا سوى ذلك. *صحافي من الدوحة