بعيدا عن شعار "خاوة خاوة"، الذي تصدح به الجزائر في العلن، يعتمل العقل الباطن للجارة الشرقية للمغرب بالكثير من الحقد الدفين، الذي بلغ منتهاه عندما تجاسر أحد "فقهائها" على نزع "جنسية المغرب الأقصى" من الدولة المرابطية، قائلا إن منشأها ينحدر من منطقة صنهاجة التي زعم أنها تتبع لنفوذ البوليساريو! بل إن هذا الشارد في التاريخ عمد إلى "تجنيس" الخلافة الثانية وما تلاها من الدولة الموحدية، واعتبرها جزائرية وليست مغربية كما يوثقها التاريخ. وبعيدا عن لغة التاريخ، التي تؤرق من لا تاريخ له، يتجسّم الحقد الأعمى للجارة الشرقية للمملكة في كل شيء تقريبا: في المقررات الدراسية من روض الفصل الابتدائي حتى المسلك الجامعي، وفي البيانات الدبلوماسية، وفي التصريحات الرسمية للمسؤولين، وفي نشرات الإعلام الذي ينهل من قاموس واحد ومن محبرة معدة سلفا في مخافر "عنتر" بمنطقة بن عكنون. فبلاغات الرئاسة الجزائرية، المنسوبة رسميا لعبد المجيد تبون، لا ترعوي في وصف المغرب ب"البلد المحتل"، و"الدولة الراعية للإرهاب"، في وقت شدّد جلالة الملك في خطاب العرش الأخير على وصف صاحب هذا الكلام ب"فخامة الرئيس"، وأسدل على بلده وصف "البلد الجار والشقيق الذي لن يأتيه من المغرب سوى الخير". أما رئيس أركان الجيش الشعبي الجزائري، سعيد شنقريحة، الذي يباشر عمله في الإعلام أكثر من الثكنات، فإنه يجد في مهاجمة المغرب المحفِّز الأكبر لتضليل جنوده، وصرف انتباههم عن ندرة العدس والبقوليات في تموين الجيوش التي يدعي أنها تشتغل على السوخوي؛ إذ ما فتئ يصف المملكة ب"العدو الكلاسيكي" الذي يدرجه إلى جانب الإرهاب في ترتيب مخاطر الجزائر على المستوى الأمني. ولئن كان النظام الجزائري يتنصل من الدماثة والكياسة الدبلوماسية في التعاطي مع المغرب فإن إعلامه الرسمي وشبه الرسمي ينفث في كل يوم سموم الكراهية والتوجيه المعنوي للجزائريين ضده؛ ففي جميع النشرات التلفزية يتم تقديم المملكة بعبارات قدحية من قبيل "جار السوء" و"جار الإرهاب والجريمة المنظمة"..إلخ. أكثر من ذلك، يستحل الإعلام الجزائري دماء الجنود المغاربة عبر الترويج لبيانات الحرب الوهمية التي تصدرها ميلشيات البوليساريو، التي تدعي فيها "دك مواقع العدو"، و"التسبب في خسائر فادحة في الأرواح"، في إشارة عبثية إلى المغرب وجنوده؛ بل وتسدل هذه البيانات على الحزام الأمني المغربي وصف "جدار الذل والعار"، وتقدّم بواسل المملكة وكأنهم "متخندقين وراء الجدار". إنها شذرات مما تجود به قريحة بعض الأشقاء من وراء الحدود الشرقية للمملكة، ممن يحرّضون على ارتكاب عمليات إرهابية لنشر الرعب في مدن الدارالبيضاء ومراكش وأكادير، بينما يستحيل أن تجد نشرة رسمية واحدة أو بلاغا مؤسساتيا بالمغرب يصف الجزائر بالعدو الكلاسيكي أو جار السوء، رغم أن مساوئ نظام هذه الأخيرة على المملكة لا تعد ولا تحصى. لكن عزاء المغاربة الوحيد هو أن الحقد الجزائري ينحصر في الحقد الرسمي، الذي لا ينفذ إلى عامة الشعب، وأن من يتولى تصريفه هم مسؤولو النظام وأزلامه وبيادقه في الإعلام التلفزيوني، بينما يردد عموم الشعب الجزائري وشقيقه المغربي بإخلاص شديد شعار "خاوة خاوة". ولعل هذه الأخوة المتجذرة في الشعوب هي التي جعلت خطابات جلالة الملك وبلاغات الدبلوماسية المغربية تعرض عن "أراجيف" النظام، وتحتفظ في المقابل بجميل المودة وحسن الجوار مع الشعوب المغاربية قاطبة من نواكشوط وحتى طرابلس.