كشف مولاي الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أن "المحاكم المغربية تلقت سنة 2020 ما يعادل 19926 طلبا للإذن بزواج القاصر، صدر بشأنها 13335 إذنا بالزواج"، معلقا بقوله: "وهذا يجعل الظاهرة مقلقة، لأن الواقع أنتج وضعية لا تساير فلسفة المشرع التي جعلت هذا الزواج استثناء في أضيق الحدود". وفي كلمته خلال افتتاح اللقاء الجهوي حول الوقاية من زواج القاصر، الذي يندرج ضمن التزامات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، والذي نظم بمقر عمالة الرحامنة، تنزيلا للمبادرة المبتكرة البناءة التي تم أطلقت تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم، أكد رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض أن "هذه اللحظة تعتبر مناسبة سنوية لتقييم السياسات والبرامج الرامية لحماية الطفولة ولحماية النساء والفتيات من العنف في حقهن". وإذا كان القضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو-ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، ف"إننا بالمقابل مسؤولون جميعا عن الأرقام المرتفعة لزواج القاصر"، يورد الداكي الذي "دعا إلى عدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل كل من موقعه، وهو ما جسدته فلسفة إعلان مراكش 2020". وشدد المسؤول القضائي ذاته على أن "قضايا زواج القاصر ذات راهنية الكبرى لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية، وغيرها من الحقوق التي تكفلها القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. لذا، فإعلان مراكش 2020 شكل مبادرة رائدة تهدف لضمان المقاربة التشاركية في مجال محاربة العنف ضد النساء والفتيات والحد من زواج القاصر". وأمام عامل عمالة إقليم الرحامنة والمسؤولين القضائيين وممثلي قطاع التعليم بجهة مراكشآسفي ورئيس المجلس العلمي المحلي، والبرلمانيين، ورؤساء الجماعات المحلية، ذكر رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأن "المغرب، بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات ذات الصلة وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة، ولم يسمح بزواج من لم يبلغ بعد السن القانونية إلا بصفة جد استثنائية". وزاد المتحدث نفسه: "أخضعت المملكة المغربية هذا القانون لمجموعة من الشروط أهمها، جعل الإذن بالزواج بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه بعد تقصي مصلحته من هذا الزواج من خلال الخبرات والأبحاث الاجتماعية التي يأمر بإجرائها، لحماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى"، ثم استدرك قائلا: "فالمقاربة القانونية أو القضائية وحدها غير مجدية. لذا، يجب مساءلة المدرسة والصحة والإعلام والمجتمع المدني، ودور الأسرة، وغيرها من الفضاءات المعنية بقضايا الطفولة في بلادنا". وأكد الداكي أن "الحصول على تعليم عصري ملائم متاح لجميع الأطفال بكيفية متساوية مسلك أساسي لتحقيق هذه الغايات، فيما يشكل الهدر المدرسي أهم الأسباب التي تعوق تحقيقها؛ وهو ما برر إبرام الاتفاقية الإطار بين رئاسة النيابة العامة وقطاع التربية الوطنية من أجل تكثيف التعاون بين الطرفين كل من موقع تدخله للوقاية من الهدر المدرسي باعتباره رافدا أساسيا لزواج القاصر". وأضاف: "رئاسة النيابة العامة تؤمن بعدم جدوى العمل الفردي أو المقاربة الأحادية. كما سعت منذ تأسيسها إلى مواكبة انشغالات المجتمع؛ من خلال طرح القضايا التي تستأثر باهتمامه للنقاش، ومقاربة أية ظاهرة اجتماعية يشتبه في انتهاكها لحقوق الإنسان عامة ولحقوق الطفل خاصة، مقاربة تروم تطوير تدخلها من خلال النيابة العامة بالمحاكم، لوعيها بالانعكاسات الوخيمة لزواج القاصر على الصحة النفسية والبدنية للطفل. واستدلت النيابة العامة على عنايتها بموضوع زواج القاصر بإدراجه في صلب اهتمامها بعد استقلال السلطة القضائية، وحثها قضاة النيابة العامة خلال دوريتين الأولى سنة 2018 والثانية سنة 2020 على تفعيل صلاحياتهم للحفاظ على حقوق الطفل ومصالحه الفضلى كالتسجيل في الحالة المدنية وغيرها، ودعتهم إلى عدم التردد في التماس رفض الإذن بالزواج كلما اقتضت مصلحة القاصر ذلك، ورسمت لهم بالتالي خارطة طريق للنهوض بدورهم الحمائي للطفل بهذا الخصوص. وسرد مولاي الحسن الداكي تجليات حرص النيابة العامة على المصلحة الفضلى للطفل من خلال "توجيه دورية ثالثة في شهر يونيو من سنة 2021، تدعو فيها النيابات العامة بجميع محاكم المملكة إلى تعميم العمل بالاتفاقية الإطار للشراكة والتعاون مع قطاع التربية الوطنية لمحاربة الهدر المدرسي، موضوع لقائنا اليوم، وتكثيف برامج التكوين لتعزيز قدرات القضاة وخبراتهم في المجال". وذكر المسؤول القضائي الحاضرين بدراسة تشخيصية أنجزتها النيابة العامة حول موضوع زواج القاصر، من أجل الوقوف على الحجم الحقيقي له وتحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحيطة به، وتقديم توصيات تقارب الأسباب الحقيقية لارتفاع أرقام زواج القاصر؛ وهي الدراسة التي سنقدم نتائجها في الأيام القليلة المقبلة. وفي هذا السياق، أشار رئيس النيابة العامة والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض إلى أن هذا اللقاء الجهوي يهدف إلى الوقوف على ما تم إنجازه في المنطقة النموذجية الأولى "مراكش"، تنفيذا للاتفاقية ذات الصلة بمحاربة الهدر المدرسي، من طرف النيابات العامة من جهة والمصالح التابعة لقطاع التربية الوطنية من جهة أخرى. يذكر أن هذا اللقاء الجهوي، الذي نظم بشراكة مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة مراكشآسفي تزامنا مع الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف ال20 من شهر نونبر من كل سنة، يأتي من أجل تتبع تنفيذ بنود الاتفاقية الإطار للشراكة والتعاون المنبثقة عن إعلان مراكش والموقعة بين رئاسة النيابة العامة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي حول إلزامية التعليم الأساسي بغية محاربة الهدر المدرسي للوقاية من زواج القاصر.