قالت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، إن "الهاكا" ليست "دركي الأثير"، وتابعت المتحدثة: "أقول هذا مع كامل الاحترام للدرك. فالزجر جزء بسيط من عملنا، نخاطب فيه المتعهد لا الصحافي، فهو الموقع على دفاتر التحملات، ولا تعاقب الهيئة الصحافيين فهذا ليس عملنا". جاء هذا في درس افتتاحي للأكاديمية المتخصصة في الإعلام والدبلوماسية السابقة والرئيسة الحالية ل"الهاكا"، استقبلته قاعة المؤتمرات خالد مشبال، مساء الثلاثاء، في بيت الصحافة بطنجة، بعنوان "منظومة الإعلام بين ديناميات التأقلم وحاجيات التطور". وفي حديث عن وظيفة "الهاكا" في تقنين الإعلام السمعي البصري بالمغرب، قالت أخرباش إن "تقنين الإعلام ضد الرقابة القبلية، ويكون في الدول التي اختارت لنفسها النهج الديمقراطي". كما تفاعلت مع أحد أسئلة الحاضرين ببيت الصحافة قائلة: "الإعلام الحكومي ليس ما يحتاجه المغاربة، بل الإعلام العمومي"، وقدمت مثالا بشكاية توصلت بها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، من هيئة الأطباء، ودافعت فيها "الهاكا" عن "حرية المتعهد العمومي في ألا يقول دائما إن السماء صافية، لأن انتقاد بعض النقص في مجال الصحة جزء من عمل الإعلام العمومي"، قبل أن تعود للتأكيد: "نحن مؤسسة دستورية تعكس إرادة سياسية ورؤية ملكية، ولا يتحكم فينا لا وزير ولا رئيس وزراء". وواصلت المتحدثة: "نشتغل للمجتمع والمواطن المتلقي، ونزجر الإعلام العمومي أيضا"، وتطرقت إلى عدم وجود ترخيصات جديدة تمنح لتأسيس قنوات مغربية، قائلة: "التحرير مكسب ديمقراطي، حتى لا يبقى إنشاء القنوات للدولة فقط (...) نطبق القانون في الترخيصات، بعد دراسة، وليس لأن من يطلبها رجل من رجالات الدولة. ونحن مع تعدد الفاعلين في المشهد، ونساند كل ما يرفع عدد المتدخلين، لكن هناك مشكل في الاقتصاد السمعي البصري وشح في الموارد (...) وتبنى قراراتنا حسب انتظارات المواطن، وما يوجد برقعته الجغرافية، وحسب المشروع وإمكانية استمراريته الاقتصادية". وعن "الهولدينغ الإعلامي العمومي" الذي من المرتقب أن يجمع قنوات القطب العمومي (الأولى، القناة الثانية، ميدي أن تيفي)، قالت أخرباش: "هذا قرار وسياسة عمومية، أبدت الهيئة رأيها فيه في سنة 2006 بطلب ملكي. وننتظر (...) ونعتبره محاولة من السلطات العمومية للإجابة عن التحولات الرقمية، وضروري أن يقوى هذا المرفق". وحول مساعي تقنين المجال الرقمي، ذكرت رئيسة "الهاكا" أن "الأخبار الزائفة داعٍ للتقنين من أجل ضمان السير الديمقراطي العادي، وهذه قناعة دولية في الدول الديمقراطية، إضافة إلى تصاعد خطاب الكراهية، وهو خطاب عابر للقارات، والاستغلال الجنسي للأطفال والتنمر والمس بالحياة الخاصة وحماية حقوق الملكية الفكرية"، قبل أن تستدرك موضحة: من إكراهات عدم التقنين كون ما ينشَر خطابا عابرا للقارات، واختلاف القوانين حول هذه المضامين بفعل الاختلاف الثقافي، والصراعات بين الدول. وزادت متحدثة عن ضرورة مواكبة التقنين للتطورات الرقمية، وأن "يكون له ذكاء مثل المنصات الميتافيرس (الكون الرقمي الموازي)"، قبل أن تشرح هذا المستجد العالمي: "أمر بدأ، وهو أن التكنولوجيا على مدى سنوات ستمكن من تقديم تجربة جديدة للمستخدم بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي، ومجتمعيا يحتاج إعدادا، ولو كان هذا جيدا طبيا (الحضور في أكثر من مكان في الآن ذاته) إلا أن هناك حاجة لتأهيل المجتمعات لتعيش في أمان في هذا العالم الميتافيرسي القادم، لا بعقلية أهل الكهف، بل بتنمية المجتمع مما يمكنه من الاستفادة دون مخاطر". وسجلت أخرباش في هذا السياق أن الهيئة التي تترأسها "ليست لها سلطة على المنصات الرقمية قانونيا"، وواصلت: "لا نعرف المستقبل، لكن لنا مديرية وهيئة عمل تتأمل وتستشرف..."، علما أن "فيسبوك حرية يجب أن تبقى". ووصفت أخرباش، في درسها الافتتاحي، الصحافة بكونها: "مهنة نضال وخبرة، ولكنها أيضا مهنة التوق للأحسن، لبلدنا، ديمقراطيا وفي الحريات والأداء الإعلامي الذي ليس أداء تقنيا بل هو فاعل مهم لترسيخ الديمقراطية وبناء مجتمعات لها من القوة والثراء الفكري والمبادرة، ما يؤهلها للاستجابة للانتظارات المواطنة". وأضافت المتحدثة: "للمغرب إرادة سياسية واضحة"، يدفع بها ويرعاها الملك، و"حركية مدنية مهمة جدا"؛ الأمر الذي "يجعلنا نؤمن بالمستقبل، ونقول إن ما حققناه جميل. لكن لا تزال في الطريق بقية لم نقطعها بعد"، حتى "نكون مجتمعا فاعلا، مواطنا، مبادرا؛ وهي أوراش للإعلام فيها دور معتبَر". وحول سيادة المنصات العالمية في الزمن الرقمي، ذكرت رئيسة "الهاكا" أن "90 في المائة من طلبات البحث عن المعلومة يستحوذ عليها، ويجيب عنها محرك "غوغل"، وهو ما كان غائبا قبل 20 سنة، فنحن في شرط إنساني جديد، وهناك من يتحدث عن الوجود الرقمي للإنسانية. ويوجد مليارا مستخدم شهري لمنصته لتقاسم الفيديو "يوتوب""، علما أن هذه المنصات "خاضعة لضوابط تحريرية: لا وجود لأي تقاسم، أو ولوج إلى معلومة، دون أن تكون لها نتيجة لها علاقة بالمضمون والتوجه التحريري". واستمرت المتحدثة باسطة أدلة هذه "السيادة": "ل فيسبوك ما يقارب 3 مليارات مستخدم شهريا، ومنصته للتراسل الفوري "واتساب" يستعملها مليارا مستخدم نشط شهريا، إضافة إلى أكثر من مليار مستخدم شهريا لمنصته لتقاسم الصور والفيديوهات "إنستغرام"". كما أن "أمازون" للتجارة الإلكترونية قد "تجاوزت عتبة المليون مستخدم، و88 في المائة من أجهزة الكمبيوتر مزودة بنظام التشغيل ويندوز (...) وتجاوزت "نيتفليكس" لمشاهدة الفيديو حسب الطلب، أكثر من 200 مليون مشترك في أنحاء العالم". ومن نتائج هذا الواقع الجديد، حسب المتحدثة، "تموقع وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أول للخبر بالنسبة إلى المواطن، قبل التلفزيون، وهو انتقال سريع حدث خلال عشر سنوات، ابتداء من 2009؛ وهو تطور مس عادات استهلاك الإعلام". وشرحت أخرباش هذا المعطى: "من قوة الفعل الإعلامي أنه كانت له الريادة في تزويد الخبر، والصحافة، بمعناها التقليدي، فقدت هذا الوضع الاعتباري كمصدر أول، بعدما كان لها احتكار من إذاعة وتلفزة وإعلام مكتوب، والآن يجري البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما تكون له آثار ثقافية". وأبرزت أخرباش نتائج هذه "الطفرة الجديدة"، داخل المغرب وخارجه: "المواطن لم يعد متلقيا سلبيا يستهلك الصورة، بل صار مرتادا نشيطا للإنترنيت، ومنتجا للمعلومة في إطار شبكات التواصل الاجتماعي، و98 في المائة من مستخدمي الإنترنيت أكبر من خمس سنوات يستعملون شبكات التواصل الاجتماعي، وصارت هذه الأخيرة جزءا من الممارسة الإعلامية للمواطن المغربي: "واتساب" هو الأكثر استخداما، يليه "يوتوب"، ف"فيسبوك"". وزادت: "من غير المستساغ علميا قول إن المنصات الرقمية يجب شيطنتها. هذا خطأ. بل هي تحول أتى بفرص مهمة جدا للبشرية فيما يخص حرية التعبير، والولوج إلى الخبر من مصادر متنوعة، والإبداع، والابتكار، والتجديد، وتجويد الأداء الإعلامي"... ومع توفر المغرب على ثاني أكبر بنية تحتية لتوفر الإنترنيت في القارة الإفريقية، وتوفر 98 في المائة من الأسر على الأقل على تلفاز واحد، وامتلاك 30 في المائة من هذه الأسر على تلفاز قابل للربط بالإنترنيت"، سجلت الأكاديمية أن "التلفاز لا يزال الدعامة المفضلة لمشاهدة المحتوى السمعي البصري بالمغرب، بالنسبة إلى من هم فوق خمس سنوات"، بمعدل فردي يومي هو "3 ساعات و43 دقيقة". ومع استحضارها واقع استهلاك الإعلام بالمغرب والتحديات الرقمية العالمية، سجلت رئيسة "الهاكا" أن "وسائل الإعلام المعهودة والكلاسيكية يمكنها خلق لحظة جديدة في تطوير عرضها بالاعتماد على الفرص الجديدة للتكنولوجيا الرقمية".